ارشيف من :آراء وتحليلات

الحريري بين سهولة التكليف وعقد التأليف

الحريري بين سهولة التكليف وعقد التأليف
مصطفى الحاج علي
طويت سجادة الرئاسة الثانية لمصلحة الرئيس بري، الأمر الذي يعني انطلاق قطار تحديد الرئيس المقبل للحكومة المقبلة، والشروع في تأليفها دستورياً، ذلك أن الانطلاقة السياسية بدأت منذ إعلان نتائج الانتخابات النيابية لا سيما في الدوائر الاقليمية المعنية عموماً، وفي الدائرتين السورية والسعودية تحديداً.
الظاهر حتى الآن أن لواء التكليف سينعقد للنائب الحريري، إلا أن هذا التكليف يطرح جملة أسئلة مركزية، يفترض الإجابة عنها، قبيل حسم مصير هذا التكليف سلباً أو ايجاباً.
أولاً: هل يمكن تصور وجود الحريري في رئاسة الحكومة من دون معالجة ما لعلاقته مع سوريا؟ بكلمة أخرى، هل يقبل الحريري أن يكون امتداداً للسنيورة، أم أنه سيسعى لإعادة استنساخ تجربة والده؟
ثانياً: من الواضح حتى الآن، أن فريق الموالاة يصر على عدم تكرار تجربة الثلث الضامن، في حين تصر المعارضة عليه، وبالتالي، كيف سيقوم الحريري بتذليل هذه العقبة، وهل هو مستعد لدفع الأثمان المطلوبة؟
ثالثاً: هل طبيعة المرحلة السياسية في المنطقة تلقت حداً من النضج في ظروفها تسمح بوصول الحريري، أم أنها ما زالت تحول دون ذلك؟
حتى الآن، لا يبدو أن هناك إجابة حاسمة عن هذه الأسئلة، وبالتالي هي ما زالت موضع أخذٍ ورد.
أولاً: إن البحث والأخذ والرد ما زالت دائرة بين سوريا والسعودية، وهي تتناول ـ كما يبدو ـ  ليس فقط توفير شروط نجاح الحريري، وإنما تتناول أيضاً الشروط الكفيلة بأن تشكل له رافعة زعامتية داخلياً واقليمياً ودولياً. بمعنى آخر، انها تتناول مطالب معروفة ومطلوبة منذ أمدٍ بعيد اميركياً، وكما جرى النص عليها في القرار 1559 تحديداً، وإذا صحت هذه المعطيات فما تطلبه الرياض من دمشق هو بمثابة تنازل عن أوراقها اللبنانية الاقليمية في لبنان، مقابل ترتيب العلاقة مع الحريري بكل مفاعيلها المتصلة تحديداً باتهامها بقتل والده، وتبرئتها عموماً لدى المحكمة الدولية، الأمر الذي يعني بدوره أن عقد التكليف الاقليمية ما زالت على حالها.
ثانياً: لا يتوقع أحد أن تتنازل المعارضة عن مطلب الثلث الضامن، ولا سيما أن تجاربها الآنفة مرّة، كما لا يبدو حتى الآن أن المعارضة في وارد تجيير هذه الضمانات لأحد، ما يعني بدوره، أن عقدة التأليف الداخلية لن تكون سهلة، هذا من دون أن نضيف اليها طبيعة الحكومة نفسها، ومضمون بيانها الوزاري.
ثالثاً: صحيح أن اطلاق قطار التسوية هو الأمر الواضح حتى الآن اقليمياً، إلا أن كل ما عدا ذلك ما زال يكتنفه الكثير من الغموض، كما أن مجريات ما جرى مؤخراً في إيران لجهة التعاطي الغربي معه كشف عن وجود رهانات مضمرة، تستند الى مخططات مدروسة، وإن كانت في مجملها فشلت حتى الآن.
باختصار، ان أفق الأمور في المنطقة ما زال غامضاً، ويحتاج الى مزيد من البلورة والانضاج، الأمر الذي يعني بدوره أن التوازنات الاقليمية والدولية المحيطة بالأزمة اللبنانية ما زالت هي هي، ولا يمكن تصور مسار حلحلة واضحة بمعزل عن مسار حلحلة في المنطقة.
كل ما تقدم، يشير الى أن رحلة الحريري باتجاه القصر الحكومي ما زال دونها عقبات كبيرة، وبالتالي، فإن خيارات التكليف قد تذهب باتجاهات أخرى، إلا إذا افترضنا أحد الأمور التالية:
الأول، استعداد الغرب والرياض والحريري الى عدم تكبير تسييل نجاحهم الانتخابي، والتعاطي بتواضع ينسجم مع الحجم الفعلي لهذا النجاح، وبالتالي، الاستعداد لتقديم التنازلات المطلوبة والمحقة لمصلحة المعارضة.
الثاني: أن يكون الحريري مستعدا لتشكيل حكومة من لون واحد، الأمر الذي سيعني بدوره ابقاء لبنان في مراحل الأزمة التي ستكون بدورها وصفة قوية للفشل في أول خطوة نحو مجمع رؤساء الحكومة.
مهما سيختار الحريري، الكرة في ملعبه وملعب حاضنيه الدوليين والاقليميين، إلا إذا كان هذا التكليف سيرمى في مرمى السنيورة مجدداً، او ميقاتي، وعندها سنكون إما امام مرحلة مراوحة للأزمة، وإما أمام تعليق ما لها، وان غداً لناظره لقريب.
الانتقاد/ العدد 1352 ـ 26 حزيران/ يونيو 2009
2009-06-26