ارشيف من :آراء وتحليلات
ما هي أبعاد فرط كتلة "زحلة بالقلب" ولماذا يُستحضر "التطرف" والانعزال في الشارع المسيحي؟

كتب ابراهيم صالح
لم تزل غالبية من الناس تذكر صورة النائب نقولا فتوش وهو يمشي امام لائحته النيابية التي فازت بانتخابات دائرة زحلة، والمسماة "زحلة بالقلب"، متنقلاً من مرجع روحي إلى آخر ومن سياسي الى سياسي مقدماً اليهم أعضاء لائحته وكلهم مجهولو النسب السياسي، يفدون للمرة الاولى، باستثناء شخص واحد، الى الميدان السياسي والنيابي.
كان فتوش جزلاً الى اقصى حدود الجزل وفرحاً الى أعلى درجات الفرح، فهو قدر له وللمرة الاولى ان يصير رئيساً لكتلة نيابية من 7 أعضاء، وقدر له ان يدنو من تحقيق "حلمه التاريخي" في ان يصير زعيماً لزحلة، عروس البقاع، وعاصمة الكثلكة في لبنان، بعد ان ظل منذ ان اطل على عالم النيابة في اول انتخابات نيابية تجري بعد الشروع في تطبيق اتفاق الطائف عام 1992، نائباً فرداً مشكوكاً في زعامته ودوره السياسي امام الزعامة التاريخية لزحلة المتجسدة بآل سكاف، والتي بقيت راسخة برغم كل "معارك؟" غازي كنعان ضدها، وبرغم كل ما فعله لاستئصالها ومحاصرتها طوال اكثر من عقد من الزمن.
واكثر من ذلك ظل فتوش مشكوكاً ايضاً بـ"ولادته السياسية" اذ بقي في نظر الجميع صنيع عهد سياسي، وظل اسمه مرتبطاً بالكسارات الشهيرة في البقاع والجبل التي بقيت "عصية" على كل قوانين تنظيم الكسارات والمقالع.
وعندما ولي الوزارة لمرة واحدة ووحيدة في حياته السياسية (وزارة السياحة) ارتبط اسمه "بفضيحة" مالية معروفة، وظلت الصحافة تتناولها لفترات طويلة، هي فضيحة تلزيم مغارة جعيتا المرفق السياحي الاهم.
.. وخابت آمال فتوش في انتخابات عام 2005، اذ نجح بصعوبة وحيداً من لائحته التي حظيت بدعم قوى 14 آذار، فيما حققت لائحة منافسه سكاف فوزاً مدوياً اذ نجح ستة من مرشحيها السبعة.
ومن حينها صار فتوش لصيقاً بقوى 14 آذار، يلعب دوراً غير نبيل اوكل اليه وهو دور ايجاد "التشريعات والفتاوى القانونية" والدستورية للمخالفات الدستورية والقانونية التي ترتكبها حكومة فؤاد السنيورة، وكان اللافت ان فتوش يقف دائماً في العتمة والظل، ويُستدعى فقط في "اللحظات الحرجة" لنجدة قوى 14 شباط بفذلكة قانونية غب الطلب، باعتباره يحمل دكتوراه في القانون.
وتشاء الظروف وحملات نقل الاصوات بالآلاف، وعشرات التجاوزات والسيطرة على الاقلام الانتخابية وسواها من عمليات تزوير الارادات وشراء الضمائر والاصوات بمبالغ خيالية وصلت احياناً الى نحو 4 آلاف دولار للصوت الواحد، ان تنجح لائحة فتوش كاملة في دورة الانتخابات النيابية، فخال الرجل انه صار رئيساً لكتلة من 7 نواب وزعيماً سياسياً لمنطقة بعينها، وبدأ يسلك مسلك القيادات وينحو منحى الواصلين ولا ريب الى الوزارة، والوالجين الى طاولة الحوار الوطني في قصر بعبدا بصفته "الزعيم الاكبر" والاكثر تمثيلا لطائفته، محل زعيم الكتلة الشعبية النائب والوزير السابق ايلي سكاف.
.. ولكن فجأة، ظهرت الخديعة الكبرى، ولم تدم فرحة فتوش سوى اقل من اسبوعين اثنين، وتيقن الجميع ان الرجل لم يكن سوى مطية لفريقين اثنين هما: "القوات اللبنانية" وتيار "المستقبل".
