ارشيف من :آراء وتحليلات

حملة تهويد القدس مستمرة: أين المنظمات العربية والإسلامية المعنية؟

حملة تهويد القدس مستمرة: أين المنظمات العربية والإسلامية المعنية؟
تختزل القدس معاناة فلسطين كلها، ويحمل المسجد الأقصى عنوان مأساة شعب فلسطين، حيث تمنع قوات الاحتلال المصلين من الوصول إليه، وتقطّع أجزاء الجسد الفلسطيني بإقامة جدارها العازل، فتحول فلسطين الى سجن كبير يتسلّط فيه الجلاد على ضحاياه من المسلمين والمسيحيين. وتكبر معاناة فلسطين ومأساتها مع كل إجراء قمعي صهيوني، وتكبر معها معاناة القدس والمسجد الأقصى فيها، حتى باتت القدس أشلاءً لا تقوى على بلسمة جراح غيرها، لما تنوء به من جراحات. ويعيش الأقصى الخطر الحقيقي بحفر الأنفاق في أساساته، ما يهدّد بكارثة حضارية ودينية وإنسانية، تستهدف هوية المسلمين والعرب وتاريخهم.
ولقد أكد قاضي قضاة فلسطين الشيخ تيسير التميمي أن الحفريات المستمرة أسفل المسجد الأقصى، إضافة إلى فتح شبكة من الأنفاق الضخمة تحت أساساته، أضعفا وقوّضا أساساته، محذرا من انهيار كامل للمسجد المبارك في غفلة عن المسلمين والمجتمع الدولي.
ولقد أذابت سلطات الاحتلال كل الصخور أسفل الأقصى بمواد كيمياوية، وأزالت كل الأتربة، وأصبح المسجد معلقا بالهواء، إضافة إلى وجود تصدعات كبيرة بالأسوار الغربية، ما يجعل المسجد عرضة للانهيار بفعل أي هزة أرضية او أي عمل تخريبي يقوده متطرف صهيوني.
وأكد الشيخ التميمي أن هناك تسارعا غير مسبوق منذ العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة من قبل حكومة الاحتلال وغلاة الجماعات الدينية اليهودية المتطرفة لتهويد مدينة القدس، وآخرها بدء الاحتلال ببناء 3500 وحدة استيطانية بين مستوطنة معاليه أدوميم المقامة على أراضي بلدتي العيزرية وأبوديس لاستكمال فصل وعزل القدس عن محيطها الفلسطيني.
وحمل التميمي حكومة الاحتلال المسؤولية الكاملة عن العواقب الكارثية لعدوانها على المسجد ومدينة القدس. ودعا العرب والمسلمين في جميع أنحاء العالم قادة وشعوباً ومنظمات إلى التحرك السريع لنصرة الأقصى الذي يمثل جزءاً غالياً من عقيدتهم.
في المقابل فإن الهيئة الإسلامية المسيحية لنصرة القدس والمقدسات حذرت من خطورة ما تتعرض له المدينة المقدسة من هجمة استيطانية وحفريات إسرائيلية، وهدم بيوت وعزل متواصل للقدس والبلدة القديمة.
وقالت الهيئة في بيان لها: إن انهيار أرضية مدرسة القدس الأساسية التابعة للأونروا بمنطقة باب المغاربة قرب الأقصى، ينذر بما هو أسوأ للمسجد والبلدة القديمة على حد سواء، والعياذ بالله.
وكل يوم يمر تحدثنا أخباره عن محاولات استيطانية لأراضٍ جديدة في القدس تندرج في خانة استكمال تهويد المدينة بالكامل. ويغتنم الصهاينة عدم مبالاة الدول الكبرى حيال القدس، فيسعون إلى التهويد وتغيير معالم المدينة ومسخ انتمائها العربي والإسلامي. ويساعدهم في ذلك عدم التحرك العربي والإسلامي الفعال، فضلاً عن استعداد العديد من الدول الكبرى لنقل سفاراتها إلى القدس بوصفها عاصمة للكيان الصهيوني. وهذا ما يشجع قادة الكيان الصهيوني على المضي في دعوتهم لاعتماد القدس عاصمة لكيانهم المغتصب.
وما خطاب نتنياهو الأخير الذي أكد فيه يهودية الدولة الإسرائيلية واعتبار القدس عاصمة أبدية لكيانه الغاصب، الا تتويج لما يجري على الأرض من تهويد كامل للمدينة المقدسة، بهدف مسخ هويتها وضرب معالمها الحضارية المتمثلة بالمسجد الأقصى. من هنا فإن القلق يتزايد على بنيان المسجد الذي أصبح مهددا بالسقوط بفعل استمرار الحفريات، ليكون سقوطه فصلا جديدا من فصول المؤامرة على القضية الفلسطينية التي كانت قضية العرب والمسلمين الأولى، وباتت اليوم حملا ثقيلا على غالبية الأنظمة العربية والإسلامية التي تسعى للتخلص منه بإجراء تسويات عنوانها السلام وباطنها الاستسلام والرضوخ والهوان.        
وإذا كان من مسؤولية يتحملها العالم تجاه القدس والأقصى والقضية الفلسطينية، فإن منظمة المؤتمر الإسلامي ولجنة القدس والجامعة العربية ومنظمة اليونسكو هم اول المطالبين بتحمل مسؤولياتهم التاريخية والإنسانية. كما ان إطلاق عبارات التنديد والاستنكار وإصدار البيانات الشاجبة لا يعفيهم من القيام بواجبهم لإنقاذ القدس التي تنتظر منهم اكثر من ذلك بكثير.
وانطلاقا من قاعدة "ألزموهم بما ألزموا به أنفسهم"، فلتحافظ جامعة الدول العربية على هوية القدس العربية ولتنتصر منظمة المؤتمر الإسلامي فعلا لا قولا لإنقاذ مدينة الأنبياء ومسجدها، ولتقم لجنة القدس بدورها في الدفاع عن المدينة التي تحمل اسمها، ولتتحرك منظمة اليونسكو للحفاظ على المعالم الحضارية والثقافية والتاريخية في القدس.
وتبقى القدس أمانة الله في أعناق العرب المسلمين والمسيحيين، وعليهم أن يؤدوا أمانة الله حقها فينقذوا القدس قبل فوات الأوان. لأنه حينها لا ينفع الندم، ولات ساعة مندم.
علاء نصر الله
الانتقاد/ العدد 1352 ـ 26 حزيران/ يونيو 2009
2009-06-26