|
|||
الهمت الملحمة الحسينية الادباء والفنانين والمبدعين على مر
العصور, فنهلوا من معينها الفياض ورسموا لوحاتها شعرا وادبا وفنا اصيلا. وجاءت الثورة الاسلامية في ايران لتفتح الابواب واسعة وتطور ادوات التعبير عن جمال وخلود هذه الواقعة من خلال الوسائل المعاصرة فكان للمسرح الحسيني والافلام والمسلسلات والروايات والموسيقى والاناشيد والرسم، دورا في عرض مشاهد ابداعية وافكار خلاقة تناولت عاشوراء بشكل مباشر او حامت حولها وعبرت عن تأثيراتها الانسانية والسياسية والاجتماعية على الواقع الحالي. وهنا مرور على أهم الاعمال التلفزيونية الايرانية التي استمدت موضوعها من ذكرى عاشوراء الحسين عليه السلام وعرضت السنة الماضية او ما زالت تعرض هذه السنة على القنوات التلفزيونية الايرانية:
شب دهم - مسلسل "شب دهم" ليلة العاشر تأليف واخراج حسن فتحي وبطولة الممثل حسين ياري ـ الذي يقوم حالياً بدور صدر المتألهين الشيرازي ـ وتدور احداث المسلسل في زمان رضا شاه الذي منع اقامة المجالس الحسينية. حيث يقتل افراد شرطة الشاه والدي البطلة "فخر الزمان" (الممثلة كتايون رياحي) اثناء احيائهم لمراسم العزاء في طفولتها لينقذها احد مقرئي العزاء ثم تنشأ في ظل تربية ارستقراطية عند عمتها العائدة من فرنسا، وتعيش الاكتئاب والعزلة ورفض الزواج الى ان تتعرف الى حيدر, وهو من الفتوات المرهوبي الجانب, فقير وعنده سوابق وكان يحاول سرقة منزل عمتها وتبدأ بينهما قصه حب, تشترط فيها قخر الزمان على حيدر ان يقوم بإحياء عشرة مجالس "تعزية" وهي نوع من المسرح التقليدي تستعيد احداث عاشوراء, فيبدأ بالعمل متحديا ازلام النظام من اجل حبيبته، ويدخل في اللعبة ليتحول من خلال تمثيله الى عاشق حقيقي للحسين، وتكبر المسألة لتصبح رفضا لظلم الشاه وثورة تستمد عمقها ومفرداتها من كربلاء, يختلط التاريخ بالواقع والقتل بالحب في انتاج تلفزيوني ضخم تم تصويره في مدينة الغزالي السينمائية وفي اسواق مدينة قزوين التراثية في استعادة لاجواء مدينة تبريز التي تدور الاحداث فيها.
سفر سبز -مسلسل "سفر سبز" السفر الاخضر للكاتب حسين باكدل والمخرج محمد حسين لطيفي ويروي قصه شاب اسمه دانيال" ـ الممثل بارسا بيروزفر ـ ايراني الاصل نشأ في المانيا يكتشف انه ابن بالتبني وان والديه الحقيقيين هما ايرانيان فتنقلب حياته ويعود للبحث عنهما، ومع عودته تبدأ مشاكله فيتهم بخطف طفل وكذلك يتهمه الالمان بقتل امه بالتبني، ويجد نفسه في اجواء محرم ومجالس العزاء معيداً، اكتشاف بلده الحقيقي وتاريخ عائلته حيث ان امه واباه قد استشهدا في الثورة ضد الشاه، ويتعرف الى شخصيات متفاوتة منها من يساعده ويحبه ومنها من يستغله، ولكن اصراره على اكتشاف حقيقة انتمائه يعينه حتى النهاية.
زمان شوريدكي -مسلسل "زمان شوريدكي" اي زمن الثوره للمخرج محمد علي نجفي، وهو قصه عائله مسيحية من قبيلة بني كلب. يناصر الاب الامام علياً في جهاده فيستشهد معه ثم يدور الزمان ليلتحق الابن وامه بقافلة الحسين المتوجهة لكربلاء العدالة ورفض الظلم، تجمع بين ثقافتين فتتحدان في الجهاد والشهادة. وتعيدنا اجواء هذا المسلسل الى قصة فيلم يوم الواقعة، الذي تمت دبلجته للعربية وعرض سابقا في لبنان ويروي قصه شاب مسيحي يشهر اسلامه كي يتزوج فتاة من قبيلة مسلمة ولكنه يلتحق بركب الحسين قبل يوم من مراسم العرس, ونلاحظ في هذين العملين تأكيداً على تجاوز شخصيه الامام الحسين للحواجز والحدود الدينية والطائفية بالمعنى الضيق والتقليدي وكيف انه اصبح من خلال ثورته نقطة وصل واشتراك بين كل المتعطشين للعدالة والحق والقيم الانسانية.
