ارشيف من :آراء وتحليلات

طبخة الحكومة بين الاعتبارات الاقليمية ـ الدولية والاعتبارات المحلية

طبخة الحكومة بين الاعتبارات الاقليمية ـ الدولية والاعتبارات المحلية
كتب المحرر المحلي
في المشهد المباشر، كان اللبنانيون هم من يدلي بصوته في إطار من اللعبة المحلية الطابع، لكن خلف هذا المشهد كانت الانتخابات مضماراً لتنافس اقليمي ودولي بأدوات محلية، نظراً لأهمية موقع لبنان في الصراعات المحورية التي تتجاذب المنطقة، ونستطيع القول ببساطة شديدة، إن هذه الأهمية ما كانت لتكون للبنان لولا اعتبارات ثلاثة: الاعتبار الأول يتجسد في المقاومة وموقعها ودورها الذي يفيض على لبنانيته باتجاه الدائرتين الاقليمية والدولية، والاعتبار الثاني يتمثل بوجود مئات آلاف  اللاجئين الفلسطينيين الذين يعتبر مصيرهم اليوم أحد الملفات الشائكة في مسار البحث عن حل للقضية الفلسطينية، والاعتبار الثالث يتمثل في الموقع الجيوبولتيكي المهم في الحسابات الاقليمية والدولية، سواء كانت اميركية أم اسرائيلية، أم مصرية، أم سعودية، أم ايرانية، أم سورية.
ومن الواضح، أن هذه الاعتبارات الثلاثة تتقاطع عند حسابات عدة، منها ما يتصل بمسار التسوية وفتح الطريق أمام تطبيع وجود الكيان الاسرائيلي في المنطقة، ومنها بحسابات التفاوض مع ايران وسوريا، وبحسابات النفوذ والهيمنة في المنطقة، ومجمل هذه الحسابات تتداخل وتتشابك على نحو معقد ودقيق وحساس.
في هذا الإطار، لم يكن أمراً عارضاً، ولا مسألة استنهاضية وتعبوية انتخابية، أن يكون العنوان الأساسي الذي خاض فريق الموالاة حملته الانتخابية تحته هو تحويل حزب الله والمقاومة الى عدو، والى فزاعة، لا سيما في الساحتين السنية والمسيحية، وكل ذلك وسط حالة تعبوية مذهبية عمقت من الانقسام  والاصطفاف المذهبي وراء متاريس  خطيرة، فكما كان تحالف عدوان تموز موجهاً بالكامل ضد المقاومة في لبنان، كان التحالف عينه يخوض الانتخابات في لبنان ضد حزب الله بما هو العنوان السياسي للمقاومة.
بهذا المعنى، فنحن اليوم، إزاء مشهد معقد داخلياً، تتقاطع عنده دقة الاصطفاف والافرازات والانقسامات المذهبية والطائفية بكل توتراتها وحمولتها المتفجرة مع الاصطفافات الاقليمية والدولية المتجاذبة، وسط لعبة استراتيجية شاملة على أكثر من ملف وعنوان يبقى أبرزها: تحريك مسار التسوية، والعلاقات الاميركية ـ الإيرانية، والاميركية ـ السورية، المفتوحة على مدى جيوبولتيكي واستراتيجي يحتضن في داخله العديد من الملفات الشائكة المعروفة.
ويبدو، أن كلمة السر الأساسية في هذه المرحلة والمعممة على مجمل دول المنطقة هي ضرورة الالتزام التهدئة، باعتبارها الوصفة المتاحة، والتي تتقاطع عندها مصالح الجميع، في لحظة انتقالية دقيقة سمتها الرئيسية فحص الامكانيات والفرص الخاص باحتمال انجاز تفاهمات أو تسويات جزئية أو شاملة.
ان مناسبة هذا الكلام هي للقول بوضوح ان عملية تشكيل الحكومة المقبلة لا يمكن فصلها بأي حال من الأحوال لا عن اللعبة الاقليمية ـ الدولية، ولا عن الاعتبارات الداخلية الدقيقة والحساسة، وبالتالي، اذا ما أريد لها أن تكون عنوان تهدئة واستقرار، لا بد من أن تعكس واقع التوازنات الداخلية والخارجية معاً المحيطة والمؤثرة في لبنان.
يضاف الى ذلك اعتبارات أخرى، أبرزها:
أولاً: إذا صح أن النائب سعد الحريري بات توليه رئاسة الحكومة مسألة محسومة، فإن هذا الأمر سيشكل شرطاً ضرورياً لتوفير كل مستلزمات التهدئة والاستقرار بوصفها شرط نجاح لأول تجربة رئاسية له في الحكومة.
ثانياً: ان الانتخابات النيابية لم تكن في جوهرها مظهراً لنجاح المعارضة أو الموالاة، بقدر ما كانت مظهراً لتأكيد الاستاتيكو القائم، ما يعني سياسياً، ان ما فرض هذا الواقع سابقاً لا بد من تمديد العمل به.
ثالثاً: صحيح، ان الموالاة تستطيع الادعاء بأنها حافظت على صفة الأكثرية النيابية، إلا أن المعارضة تستطيع القول أيضاً انها تملك الأكثرية الشعبية، وبالتالي لا خيار أمام الاثنين إلا إما إجراء تسوية بين شرعية الموالاة ومشروعية المعارضة، وإما تركهما في حالة صدام، ما يعني عملية تجديد الصراع بين السلطة الرسمية والسلطة الشعبية التي  لا مكان لها للتعبير إلا في الشارع، وهذا بدوره يتناقض مع هدف التهدئة، والرغبة بالاستقرار والنجاح.
كل ما تقدم يشير الى أمرٍ أساسي هو أن الحكومة المقبلة ستكون تركيبتها محكومة بالتوازن، وخاضعة لمستلزماته وشروطه، لا سيما لجهة توفير حق المشاركة الفعلية للمعارضة، وهو حق لا يمكن ضمانة خارج حيازتها الثلث الضامن لاستقامة الحكم داخلياً، ولعكس التوازنات الاقليمية والدولية خارجياً، وهنا، يبدو أن لعبة تشكيل الحكومة ستدور بين محاولات الالتفاف على حق المعارضة بالثلث الضامن، وتوفير الضمانات اللازمة للمشاركة، وهي ضمانات تتجاوز الأطراف المحليين الى الأطراف الاقليميين والدوليين.
ونستطيع القول، ان مناسبة تشكيل الحكومة شكلاً ومضموناً وبياناً وزارياً، اضافة الى تركيبتها وطبيعتها، ستشكل فرصة أكيدة لتظهير جانب أساسي مما يجري في المنطقة، والوجهة التي تتجه اليها الأمور، فاذا ما تمت عملية تشكيل حكومة وحدة وطنية بنجاح سنكون ولا شك أمام مؤشر جدي على أن المنطقة مقبلة على حالة من التهدئة العامة، وفي حال الفشل، فإن المنطقة ستكون في حال من مواصلة الانقسام والتجاذب المفتوح على حروب هنا وهناك، أو اضطرابات داخلية هنا وهناك، وصولاً الى بلورة وجهة الأمور النهائية، وعندها سنكون أمام أزمة حكم وتمديد ضروري للحكومة الحالية.
الانتقاد/ العدد 1352 ـ 26 حزيران/ يونيو 2009
2009-06-26