ارشيف من :آراء وتحليلات

نقطة حبر: الأدب بين الأزقة والقصور

نقطة حبر: الأدب بين الأزقة والقصور
حسن نعيم
كانت حياة القصور بما تزخر به أروقتها من مؤامرات ودسائس وقرارات خطيرة تستهوي الكتّاب والشعراء وتسيل لعاب الكتابة لديهم. ففي القصور كانت تدور الحياة دورتها الأكثر توهجاً وسخونة وسحراً وغموضاً، وخارج أسوار القصور لا شيء يستحق اكتراث الكتّاب والشعراء, فالحياة مملة باردة كئيبة وأقل من عادية، لذلك تجد معظم النتاج الأدبي سواء أكان شعراً أو رواية أو مسرحية، ينمو في القصور ويتمحور حول السلطة والحب وما يصطحبهما من انقلابات وخيبات, حيث الاخ يكيد لأخيه والابن لأبيه. في هذا التوجه نحو ما يسمى بالطبقة العليا كتب شكسبير يوليوس قيصر ومكبث، وكتب راسين رائعته بايزيد والكسندر دوماس غادة الكاميليا وغوته فاوست، ولا يبعد عن ذلك المتنبي في قصائده لسيف الدولة الحمداني وكافور الاخشيدي وغيرهم.
غير ان هذا الاتجاه الذي اعتبر ان نجاحات وإخفاقات الملوك والنبلاء والمستفيدين وحدها تستحق الكتابة، راح يخفت شيئاً فشيئاً ليظهر مكانه تيار أدبي نقيض نظر الى اسفل الهرم الاجتماعي والى الشرائح الاجتماعية المسحوقة، وعبّر عن همومها ومشكلاتها الحياتية، ناقلاً وجع الانسان عبر تفاصيل حياته اليومية وما يعانيه من قهر وانسحاق ازاء مقتضيات الحياة العصرية.
هكذا كتب جورجي امادو في المحصول الاحمر عن رحلة الفلاحين الذين حل بهم الجفاف فراحوا يتساقطون من الجوع والامراض في طريقهم من السرتون في الشمال البرازيلي الى سان باولو في الجنوب. وهكذا كتب جون شتاينبك عن العاطلين من العمل في شارع السردين المعلّب, وبريخت في جان دارك المسالخ، ولا ننسى رواية كوخ العم التوم لهارييت ستاو التي يحكي فيها قصة العبيد المسحوقين تحت حذاء الرجل الابيض الذي يستغلهم ويقهرهم ويغتصب نساءهم.
مع انتقال البطولة الأدبية من الطبقة "العليا" الى الطبقى "السفلى" تحول الأدب من وظيفته التقليدية في الامتاع والمؤانسة ليكون سلاحاً وموقفاً واداةً للتغيير والثورة.
لقد تغيرت وجهة الادب بتغير الزمان، فهل تراه تغير الإنسان؟
الانتقاد/ العدد 1352 ـ 26 حزيران/ يونيو 2009
2009-06-26