"باران عشق" - مسلسل "باران عشق" مطر الحب للمخرج احمد اميني شارك في اعداده مجموعه من الكتاب وجاء على شكل قصة في كل حلقه تتناول احداثا جرت مع زوار ضريح سيد الشهداء قي كربلاء حيث ان الزيارة هي الجائزة للبطل، وهي في الوقت نفسه بداية مغامرة ونقلة نوعية في التعرف الى جوانب جديدة في شخصية الامام الحسين واصحابه وفي السير المعنوي لبطل القصة ودور التوجة نحو المقامات في المعرفة الحقيقية.
آخرين آواز ققنوس مسلسل "آخرين آواز ققنوس" الترنيم الاخير لطائر الفينيق للمخرج مسعود تكاور حول شاب نشأ في اوساط عائلية ملتزمة تحيي سنويا مجالس العزاء الحسيني، يكتشف انه قد وقع ضحية لشبكة تهريب ويبدأ في صراع غير متكافىء ضد عصابة اجرامية معتمدا على دروس عاشوراء في صراع نفسي واجتماعي وعاطفي يمثل صراع الاجيال والانتماء الثقافي المطلوب. - مسلسل" فرستاده" المبعوث وهو من اخراج جواد شمقدري وبطولة حسين ياري يسافر في التاريخ ليستعيد قصة مبعوث الامام الحسين الى البصرة والاضطهاد والخيانة التي يتعرض لها وثباته في نصرة الحسين عليه السلام، ويعيش الصدمة من خلال رد فعل مجتمع مدينة البصرة الذي ينقلب بشكل تراجيدي عليه وعلى ما يمثل من قيم، تلاحق السلطة زوجته ايضا في محاولة لابتزازه والضغط عليه وعلى قبيلته. ويشبه هذا المسلسل فيلم سفير الحسين، وقصته الدامية في الكوفة، وقد عرض هذا الفيلم بالعربية في الصالات اللبنانية قبل اكثر من عشر سنوات. وقد عرضت قناة المنار مسلسل "الهوية الضائعة" للمخرج داوود مير بافري، الذي شاهده الايرانيون السنة الماضية تحت عنوان"معصوميت از دست رفته" اي البراءة المفقودة. ويعرض بشكل موفق حالة التردد والصراع النفسي الذي عاشه المجتمع الكوفي قبل قيام الامام الحسين عليه السلام من خلال شخصية شوذب الوجيه الكوفي والمحاسب في قصر الوالي الذي يوالي الامام سراً ويحاول مساعدته مع زوجته ماريا المسيحية اليتيمة التي تربت في ظل رعاية وحنان الامام علي, ولكن الجو الاجتماعي العام في الكوفة وكذلك دخول فتاة يهودية كان يحبها في مرحلة شبابه تزيد في حالة الارباك والبلبلة التي يعيشها. وفي اطلالة على سر نجاح هذه المسلسلات والاقبال على مشاهدتها من قبل المشاهد الايراني, لا بد من الاشارة الى عده عوامل اساسيه: تراكم التجربة الفنية - الدينية في الساحة الايرانية، وهو امر له تاريخه الطويل, وخاصة فيما يتعلق بواقعة كربلاء، حيث ان احياءها ارتبط بالتمثيل ولا تزال الى الان مجالس التعزية، وهي عرض مسرحي استعادي لاحداث كربلاء، ويعرض في الاماكن العامة والحسينيات والمسارح على امتداد شهري محرم وصفر بما يجعلها ظاهرة اجتماعية مؤثرة على حياة الناس، وبالتالي على الروايات والقصص التي تتحول فيما بعد الى افلام او مسلسلات وغيرها من الاشكال الفنية، وبعد الثورة وقيام النظام الاسلامي فإن القيم الدينية والاجتماعية التقليدية قد وجدت الدعم المعنوي والمادي والتشجيع الشعبي واصبح نضوج هذا الفن مسأله وقت وتقنيات وتجارب متواصلة. العرض غير المباشر للحادثة حيث تمثل كربلاء خلفيه للاحداث، وهذا له اصله في الفن الايراني حيث درجت العادة على الطرق غير المباشرة، ونلحظ هذا بوضوح في الادب والشعر العرفاني حيث طالما منعت الحكومات القمعية المتعاقبة اظهار الافكار والاعتقادات واضطهدت اصحابها فكان الرمز والكناية والتلويح مما يعد عناصر غنى وقوة في عالم الفن. تعدد الصراعات له دوره في الجذب الفني فمثلاً في مسلسل