فمن دون مقدمات انفصل ثلاثة من اعضاء كتلة "زحلة بالقلب" التي كان يعتقد انه رئيسها، وانضموا الى كتلة القوات اللبنانية، بينهم النائب الكاثوليكي الثاني (ابو خاطر) فيما صار معلوماً ان النائبين الاخرين اي السني (عاصم عراجي) والشيعي (عقاب صقر) حسما ارتباطهما بكتلة "المستقبل" النيابية، ولم يعد خافياً ان النائب ايلي ماروني قد التحق بكتلة حزب الكتائب.
وهكذا وجد فتوش نفسه في الميدان وحيداً، ووجدت زحلة نفسها ملحقة سياسياً وللمرة الاولى بتاريخها السياسي بمعراب وبيت الكتائب المركزي في الصيفي وبقريطم، لدرجة ان مخاتير المدينة وبعض البلديات الواقعة في نطاقها الجغرافي اصدروا بياناً عبروا فيه عن استيائهم وخيبتهم من خطوة النواب الثلاثة بالانضمام الى كتلة "القوات".
ومن البديهي ان هذا الحدث "المفاجئ" والمتسارع قد فتح الباب امام جملة من تساؤلات وشكوك في الكواليس السياسية حول كيف تسللت "القوات" الى زحلة، وكيف "غرست" في لائحة فريق الموالاة ثلاثة مرشحين يدينون لها بالولاء، ولماذا بادرت القوات الى كشف الستار والغطاء عنهم، قبل ايام قليلة من انتخاب رئيس مجلس النواب، وبدء عمل المجلس الجديد؟
ويمضي حبل التساؤلات الى أبعد من ذلك، هل تيار "المستقبل" الذي قاد "بشراسة" ما بعدها شراسة المعركة الانتخابية في زحلة وتصرف معها على اساس انها "ام المعارك" حيث دفع ملايين الدولارات، كان على دراية بتفاصيل "المؤامرة" التي حاكتها "القوات"، ام صار "كالزوج المخدوع" آخر من يعلم كما هو حال فتوش؟
واستطراداً هل صحيح ان تيار "المستقبل" اراد منذ البداية التضحية بحليفه فتوش، لكي يؤمن لحليفه الاوثق في دائرة بيروت الاولى النائب فرعون الزعامة النيابية والسياسية للكاثوليك في لبنان، وليوفر له ظروف عبوره الى طاولة الحوار الوطني عندما يُعاد تركيب هذه الطاولة.
ولا ريب ان ثمة من بدأ يتساءل عن الاسباب والموجبات التي تدفع بتيار "المستقبل" الذي يدعي الاعتدال ويرفع شعار الوفاق والتوافق، وترسيخ الاستقرار، ان يُعاد احياء تنظيم التطرف والانعزال الذي تجسده القوات اللبنانية خير تجسيد، وتمكينه من ان "يضخم" حضوره ونفسه في الشارع المسيحي مع ادراكه ويقينه ان هذا الامر مخالف تماماً لرغبات هذا الشارع الذي ثار أكثر من مرة في وجه هذا الفريق السياسي بعدما قاده من خراب الى خراب ومن هزيمة الى هزيمة، وقاده من مغامرة الى مغامرة مهلكة وطائشة الى اخرى، بعدما أدخله في مداخل التهلكة، منذ نشوء هذا الفريق في خضم الحرب الاهلية اللبنانية في بداية عقد السبعينات من القرن الماضي.
ولا ريب ان هذه التساؤلات تؤول الى التعمق اكثر اذا ما صار معلوماً، في الآونة الاخير ان القوات كانت اتفقت سراً مع العديد من المرشحين المستقلين في دوائر جبيل وكسروان وبعبدا على الانضمام الى كتلتها النيابية اذا ما كتب لهم النجاح في الانتخابات، ومن هؤلاء ادمون غاريوس المرشح السابق عن بعبدا من دون ان ينسى احد المرشح "القواتي" بامتياز النائب فارس سعيد.
ومن البديهي الاشارة الى ان اعادة فرض الحضور السياسي للقوات على الشارع المسيحي، وتزعيمه وتضخيم حضوره بالدعم المباشر من قبل تيار "المستقبل" تارة وبالتسلل والخديعة تارة اخرى، انما يهدف اولاً واخيراً الى دفع هذا الشارع مجدداً الى التشرذم والدخول في متاهات الانقسام والتعارك.
وحتى اشعار آخر يبقى الهدف البين هو محاصرة "التيار الوطني الحر" وجره الى ساحة عادة يبرع فيها سمير جعجع هي ساحة التخريب والشرذمة.
