أيار - الجمعة 12/05/2000 مصابيح
|
15
ايار 1948 هو التاريخ الذي نكبت فيه فلسطين،
تذكرت ذلك وانا اتصفح "المجهود الكبير"
الذي يعمل عليه اليوم المؤرخون الصهاينة في
استقراء مرحلة الغزو الصليبي لفلسطين الذي
حدث عام 492هـ 1099م.
وما لفتني في عملية الاستقراء تلك، هو
الهاجس المرعب والخفي الذي يدفع هؤلاء
المؤرخين الى التوجس من ان يصيبهم ما اصاب
الحملة الصليبية التي احتلت فلسطين وابادت
اهلها ذبحا وحرقا، وبين الاسباب التي ادت
في ما بعد الى سقوط هذه الحملة الحديدية
الجرارة وخروجها من فلسطين.
هذا التشابه بين الغزوين الصليبي
والصهيوني جعل المؤرخين اليهود ينكبون على
دراسة كل ما احاط بالحملة الصليبية وبمنطقة
الشام انذاك، فعمدوا الى دراسة القلاع
الصليبية، ونظم التحصن الصليبي في مرتفعات
الجولان، حللوا رحلات الحجاج والتغير في
الرؤية للارض المقدسة، درسوا الجغرافية
التاريخية لفلسطين ابان الحروب الصليبية،
وتاريخ اليهود والاستيطان الصليبي وقوانين
الادارة والتجارة والحدود وقضايا الزراعة
والمياه وملكية الارض والعلاقات ومن ثم
السقوط المفاجئ لمملكة بيت المقدس وطرد اخر
بقايا الصليبيين غداة سقوط عكا.
ولان الباحثين اليهود يتحسسون في
الصليبيات مصير الغد فقد نشطت الجامعات
العبرية اليوم ايضا على دراسة خطب الجهاد
المودعة في كتب الجهاد، يستنطقون دواوين
الشعر والملاحم، وكتب الفقه والفتاوى وحتى
السير الشعبية (ذكرت "العهد" الاسبوع
الماضي خبر شراء اليهود في مصر كل الكتب
الشيعية وغير الشيعية التي تتحدث عن الجهاد
في الاسلام).
هذا البحث والجهود الكبيرة التي يبذلها
الصهاينة اليوم تنم عن عقدة عميقة تسكن
النفس الصهيونية وهي التشابه في اسلوبي
الاحتلال اهدافا وحججا وخلفيات وشكلا
ونتائج، فالغزو الصليبي بدا حجا سلميا الى
القبر المقدس ليتحول في ما بعد الى حج مسلح،
والغزو الصهيوني بدا حجا الى حائط المبكى
ليمهد الطريق لوعد بلفور، واستباحة فلسطين
ارضا وشعبا وتاريخا.
اما ما يخيف الصهاينة اليوم، والذي يجب
علينا ان نقرأه بهدوء، فهو القواسم
المشتركة بين الغزوين الصليبي والصهيوني
لفلسطين، والتي تتمثل في:
أ ـ الصليبيون استباحوا فلسطين باسم"
فرسان الرب" والشعب المقدس وشعب الرب.
واليهود استباحوا باسم "شعب الله
المختار"، "غوييم هائم" أي الذين هم
صفوة البشر.
ب ـ الصليبيون حولوا التوراة الى
سكاكين وسيوف باسم الرب تقتل، وبعون الرب
تحرق وتدمر، واوجدوا منظمات مدنية ارهابية
كوسيلة للحفاظ على الحقد الديني،
والصهاينة صنعوا ايضا باسم الدين المذابح
والمجازر من دير ياسين وحتى اخر مجزرة في
لبنان.
ج ـ الصليبيون والصهاينة وتحت الصمت
الاوروبي والاميركي صوروا فلسطين انها ارض
بلا شعب، وان اهلها همم مجموعة من المسلمين
والعرب البربر و"الانذال" و"المخادعين"
و"الارهابيين" جاؤوا لتأديبهم وسوقهم
الى العدالة الصليبية والصهيونية.
د ـ الصوت الديني الاعمى والمتعالي
والمتطرف هو الذي جعل "اوربان الثاني"
يأمر "فرسان الرب" باقتحام الشرق
وتطهيره من الشياطين باسم السيد المسيح.
وهو نفس الصوت الذي امر الحاخامات
اليهود ليأمروا باسم "الهيكل" باغتصاب
فلسطين ومقدساتها.
الشبه والتشابه والتشبيه بين الغزوين
الصليبي والصهيوني يقترب الى حد المزاوجة،
لذلك كله هم يؤرخون اليوم خوفهم القادم
وسقوطهم المسكون في السقوط الصليبي
المدوي، اما نحن فعلينا ان نقرأ ايضا
الاسباب التي ادت الى ذلك السقوط، والعمل
على استعادة التمسك به، الا وهو "الجهاد"
والجهاد في سبيل الله وحده الذي سيعيد هز
شجرة "اسرائيل" ليسقط عنها كل احلامها
ومستعمراتها وكل اوراق التوت الواهية.. انه
الجهاد وليس احلام السلام المزيفة
والمتربصة بنا كيدا ومزيدا من الذبح. حسان بدير |