ارشيف من :آراء وتحليلات
خلف القناع: بين عامية انطلياس.. والعدوان الصهيوني، لا لتسليم السلاح

مصطفى خازم
في الثامن من حزيران/ يونيو 1840، تداعى ثوار لبنان الى دير مار الياس في انطلياس، وتعاهدوا مسلمين ومسيحيين على نصرة الوطن، ورفض الهيمنة بكل أشكالها.. ورفض تسليم السلاح..
وخرج الثوار ببيانهم الاول، واللافت فيه هو النص الصريح على أن السلاح الذي كان بين أيدي الناس (الثوار) كان خشبة الخلاص الوحيدة من نير الاستعمار آنذاك.. والمفارقة الثانية أن الثوار اللبنانيين آنذاك أيضاً أطلقوا لقب "مواطنينا" على ثوار حوران الذين انطلقوا بوجه الاستعمار الفرنسي واستشهدوا في سبيل حرية بلدهم.. وجعلوهم المثال والقدوة..
نقطتان لافتتان في نص العامية، هما: فساد السلطة المستعمرة الحاكمة واستضعاف الحاكم المحلي، والسلاح بين أيدي الناس..
ولنعد إلى مقتطفات مما ورد في عامية انطلياس التي لا تزال معلقة في صدر الدير الشهير:
"نشرة الثوار اللبنانيين إلى مواطنيهم بتاريخ 8 حزيران سنة 1840 و8 ربيع الآخر سنة 1256(مفارقة أخرى انهم اعتمدوا التقويم العربي الى جانب التقويم الغربي).
في علم جميعكم المظالم التي أنزلتها الحكومة المصرية بنا، والضرائب الباهظة، والمعاناة وضروب الاستعباد التي رزحت سوريا بأسرها. وقد جرت الخراب على الكثير من العيال. على أن سكان لبنان رغما عما هم فيه من الألفة وروح الاستقلال، احتملوا بصبر مظالم السلطة الجائرة مراعاة لخاطر الأمير بشير الشهابي، على أن يضمن لهم صبرهم هذا حفظ شرفهم وحريتهم وكيانهم. وإذا لم نلجأ قبل الآن إلى السلاح للتخلص من السلطة الجائرة، فلاننا كما مبنى كل آمالنا على ان توسط أميرنا، الامير بشير.. يخفف من شقائنا...
فطلبت سلاحنا، ونزعته أولاً من الأنحاء الضعيفة، ثم جمعته تدريجياً من الجميع، واستعانت بذات وسائل الخداع لتجنيدنا، فتسنى لها استعباد عدد وافر من اخواننا، فثقل نيرها عليهم، بحيث آثر الجميع الموت على البقاء تحت سيطرتها، فثاروا، وقُتل في سبيل اخضاعهم كثير من الجنود النظامية".
أما المقطع الثاني من العامية:
"فلترقد بسلام رفات أخواننا الذين ماتوا في سبيل الحرية فانهم ضاهوا بشجاعتهم الفرنسويين، الذين عندما هُددوا بالاستئصال، اذا لم يستسلموا، فضلوا الموت، فخاضوا غمار الوغى وقتلوا 150 ألف رجل. فهذا أيها الأخوان، حادث تاريخي يجب ألا يذهلكم. فان مواطنينا، الذين قاتلوا في حوران كانوا قليلي العدد، ومع ضعف وسائلهم، كما تعلمون، قد فاقوا الفرنسويين. وبما أننا منينا بذات المغارم، وطلب الينا تسليم أسلحتنا.. وبما أن الخبرة وهي أعظم معلم تعلمنا ان أخذنا للجندية يكون نتيجة ضعفنا، وجب الا ننتظر دلائل أخرى على سوء المصير الذي يهددنا، وبما أن الموت ينزل بالذين ينتظرونه جبناً في بيوتهم كما ينزل بالذين يقومون لرفع نير الظلم عنهم.. فلا تترددوا بل فلنتحد اتحاداً وثيقاً لحمته وسديته العواطف، ولننهض بغير خوف...
ولنكن على يقين تام ان الندامة المتأخرة لا تنقذنا، اذا لا سمح الله افترقنا او ترددنا لحظة طرف عن توحيد قوانا لاستعادة حريتنا.. من كان الحق الى جانبه لا يقهر".
في هذا النص عبرتان لبنانيتان، الاولى تحتم على المواطن الخروج على السلطة عندما تفسد وتبطش وتهين كرامات الناس، والثانية هي أن الكرامة التي أهدرتها الحكومة والسلطة بسحب السلاح من بين أيدي الناس.. ما يدلل على انتشاره من يومذاك هو مقتل المواطنين والحلقة التي تقودهم الى الرضوخ.. يقلل من هيبة الدولة في الحفاظ على سيادتها وأرضها والهواء والماء..
أما العبرة التي تستحق الوقوف عندها أكثر من سابقتيها فهي "حب الموت" ما دام سيأتي على الجبان وعلى المقاوم.. بنفس الطريقة...
الخرق الاسرائيلي في مرتفعات كفر شوبا ما زال مستمراً لليوم التاسع، ونحن ما زلنا في حزيران الذي شهد "عامية انطلياس 1840 و التصدي البطولي لاجتياح لبنان على تخوم خلدة في 1982"، هل من يستعيد عامية انطلياس ويخبرنا ماذا سيفعل، أم أن المقاومين أنفسهم من عامية أنطلياس إلى مواجهات خلدة إلى يومنا.. سيبقون وحدهم يحبون الموت دفاعاً عن الوطن.. عندما يجبن الآخرون وحيث لا يجرؤون..
