ارشيف من :أخبار عالمية

روسيا تؤدّب جورجيا: المس بالخطوط الحمر ممنوع

روسيا تؤدّب جورجيا: المس بالخطوط الحمر ممنوع
كتب عبد الحسين شبيب
لا تشكل المواجهة الحالية بين جورجيا وروسيا حربا بالمعنى التقليدي للكلمة، لاسباب عديدة ابرزها انعدام توازن القوى بين الطرفين لمصلحة تفوّق روسي في كل شيء: الجغرافيا والعديد والعتاد والتكنولوجيا، فضلاً عن وضعية روسيا بعد فلاديميير بوتين كقوة عالمية مؤثرة جدا مقابل جمهورية صغيرة جداً اسمها جورجيا تستخدمها الولايات المتحدة ساحة متقدمة للتحرش بروسيا ليس أكثر.
روسيا تؤدّب جورجيا: المس بالخطوط الحمر ممنوعويبدو ذلك واضحا من خلال اقرار القيادة الجورجية نفسها بأن قرارها اعلان حالة الحرب هو لتطبيق القانون العرفي داخليا ليس الا، ولا يعتبر بأي شكل من الاشكال اعلانا للحرب على موسكو، لان هذا أمر مثير للسخرية كما قال الامين العام لمجلس الامن القومي الجورجي الكسندر لومايا؟
لكن السؤال يبقى هو في خلفية القرار الذي اتخذه الرئيس الجورجي ميخائيل ساكاشفيلي بالهجوم على اوسيتيا الجنوبية التي يريد استعادتها الى سيادة بلاده مع اقليم ابخازيا، وهو يعرف تماما الرغبة الداخلية للجمهوريتين بالاستقلال عن تبليسي والبقاء تحت السلطة الروسية، وهو ما تكرس بالاستفتاءات الشعبية والتحركات العسكرية الاحتجاجية، وادى الى رسم واقع تدير فيه موسكو مباشرة او غير مباشرة هذين الاقليمين _ الجمهوريتين وتمدهما بأشكال الدعم المادي وغير المادي، ومنها الحضور الروسي في اوسيتيا الجنوبية تحت عنوان قوات حفظ السلام، فضلا عن منح سكانها الجنسية الروسية لتهب لنجدتهم ساعة تريد.
يعرف سكاشيفيلي ان الغرب وعلى رأسه واشنطن لن يتحرك عسكريا لنجدة صاحب ثورة الورود الذي انقلب على معانيها وبات معارضوه اكثر من مؤيديه، ويعرف ان حدود الصراع بين روسيا واميركا تجعله ساحة خلفية للمقايضة وتبادل الرسائل اكثر من استعداد أي طرف غربي لقطع آلاف الاميال وخوض حرب نيابة عنه مع خصم مستعد لفعل أي شيء لوضع حدود لمحاولات اللعب في مجاله الحيوي والتأثير على عناصر قوته، كما تحاول واشنطن وفريقها الاوروبي فعل ذلك من خلال الملفات العالقة بينهم وبين موسكو.
وبالتأكيد فان اوسيتيا الجنوبية تعني جغرافيا واستراتيجيا الكثير لروسيا، خصوصا عندما تشاهد السعي الاميركي الاطلسي الحميم لاعتبارها موقعا متقدما في مواجهتها من خلال تأييد الولايات المتحدة انضمام جورجيا واوكرانيا الى حلف الناتو، وجعله على تماس مباشر مع حدودها، يضاف اليه مشروع الدرع الصاروخي الاميركي في شرقي اوروبا، ومد خطوط لانابيب النفط بين اذربيجان وتركيا لتجنب عبور صادرات النفط في الاراضي الروسية (أعلنت وزارة الخارجية الجورجية ان القوات الجوية الروسية "دمرت كلياً مرفأ بوتي على البحر الاسود الذي يعتبر مرفأ اساسيا لنقل مصادر الطاقة من بحر قزوين)، وهذه وغيرها مسائل تقع في صلب صراعات القوة والنفوذ العالميين.
 ميزان القوى بين جورجيا وروسيا
تواجه جورجيا التي تخوض مواجهة مسلحة مع روسيا للسيطرة على جمهورية اوسيتيا الجنوبية الانفصالية تفوقا عسكريا روسيا كاسحا سواء على صعيد العديد ام على صعيد العتاد.
