|
|||
اعتاد آرييل شارون على إطلاق المقولة التي يرددها كل رئيس وزراء إسرائيلي منذ توقيع اتفاقية أوسلو على أقل تقدير، وحين يضطر للتحدث عن السلام، في أنه على "استعداد لتقديم تنازلات مؤلمة". وهذه التنازلات ـ بحسب فهم شارون ـ يُقصد بها الفلسطينيون، إذ يوضح مقربوه أنها "تنازلات تؤلم الفلسطينيين" (هآرتس 5/5/2002). ويتوافق آرييل شارون مع أحد أسلافه في حزب الليكود يتسحاق شامير، الأخير في جيل الآباء المؤسسين، وهو الذي أُطلقت عملية التسوية حين كان رئيساً للحكومة الإسرائيلية، إذ يُعبِّر على الملأ انه يفهم "مبدأ الأرض مقابل السلام" في أن "يتنازل العرب عن الأرض وتقدم إسرائيل لهم السلام". يخطئ من يحاول مقاربة رحلة آرييل شارون الأخيرة إلى واشنطن بتوسُّل التصريحات والتصريحات المضادة أو النتائج المعلنة للزيارة، والأَوْلى أن تجري المقاربة مع استحضار كل المواقف والتصريحات التي دأب على تكرارها شارون نفسه، إن قولاً أو عملاً، وخاصة انه قد تأكَّدت في أكثر من موقع وموقف الخطة التي يعمل عليها شارون، والمتمثلة في دفع الفلسطينيين للاستسلام والقبول بإدارة شؤونهم الخاصة على شاكلة حكم ذاتي مُقلَّص في الأماكن ذات الكثافة السكانية الفلسطينية العالية في الضفة الغربية وقطاع غزة، ولا بأس بالنسبة إليه إن أُطلق على هذا "الترتيب" تسمية دولة فلسطينية. يعود آرييل شارون إلى فلسطين المحتلة اثر زيارته لواشنطن ولقاءاته مع المسؤولين الأميركيين فيها، بجملة من المواقف المؤيدة له والمادحة لصبره، مع إبداء قدر عالٍ من التفهم لمخاوفه. إلا انه من ناحية عملية يعود مع سلة من الإيجابيات الأميركية التي لا تخدمه كثيراً ـ الا معنوياً ـ في الحرب التي يخوضها، إن لناحية الجبهة العسكرية مع الفلسطينيين أو لناحية الجبهة الداخلية والمخاوف التي تلاحقه داخل حزبه، والمتمثلة في التأييد شبه التام لمنافسه على رئاسة الحزب ومرشحه للانتخابات القادمة بنيامين نتنياهو. يوم الأحد القادم (12/5/2002) يجتمع مركز الليكود بأعضائه الـ2670، وعلى جدول أعماله بندٌ رئيسي يتعلق بالتصويت على رفض إقامة دولة فلسطينية غربي (نهر) الأردن. وينظر المراقبون الإسرائيليون الى اجتماع المركز باعتباره تصويتاً واختياراً ما بين آرييل شارون وبنيامين نتنياهو لرئاسة الحزب ورئاسة الحكومة في الانتخابات القادمة 2003 ما لم يُقدَّم موعدها. والاجتماع دُعي إليه أساساً من قبل مؤيدي نتنياهو لاستصدار منع ليكودي أمام "التنازلات" التي يقدمها شارون باتجاه إقامة دولة فلسطينية، والمتوقع أن لا يحظى شارون بتأييد يُذكر، بل ستصوت الأغلبية الساحقة لنتنياهو، وستعلن الأغلبية ـ وربما الإجماع ـ وفقاً لكلام رئيس مركز الحزب تساحي هنغبي في مقابلة مع الإذاعة الصهيونية (2/3/2002)، عن موقف واضح بالرفض لقائدهم ولرئيس حزبهم وحكومتهم الحالي.. ينظر الإسرائيليون إلى خطوة الليكود باعتبارها ضربة قاصمة لآرييل شارون ولطموحاته السياسية، ويذهب البعض (صحيفة هآرتس 3/5/2002) إلى أن معجزة جديدة على شاكلة معجزة حرب تشرين لن تمنع سقوطه، حتى لو عمد إلى احتلال المملكة الأردنية وأعلنها دولة فلسطينية!.. بينما يرى بن كسبيت وهو المعلق الأهم للشؤون الحزبية في صحيفة "معاريف"، "أن الأمر الواضح هو أن شارون يدرك أن الرواق السياسي آخذ في القِصَر، وهامش المناورة آخذ في التقلُّص، والقوى التي تمارس ضغوطها على شارون تدفعه برغم كل شيء نحو الخطوة النهائية التي ستُسقط الانتخابات على رأسه". ينتظر شارون أيضاً السجال الدائر في كيانه حول جدوى عملية "السور الواقي" وحجم المكاسب والخسائر التي جلبتها له. وهذا السجال يدور بشكل حادّ ما بين أجهزة التقويم الأمنية والسياسية في مختلف توجهاتها، إلا أن الجميع متفق على أن هذه العملية لم تلغِ "الإرهاب"، بل لن تلغيه أي عملية مماثلة.. وتتساءل صحيفة "هآرتس" (1/5/2002) عن معنى الشعارات التي يتمسك بها البعض، من مثيل "تدمير البنى التحتية للإرهاب" و"اعتقال كبار المطلوبين"، في الوقت الذي بقي فيه معظم "المطلوبين" أحراراً طليقين، بل ان كبار مسؤولي الجيش يرددون ـ من دون تردد ـ أن دوافع المس بالإسرائيليين والانتقام لدى الفلسطينيين في تعاظم مستمر. ويظهر شارون في الفترة التي تلت عملية "السور الواقي"، كلاعب سياسي وأمني متخلف عن الركب العام للمؤسسة الأمنية وللجمهور الإسرائيلي ذي الوجه اليميني بغالبيته، إذ يبث هذا الجمهور (مؤشر شهر نيسان لمعهد تامي ستينميتز ـ جامعة تل أبيب)، ما يفيد ميله الشديد للعمل الأمني المتواصل نحو تصفية القضية الفلسطينية وتبرير كل الخطوات العسكرية التي يقوم بها الجيش الإسرائيلي، ومن هنا يأتي تأييده لبنيامين نتنياهو الذي يبقى على يمين شارون خطوة باتجاه الخيار العسكري والوحشية. غسان دبوق |