الانتقاد/ العدد 1352 ـ 26 حزيران/ يونيو 2009
لم تزل غالبية من الناس تذكر صورة النائب نقولا فتوش وهو يمشي امام لائحته النيابية التي فازت بانتخابات دائرة زحلة، والمسماة "زحلة بالقلب"، متنقلاً من مرجع روحي إلى آخر ومن سياسي الى سياسي مقدماً اليهم أعضاء لائحته وكلهم مجهولو النسب السياسي، يفدون للمرة الاولى، باستثناء شخص واحد، الى الميدان السياسي والنيابي.
كان فتوش جزلاً الى اقصى حدود الجزل وفرحاً الى أعلى درجات الفرح، فهو قدر له وللمرة الاولى ان يصير رئيساً لكتلة نيابية من 7 أعضاء، وقدر له ان يدنو من تحقيق "حلمه التاريخي" في ان يصير زعيماً لزحلة، عروس البقاع، وعاصمة الكثلكة في لبنان، بعد ان ظل منذ ان اطل على عالم النيابة في اول انتخابات نيابية تجري بعد الشروع في تطبيق اتفاق الطائف عام 1992، نائباً فرداً مشكوكاً في زعامته ودوره السياسي امام الزعامة التاريخية لزحلة المتجسدة بآل سكاف، والتي بقيت راسخة برغم كل "معارك؟" غازي كنعان ضدها، وبرغم كل ما فعله لاستئصالها ومحاصرتها طوال اكثر من عقد من الزمن.
واكثر من ذلك ظل فتوش مشكوكاً ايضاً بـ"ولادته السياسية" اذ بقي في نظر الجميع صنيع عهد سياسي، وظل اسمه مرتبطاً بالكسارات الشهيرة في البقاع والجبل التي بقيت "عصية" على كل قوانين تنظيم الكسارات والمقالع.
وعندما ولي الوزارة لمرة واحدة ووحيدة في حياته السياسية (وزارة السياحة) ارتبط اسمه "بفضيحة" مالية معروفة، وظلت الصحافة تتناولها لفترات طويلة، هي فضيحة تلزيم مغارة جعيتا المرفق السياحي الاهم.
.. وخابت آمال فتوش في انتخابات عام 2005، اذ نجح بصعوبة وحيداً من لائحته التي حظيت بدعم قوى 14 آذار، فيما حققت لائحة منافسه سكاف فوزاً مدوياً اذ نجح ستة من مرشحيها السبعة.
ومن حينها صار فتوش لصيقاً بقوى 14 آذار، يلعب دوراً غير نبيل اوكل اليه وهو دور ايجاد "التشريعات والفتاوى القانونية" والدستورية للمخالفات الدستورية والقانونية التي ترتكبها حكومة فؤاد السنيورة، وكان اللافت ان فتوش يقف دائماً في العتمة والظل، ويُستدعى فقط في "اللحظات الحرجة" لنجدة قوى 14 شباط بفذلكة قانونية غب الطلب، باعتباره يحمل دكتوراه في القانون.
وتشاء الظروف وحملات نقل الاصوات بالآلاف، وعشرات التجاوزات والسيطرة على الاقلام الانتخابية وسواها من عمليات تزوير الارادات وشراء الضمائر والاصوات بمبالغ خيالية وصلت احياناً الى نحو 4 آلاف دولار للصوت الواحد، ان تنجح لائحة فتوش كاملة في دورة الانتخابات النيابية، فخال الرجل انه صار رئيساً لكتلة من 7 نواب وزعيماً سياسياً لمنطقة بعينها، وبدأ يسلك مسلك القيادات وينحو منحى الواصلين ولا ريب الى الوزارة، والوالجين الى طاولة الحوار الوطني في قصر بعبدا بصفته "الزعيم الاكبر" والاكثر تمثيلا لطائفته، محل زعيم الكتلة الشعبية النائب والوزير السابق ايلي سكاف.
.. ولكن فجأة، ظهرت الخديعة الكبرى، ولم تدم فرحة فتوش سوى اقل من اسبوعين اثنين، وتيقن الجميع ان الرجل لم يكن سوى مطية لفريقين اثنين هما: "القوات اللبنانية" وتيار "المستقبل".