تمتلك تبيليسي جيشا يعد 11 الف جندي وموازنتها الدفاعية السنوية تبلغ 29 مليون يورو بحسب ارقام "السنة الاستراتيجية 2007". وبالمقابل تمتلك روسيا جيشا قوامه اكثر من مليون جندي وموازنتها الدفاعية تبلغ 12.5 مليار يورو.
يبلغ عديد سلاح الجو الجورجي 1500 جندي ويمتلك خمس مقاتلات فقط. اما سلاح البر فيعد 8000 جندي ولديه 85 مدرعة. في حين يبلغ عديد سلاح البحر 1500 جندي ولديه اربعة زوارق دوريات. ومن جهة اخرى ينتشر في العراق الفا جندي جورجي هم الافضل تدريباً وتجهيزاً، ومن المقرر ان يعودوا الى بلادهم على وجه السرعة للمشاركة في القتال.
بالمقابل تعد القوات الروسية مليونا و37 الف جندي يضاف اليهم 20 مليون جندي في الاحتياط. ويعد سلاح البر 395 الف جندي ويمتلك 22 الف مدرعة. اما سلاح الجو فيعد 170 الف جندي ويمتلك 17 الف مقاتلة. في حين يعد سلاح البحر 142 الف جندي فضلا عن 80 الف جندي يخدمون في اطار قوات الردع النووي.
والى هذا هناك تشكيلات روسية عسكرية شبه نظامية يبلغ عديدها 419 الف عنصر.
الانطباع السائد لدى المحللين ان حجم الرد الروسي العنيف لن يقود الى حرب مع الغرب، وان جلّ ما تفعله موسكو هو تلقين هذه الجمهورية ومن يقف وراءها درسا بأنها لن تسمح لاحد المس بأمنها القومي، وان هناك خطوطا حمراً لا يمكن لاحد تجاوزها، وانهم عبر تلقين الجورجيين درسا يريدون ان يثبتوا ان لديهم مصالح في هذه المنطقة ويعتزمون الدفاع عنها بأي ثمن، وهي رسالة موجهة الى الجمهوريات القريبة او الدول البعيدة، وهو ما فهمته دول الاتحاد السوفياتي السابق البلطيقية: ليتوانيا، لاتفيا، استونيا ومعهم بولندا فسارعوا الى دعوة حلفائهم الاوروبيين للتحرك الميداني وليس الاكتفاء بالتصريحات الاستنكارية امام ما أسموه السياسة الامبريالية الروسية.
والواضح ان عنف الرد الروسي جاء بعد سلسلة احداث اخرى منها على سبيل المثال الدعم الاميركي لاستقلال اقليم كوسوفو، وهو ما اعتبرته موسكو مسا بحليفها الاوروبي صربيا، فسارعت الى تحريك اقليم ابخازيا مطالبا المجتمع الدولي بدعم مماثل لاستقلاله هو وجمهورية اوسيتيا الجنوبية وفق مبدأ المعاملة بالمثل، كما ان اعتقال الرئيس الصربي السابق رادوفان كرادزيتش مؤخراً اعتبر جزءا من تظهير ادوات النزاع بين الاميركيين والروس.
على أي حال فان تفعيل الصراع بين جورجيا وكل من اوسيتيا الجنوبية واقليم ابخازيا الذي تحرك سريعاً لدعم راعيه الروسي، واطلقت قواته عملية عسكرية  لطرد القوات الجورجية من وادي كودوري، المنطقة الوحيدة التي يوجد فيها الجورجيون، ويفتح عمليا جبهة جديدة ضد قوات تبيليسي تستخدم فيها كل انواع الاسلحة، الجوية منها والبرية، ما يعني افقاد تبليسي فرصة الانضمام الى الناتو، اذ ان من احد شروطه ان تكون مسيطرة على جميع اراضيها، الا اذا ارادت ان تعلن رسميا ان اوسيتيا الجنوبية وابخازيا جمهوريتان لا علاقة لهما بها، وهذا ما يؤدي عمليا الى احتفاظ روسيا بحضور متقدم لها في منطقتي البحر الأسود وجنوب القوقاز، وتحسم صراعا لمصلحتها، وهذا ما لن تقبل به جورجيا لتبقى عاجزة عن الانضمام الى حلف الاطلسي واحضاره الى خاصرة روسيا التي قالت في ردها الاخير ان يدها تبقى هي الطولى في جغرافيتها السابقة والحالية.
الانتقاد/ العدد1289 ـ 12 آب/أغسطس 2008
2008-08-11