أيار - الجمعة 19/05/2000


الخصخصة والحصحصة


بات من الواضح ان مؤسسات مثل الكهرباء والمياه والهاتف وكازينو لبنان وطيران الشرق الاوسط وغيرها، هي في طريقها الى الخصخصة، وأي كلام يتعرض بالنقد للاخيرة، غدا كلاما "تخلفيا" و"رجعيا" لا يواكب التحولات العالمية وخطط الانهاض الاقتصادي، وجذب الاستثمارات ورفع معدلات النمو!!

فالخصخصة باتت معادلا للنمو، ورديفا للخلاص من الركود، وعديلا لمكافحة الفساد، والمعنى ان الدولة (كل دولة) تقر بكونها "قاصرة فاشلة"، وبالتالي ليس بيع القطاع العام كمنتج دولتي، الا تعبيرا عن كون القطاع المذكور حالة سياسية اعتملتها مرحلة معينة تمحورت غرضيتها حول خلق ارضية جماهيرية، وحان الان موعد التخلص منها.

وبرغم ان لبنان لا تنطبق عليه قاعدة الشوملة الاقتصادية، فإن الخصخصة الزاحفة نحو بعض المرافق تنتج اسئلة سياسية شكاكة بعدالة النتائج وصوابية مقدمات الخصخصة، وهذه الاسئلة متأتية اصلا من:

الخشية من تحول مشاريع الخصخصة الى مشاريع احتكارية لاصحاب النفوذ والسلطان العديدين والمتعددين في هذا البلد، وليس واقع شركتي الهاتف الخلوي الا دلالة على محاصصة احتكارية يجني من ورائها اصحاب السطوة مئات الملايين من الدولارات، فيما الدولة تعتاش على العوز والشح.

وثاني الاسئلة يأتي من مأساوية واقع الهيئات والسلطات الرقابية الموجودة بالفعل والممنوعة من العمل، وخلفية المنع تنهض على مخاوف العاملين في هذه الهيئات من سطوة هذا الزعيم او ذاك، حتى رست قاعدة جباية الضرائب على القول ان الاقوياء في لبنان لا يدفعون الضرائب.

هذا الاستباق السوداوي يترافق مع "سوداويات" اخرى تسأل عن كيفية حماية الاقتصاد الوطني من رأس المال الاجنبي وسيطرته على القطاعات المزمع تخصيصها، ومثل هذا السؤال يبحث عن اجابة تتعلق بشفافية التخصيص والتخلي عن السياسة الكواليسية مثلما كان الامر مع شركة "سوليدير" والمحاصصة السياسية المعروفة لوسائل الاعلام المسموعة والمرئية.

لا اعتراض على الخصخصة اذا كانت اهدافها متعلقة بإطلاق دينامية اقتصادية، الا ان السؤال من يضمن ذلك؟ كيف سيكون دور الدولة؟ من يجنب مشاريع الخصخصة من اللصوصية والنهب؟ من يمنع الاحتكار؟ من يراقب الاسعار والربح ويجني الضرائب؟ وأولا وقبل كل شيء، ماذا عن التقديمات الصحية والاجتماعية بعد الخصخصة؟؟

اسئلة برهن المستقبل.. فمن يجيب؟؟

توفيق شومان