أعلام
الحسن بن موسى النوبختي (2)
؟ ـ 310 هـ


هو أبو محمد بن أبي الحسن بن أبي الحسن محمد بن العباس بن إسماعيل بن أبي سهل بن نوبخت. يعتبر من أهم شخصيات هذه الأسرة الكلامية، يقول عنه آدم ميتز كان النوبختي ويعني الحس بن موسى من نقلة كتب اليونان الى لسان العرب، وذلك يعني ان اسمه مقرون بإطلاق النوبختي عليه لفضله ومكانته في هذه الأسرة العلمية، فهو أكثر شخصية شيعية أظهرت في أواخر القرن الثالث هجري، عناية بالفلسفة والكلام والترجمة والنقل، وجاء وصفه في كتب التراجم والسير والرجال بأنه متكلم فيلسوف، وأنه كان إمامياً صادق الاعتقاد، وأنه شيخ الإمامية المتكلم المبرز على نظرائه في زمانه، قال عنه ابن النديم "انه متكلم فيلسوف، كان يجتمع إليه جماعة من النقلة لكتب الفلسفة، مثل أبي عثمان الدمشقي وإسحاق وثابت وغيرهم. وكانت المعتزلة تتدعيه والشيعة تتدعيه ولكنه الى حيّز الشيعة، لآن آل نوبخت معروفون بولاية علي وولده عليهم السلام في الظاهر. وكان جمّاعة للكتب قد نسخ بخط يده شيئاً، وله تأليفات في الكلام والفلسفة وغيرها، وكان الى ذلك من علماء الفلك والنجوم البارزين وقد ألف في ذلك فوضع كتابه "الرصد على بطليموس" في هيئة الفلك والأرض، وكتابه في "الرد على أبي علي الجبائي على المنجمين"، وكتابه في حجج طبيعية مستخرجة من كتب أرسطو على من زعم أن الفلك حي ناطق. وقد ذكره علماء الشيعة وفقهاؤها العاملون بالنجوم والمؤلفون فيها.

كان لعصر النوبختي وأسرته أثر كبير على تحصيله ومستوى نبوغه الفكري، فالمستوى الذي بلغته ثقافة العصر في القرن الثالث الهجري وبداية القرن الرابع يسهل معرفة أصول النوبختي الفكرية في الفلسفة والكلام وعلم الفلك، وهي علوم أخذها عن عصره وأساتذته، واستورثها عن أسرته من آبائه وأقرانه في بيئته، وقد أعانه على كل ذلك وطنه بغداد "دار السلام" وشهرتها العلمية وكثرة دور الأدب والحكمة فيها، وكذلك ازدهار الحوزات العلمية في بيئتها، ولذلك فقد برع النوبختي في علوم الدين والفلسفة والكلام والأدب وعلم الفلك، وامتاز بكثرة التصنيف وإجادته وإحاطته بمقالات المذاهب والأديان ونقد الفلاسفة.

لقد وضع النوبختي كثيراً من كتبه في جوانب عديدة من العقيدة الإسلامية والثقافة المعروفة في عصره، كما وضع جانباً منها للرد على أصحاب المقالات المنحرفة، مثل الرد على أصحاب المنطق وعلى ثابت بن قرة وعلى الغلاة وعلى فريق الشيعة غير الإمامية، وعلى المجسمة وعلى من قال برؤية الخالق تعالى وعلى المنجمين، وعلى الواقفة التي هي فرقة من الشيعة، وعلى أرسطو طاليس وعلى يحيى بن الأصفح في الإمامة، وعلى المعتزلة في المنزلة بين المنزلتين، وعلى الجبائي، وعلى أبي هذيل، وعلى أصحاب التناسخ، وعلى زعم أن الفلك حي ناطق وسوى ذلك من الردود الكثيرة، كما خصص بعض كتبه لأصول الفقه، فألف في الخبر الواحد والعمل به، وفي العموم والخصوص.

أحصى السيد محسن الأمين (قده) في أعيان الشيعة مؤلفات النوبختي وأوصل تعداد كتبه ومؤلفاته الى 48 مؤلفاً نذكر منها" 1 ـ كتاب الإنسان، 2 ـ الجامع في الإمامة، 3 ـ الحجج في الإمامة، 4 ـ الردود وهي كتب كثيرة، وكذلك النقائض، ثم كتابه الشهير فرق الشيعة، وهو الكتاب الوحيد الذي بقي لنا الذي طبع في النجف الأشرف للمرة الثانية عام 1936 وقدّم له السيد هبة الدين الشهرستاني وعلق عليه تعليقات مفيدة.

عرض النوبختي في كتابه الشهير لفرق الشيعة ونشأتها في تسلسل طبيعي مجرد، ودراسته في هذا الكتاب كانت عرضاً تاريخياً لنشوء هذه الفرق، مع إشارته في أثناء ذلك الى أسباب تفرعها وعواملها الدينية والسياسية، مقتصراً على ذلك فحسب، دونما تعصب أو انحياز. والكتاب بجملته له شأنه في هذه الناحية، ويدل دلالة وافية على سعة إطلاع مؤلفه وعلى معرفته الرحبة بزعماء الفرق وحقيقة مقالاتهم ومذاهبهم معرفة تامة. تلك الفرق التي ربما كان لها أو لبعضها وجود وآثار في عصر المؤلف، أما اليوم، فقد اندثرت ولم يبق لأكثرها سوى أسمائها المسجلة في بطون الكتب وأصبحت أثراً بعد عين، ويجدر بالذكر أن الشيخ المفيد (قده) في "الفصول المختارة" اعتمد على كتاب فرق الشيعة كثيراً عندما حاول أن يرد على فرق الشيعة عدا الإمامية على ما يبدو.

ويقدم النوبختي لكتابه "فرق الشيعة" بالقول: "أما بعد، فإن فرق الأمة كلها المتشيعة وغيرها اختلفت في الإمامة في كل عصر، ووقت كل إمام بعد وفاته، وفي عصر حياته منذ قبض الله محمداً (ص)، وقد ذكرنا في كتابنا هذا ما يتناهى إلينا من فرقها وآرائها واختلافها وما حفظنا مما روي لنا عن العلل التي من أجلها تفرقوا واختلفوا، وما عرفنا في ذلك من تأريخ الأوقات.

ويكفي ربط النوبختي فرق الكلام بالاختلاف حول الإمامة، ليكون واحداً من أبرز مؤرخي الكلام والفرق في الإسلام.

توفي النوبختي عام 310 للهجرة.

د. طراد حمادة