الانتقاد/ العدد 1352 ـ 26 حزيران/ يونيو 2009
في الثامن من حزيران/ يونيو 1840، تداعى ثوار لبنان الى دير مار الياس في انطلياس، وتعاهدوا مسلمين ومسيحيين على نصرة الوطن، ورفض الهيمنة بكل أشكالها.. ورفض تسليم السلاح..
وخرج الثوار ببيانهم الاول، واللافت فيه هو النص الصريح على أن السلاح الذي كان بين أيدي الناس (الثوار) كان خشبة الخلاص الوحيدة من نير الاستعمار آنذاك.. والمفارقة الثانية أن الثوار اللبنانيين آنذاك أيضاً أطلقوا لقب "مواطنينا" على ثوار حوران الذين انطلقوا بوجه الاستعمار الفرنسي واستشهدوا في سبيل حرية بلدهم.. وجعلوهم المثال والقدوة..
نقطتان لافتتان في نص العامية، هما: فساد السلطة المستعمرة الحاكمة واستضعاف الحاكم المحلي، والسلاح بين أيدي الناس..
ولنعد إلى مقتطفات مما ورد في عامية انطلياس التي لا تزال معلقة في صدر الدير الشهير:
"نشرة الثوار اللبنانيين إلى مواطنيهم بتاريخ 8 حزيران سنة 1840 و8 ربيع الآخر سنة 1256(مفارقة أخرى انهم اعتمدوا التقويم العربي الى جانب التقويم الغربي).
في علم جميعكم المظالم التي أنزلتها الحكومة المصرية بنا، والضرائب الباهظة، والمعاناة وضروب الاستعباد التي رزحت سوريا بأسرها. وقد جرت الخراب على الكثير من العيال. على أن سكان لبنان رغما عما هم فيه من الألفة وروح الاستقلال، احتملوا بصبر مظالم السلطة الجائرة مراعاة لخاطر الأمير بشير الشهابي، على أن يضمن لهم صبرهم هذا حفظ شرفهم وحريتهم وكيانهم. وإذا لم نلجأ قبل الآن إلى السلاح للتخلص من السلطة الجائرة، فلاننا كما مبنى كل آمالنا على ان توسط أميرنا، الامير بشير.. يخفف من شقائنا...
فطلبت سلاحنا، ونزعته أولاً من الأنحاء الضعيفة، ثم جمعته تدريجياً من الجميع، واستعانت بذات وسائل الخداع لتجنيدنا، فتسنى لها استعباد عدد وافر من اخواننا، فثقل نيرها عليهم، بحيث آثر الجميع الموت على البقاء تحت سيطرتها، فثاروا، وقُتل في سبيل اخضاعهم كثير من الجنود النظامية".
أما المقطع الثاني من العامية:
"فلترقد بسلام رفات أخواننا الذين ماتوا في سبيل الحرية فانهم ضاهوا بشجاعتهم الفرنسويين، الذين عندما هُددوا بالاستئصال، اذا لم يستسلموا، فضلوا الموت، فخاضوا غمار الوغى وقتلوا 150 ألف رجل. فهذا أيها الأخوان، حادث تاريخي يجب ألا يذهلكم. فان مواطنينا، الذين قاتلوا في حوران كانوا قليلي العدد، ومع ضعف وسائلهم، كما تعلمون، قد فاقوا الفرنسويين. وبما أننا منينا بذات المغارم، وطلب الينا تسليم أسلحتنا.. وبما أن الخبرة وهي أعظم معلم تعلمنا ان أخذنا للجندية يكون نتيجة ضعفنا، وجب الا ننتظر دلائل أخرى على سوء المصير الذي يهددنا، وبما أن الموت ينزل بالذين ينتظرونه جبناً في بيوتهم كما ينزل بالذين يقومون لرفع نير الظلم عنهم.. فلا تترددوا بل فلنتحد اتحاداً وثيقاً لحمته وسديته العواطف، ولننهض بغير خوف...
ولنكن على يقين تام ان الندامة المتأخرة لا تنقذنا، اذا لا سمح الله افترقنا او ترددنا لحظة طرف عن توحيد قوانا لاستعادة حريتنا.. من كان الحق الى جانبه لا يقهر".
في هذا النص عبرتان لبنانيتان، الاولى تحتم على المواطن الخروج على السلطة عندما تفسد وتبطش وتهين كرامات الناس، والثانية هي أن الكرامة التي أهدرتها الحكومة والسلطة بسحب السلاح من بين أيدي الناس.. ما يدلل على انتشاره من يومذاك هو مقتل المواطنين والحلقة التي تقودهم الى الرضوخ.. يقلل من هيبة الدولة في الحفاظ على سيادتها وأرضها والهواء والماء..
أما العبرة التي تستحق الوقوف عندها أكثر من سابقتيها فهي "حب الموت" ما دام سيأتي على الجبان وعلى المقاوم.. بنفس الطريقة...
الخرق الاسرائيلي في مرتفعات كفر شوبا ما زال مستمراً لليوم التاسع، ونحن ما زلنا في حزيران الذي شهد "عامية انطلياس 1840 و التصدي البطولي لاجتياح لبنان على تخوم خلدة في 1982"، هل من يستعيد عامية انطلياس ويخبرنا ماذا سيفعل، أم أن المقاومين أنفسهم من عامية أنطلياس إلى مواجهات خلدة إلى يومنا.. سيبقون وحدهم يحبون الموت دفاعاً عن الوطن.. عندما يجبن الآخرون وحيث لا يجرؤون..
الانتقاد/ العدد 1352 ـ 26 حزيران/ يونيو 2009