ليلة العاشر تتركب الاحداث وتتعقد بين صراع نفسي للبطلة الارستقراطية المنشأ والعاشقة في الوقت نفسه للمجالس الحسينية التقليدية ولحيدر الفقير وصاحب النخوة الشعبية في تمثيل لصراع الحداثة والتقليد، يتقاطع مع الفروقات الطبقية الحادة والصراع الاكبر بين الظلم الحاكم وقوة رفضه المطالبة بالعدل والرافعة للشعار الحسيني بشكل عفوي وبديهي. وكذلك صراع العودة للذات واكتشاف الهوية الواضح في مسلسل "السفر الاخضر" حيث ان هذه العودة مترافقة مع المتاعب والتعقيدات من الداخل والوطن ـ الدين ومن الخارج ـ الغرب ومن العناصر الهامة ايضاً مسألة ثقافة الشباب التي يتناولها مسلسل "الترنيم الاخير لطائر الفينيق"، فالبطل الشاب يبدو في الظاهر وكأنه مل الاجواء الدينية المحافظة والتقليدية لعائلته فانطلق للعمل في شركه كمبيوتر في انجذاب للتطور الغربي، ولكنه حين يقع في غرام ابنة صاحب الشركة وتلاحقه في تهمه التهريب وفخ المافيا يعيد تركيب افكاره وثقافته ويكتشف افاقا جديدة للمجالس الحسينية بما تمثل من انتماء ديني وثقافة تقليدية لانقاذه من مخاطر محتملة لتطور وحداثة غربية غير مدروسة. تمثل هذه النوعية من الاعمال الفنية نقلة نوعية للفن وخاصة التمثيل في العالم الثالث حيث تعود المشاهد بشكل عام على تقليد للقصص الاجنبية والاجواء الهوليودية بحيث انه قلما يجد ابطالا تشبهه في انتمائه وقيمه وحياته اليومية وتاريخه الوطني والديني. فجاء هذا الفن الديني كرد على السطحية والنقل ليثبت امكانية خلق اعمال ذات نوعية عالية تستمد ابداعها من واقع وتاريخ وامال الشرق المسلم في سعي جاد لوصل ما انقطع من تواصل وهوية حضارية, وتنتظر الساحة الفنية الايرانية حاليا عملا ضخما هو مسلسل الامام الحسين ـ الاسم لم يحسم للان ـ وهو استمرار لما سبق من مسلسلات تاريخية مباشره تنقل الاحداث والشخصيات العظمى كما حدث في مسلسل الامام علي والامام الحسن وكذلك الامام الرضا "ولايت عشق" الذي عرضته المنار باسم غريب طوس والسيده مريم واهل الكهف وعبد العظيم الحسني وحجر بن عدي والشيخ المفيد وغيرها، ويتوقع خروج مسلسل الامام الحسين الى النور السنة القادمة حيث تم بناء قرية سينمائية خاصة بالعمل تمثل احياء الكوفة والمدينة، ويروي العمل سيرة الامام الحسين منذ الطفولة مرورا بالمراحل الغائبة عادة من حياته بسبب التركيز على واقعة كربلاء، ويشرف على هذا الانتاج مجموعة من العلماء والمؤرخين والكتاب المشهورين, العمل الاخر هو فيلم ومسلسل يعرض حياة السيد المسيح في نظرة اخرى تحاول مقاطعه النصوص الدينية الاسلامية والمسيحية المعروفة مع تدقيق وتحقيق علمي وتاريخي للخروج من السياق المعروف بعدما تكرر في السينما الغربية والاميركية في تجربة هي الاولى في العالم العربي والاسلامي، ويتوقع النقاد الايرانيون لهذا العمل ان يلقى صدى واسعا على المستوى العالمي مع اشارتهم الى ان فيلم" مريم مقدس" لم يلق ما يستحقه في الاعلام والساحة الفنية العالمية لاسباب بعضها يتعلق بالدعاية والتوزيع والاخر سياسي ويدخل في اطار التعتيم والانتقائية في التعامل مع الافلام والفن الايراني بشكل عام. تتوسع دائرة الابداع سنة بعد اخرى وتشهد ساحة الفن الحسيني افكاراً وآفاقاً جديدة تراكم التراث الثوري المضيء لمجالس العزاء والسيرة والمسرح الشعبي واللطم وغيره. وتنقل المشاهد الى الوان اخرى وتفتح للمبدع والفنان ـ خاصة في العالم العربي ـ نوافذ نور وأمل. محمد محسن عليق ـ طهران |