فمن دون مقدمات انفصل ثلاثة من اعضاء كتلة "زحلة بالقلب" التي كان يعتقد انه رئيسها، وانضموا الى كتلة القوات اللبنانية، بينهم النائب الكاثوليكي الثاني (ابو خاطر) فيما صار معلوماً ان النائبين الاخرين اي السني (عاصم عراجي) والشيعي (عقاب صقر) حسما ارتباطهما بكتلة "المستقبل" النيابية، ولم يعد خافياً ان النائب ايلي ماروني قد التحق بكتلة حزب الكتائب.
وهكذا وجد فتوش نفسه في الميدان وحيداً، ووجدت زحلة نفسها ملحقة سياسياً وللمرة الاولى بتاريخها السياسي بمعراب وبيت الكتائب المركزي في الصيفي وبقريطم، لدرجة ان مخاتير المدينة وبعض البلديات الواقعة في نطاقها الجغرافي اصدروا بياناً عبروا فيه عن استيائهم وخيبتهم من خطوة النواب الثلاثة بالانضمام الى كتلة "القوات".
ومن البديهي ان هذا الحدث "المفاجئ" والمتسارع قد فتح الباب امام جملة من تساؤلات وشكوك في الكواليس السياسية حول كيف تسللت "القوات" الى زحلة، وكيف "غرست" في لائحة فريق الموالاة ثلاثة مرشحين يدينون لها بالولاء، ولماذا بادرت القوات الى كشف الستار والغطاء عنهم، قبل ايام قليلة من انتخاب رئيس مجلس النواب، وبدء عمل المجلس الجديد؟
ويمضي حبل التساؤلات الى أبعد من ذلك، هل تيار "المستقبل" الذي قاد "بشراسة" ما بعدها شراسة المعركة الانتخابية في زحلة وتصرف معها على اساس انها "ام المعارك" حيث دفع ملايين الدولارات، كان على دراية بتفاصيل "المؤامرة" التي حاكتها "القوات"، ام صار "كالزوج المخدوع" آخر من يعلم كما هو حال فتوش؟
واستطراداً هل صحيح ان تيار "المستقبل" اراد منذ البداية التضحية بحليفه فتوش، لكي يؤمن لحليفه الاوثق في دائرة بيروت الاولى النائب فرعون الزعامة النيابية والسياسية للكاثوليك في لبنان، وليوفر له ظروف عبوره الى طاولة الحوار الوطني عندما يُعاد تركيب هذه الطاولة.
ولا ريب ان ثمة من بدأ يتساءل عن الاسباب والموجبات التي تدفع بتيار "المستقبل" الذي يدعي الاعتدال ويرفع شعار الوفاق والتوافق، وترسيخ الاستقرار، ان يُعاد احياء تنظيم التطرف والانعزال الذي تجسده القوات اللبنانية خير تجسيد، وتمكينه من ان "يضخم" حضوره ونفسه في الشارع المسيحي مع ادراكه ويقينه ان هذا الامر مخالف تماماً لرغبات هذا الشارع الذي ثار أكثر من مرة في وجه هذا الفريق السياسي بعدما قاده من خراب الى خراب ومن هزيمة الى هزيمة، وقاده من مغامرة الى مغامرة مهلكة وطائشة الى اخرى، بعدما أدخله في مداخل التهلكة، منذ نشوء هذا الفريق في خضم الحرب الاهلية اللبنانية في بداية عقد السبعينات من القرن الماضي.
ولا ريب ان هذه التساؤلات تؤول الى التعمق اكثر اذا ما صار معلوماً، في الآونة الاخير ان القوات كانت اتفقت سراً مع العديد من المرشحين المستقلين في دوائر جبيل وكسروان وبعبدا على الانضمام الى كتلتها النيابية اذا ما كتب لهم النجاح في الانتخابات، ومن هؤلاء ادمون غاريوس المرشح السابق عن بعبدا من دون ان ينسى احد المرشح "القواتي" بامتياز النائب فارس سعيد.
ومن البديهي الاشارة الى ان اعادة فرض الحضور السياسي للقوات على الشارع المسيحي، وتزعيمه وتضخيم حضوره بالدعم المباشر من قبل تيار "المستقبل" تارة وبالتسلل والخديعة تارة اخرى، انما يهدف اولاً واخيراً الى دفع هذا الشارع مجدداً الى التشرذم والدخول في متاهات الانقسام والتعارك.
وحتى اشعار آخر يبقى الهدف البين هو محاصرة "التيار الوطني الحر" وجره الى ساحة عادة يبرع فيها سمير جعجع هي ساحة التخريب والشرذمة.
الانتقاد/ العدد 1352 ـ 26 حزيران/ يونيو 2009