ارشيف من :أخبار لبنانية
جلسات الثقة: الموالاة تنقلب معارضة والمعارضة "أم الصبي"

كتب هلال السلمان
قبل أن تنال "حكومة الإرادة الوطنية الجامعة" ثقة مجلس النواب بأكثرية ساحقة من أصوات النواب، فإن مسار مداخلات النواب على مدى الأيام الخمسة من جلسات مناقشة البيان الوزاري شكل مؤشرا سياسيا لما ينتظر البلاد من كباش سياسي متواصل حتى موعد اجراء الانتخابات النيابية المقبلة ربيع العام ألفين وتسعة.
وفي هذا السياق ترى مصادر سياسية متابعة لسير الجلسة، ان أغلبية أفرقاء السلطة أرادوا هذه الجلسة "منبرا" لشن هجوم على فريق المعارضة، وتحديدا حزب الله والمقاومة، تعويضا عن الخسائر السياسية التي مني بها هذا الفريق، والتي تمثلت باتفاق الدوحة وما أنتجه من حكومة فيها الثلث الضامن للمعارضة، ولاحقا تشكيل هذه الحكومة وبيانها الوزاري الذي كفل حق المقاومة بتحرير الأرض.
وفي سياق المناكدة واستمرار سياسة الاختلاف جاءت مفاجأة رئيس الحكومة فؤاد السنيورة التي فجرها في مستهل جلسة المناقشة، حيث حاول ان يمارس عملية تشاطر من خلال تلاوة البيان الوزاري ثم تلاوة كلمة من ثلاث أوراق من خارجه يناقض مضمونها.. مضمون البيان الوزاري، حيث استعاد فيها لغة الحديث عن "المغامرة والمجازفة"! وفي ما يخص ملف المقاومة أغفل عبارة التحرير ليضع محلها لغة الاسترجاع، لكن خروج السنيورة عن الإجماع الوزاري كان "مغامرة" فاشلة ومفضوحة، وجرى وضع حد لها. أولا من خلال التصدي له من قبل النائبين علي عمار ونادر سكر، ومن ثم تأكيد رئيس مجلس النواب نبيه بري ان الكلمة الإضافية للسنيورة لا علاقة لها بالبيان الوزاري، وما يسجل في المحضر هو البيان الوزاري فقط. وانتهت هذه المجازفة من السنيورة عند هذا الحد، لكن تداعياتها ستستمر إذا كانت تشكل أرضية لكيفية تعاطي السنيورة خلال المرحلة المقبلة. ورأت مصادر وزارية شاركت في صياغة البيان الوزاري ان كلمة السنيورة خارج البيان هي المواقف التي عجز عن إدخالها ضمن بنود البيان خلال جلسات صياغته الأربع عشرة.
ما قام به السنيورة من محاولة انقلاب على البيان الوزاري أكمله نواب كتلة سعد الحريري والقوات اللبنانية وبقايا قرنة شهوان، حيث شنوا حملة منسقة ومنظمة على سلاح المقاومة وحاولوا إثارة الالتباسات حول البند المتعلق بدعم المقاومة في البيان الوزاري للحكومة.
أما نواب اللقاء الديمقراطي برئاسة النائب وليد جنبلاط فإنهم واصلوا خلال الجلسة تمييز أنفسهم عن باقي أفرقاء جماعة الموالاة، وهم اضافة الى قلة المداخلات التي قدموها، فإنهم تجنبوا مهاجمة المقاومة، وليس ذلك فحسب، وإنما وزير الأشغال غازي العريضي أدلى بتصريح لافت على هامش الجلسة العامة، ندد فيه بالتهديدات الصهيوينة ضد لبنان، وأن كل اللبنانيين سيتصدون لأي اعتداء اسرائيلي على لبنان. وغمز من قناة بعض أفرقاء السلطة عندما قال: "ان التهديدات الإسرائيلية هي اعتداء على سيادة الدولة وكنف الدولة".
وفي مقابل التصعيد من جانب نواب المستقبل ومسيحيي الموالاة، فإن المعارضة تعاطت مع الجلسة العامة لمناقشة البيان الوزاري بأعلى مستوى من الحس الوطني والمسؤولية، ولذلك كان القرار من جانب حزب الله وحركة أمل باقتصار كل من كتلة التنمية والتحرير والوفاء للمقاومة على كلمة واحدة لكل منهما، وذلك في سياق اشاعة اجواء مريحة على الجلسة تتناسب مع الأجواء الجديدة التوافقية التي سادت بعد اتفاق الدوحة وتشكيل الحكومة.. لكن ذلك لم يمنع نواب كتلة الوفاء من الرد على تهجمات نواب فريق السلطة الذين كانوا يتجاوزون الحدود في تهجمهم على المقاومة. وفي هذا السياق تصدى النواب علي عمار وعلي المقداد ونوار الساحلي والوزير محمد فنيش لأكثر من نائب من نواب الموالاة، وأكد النائب علي عمار ان المقاومة التي قدمت آلاف الشهداء والجرحى وهُدمت عشرات آلاف من منازل جمهورها هي المقاومة المنتصرة التي أذلت العدو، وهي رمز عزة وشرف هذا الوطن، ومن غير المسموح التطاول عليها. كذلك فإن رئيس مجلس النواب نبيه بري حرص على إدارة الجلسات بحكمة عالية،
حيث أفسح بالمجال أمام النواب للتعبير عن آرائهم، لكنه لم يسمح بأن يمر أي موقف يتجاوز أصول العمل البرلماني، وكان يشطبه من المحضر.
اما نواب تكتل التغيير والإصلاح الذين أدلوا بدلوهم في اكثر من قضية، فإن البارز لديهم الكلمة التي ألقاها رئيس التكتل النائب العماد ميشال عون، حيث قدم مقاربة أكد فيها أهمية المقاومة وتكاملها مع الجيش في تحرير باقي الأراضي المحتلة وفي اطار الاستراتيجية الدفاعية. وأبدى العماد عون تحفظه على عبارة استرجاع الأراضي المحتلة في البيان الوزاري، مؤكدا ضرورة حصرية كلمة تحرير الأرض، لأن هذه الأرض محتلة وليست في عقد ضمان. كما تحفظ على عدم ذكر النقاط البرية التي يخرقها الخط الأزرق في رميش وغيرها من النقاط. وتناول عون ملف حق عودة اللاجئين الفلسطينيين، فاتهم دول الغرب وفي مقدمتها الولايات المتحدة بالتسبب بتهجير الفلسطينيين. كما انتقد التقصير العربي تجاه القضية الفلسطينية. ونفى عون كلام النائب وليد جنبلاط ضده بأنه يسعى لترحيل الفلسطينيين، واتهم الأخير بأنه يسعى لتوطين الفلسطينيين في لبنان، وهو ما أثار احتجاج نواب ووزراء الحزب الاشتراكي.
في الإطار العام فإن خطاب فريق الموالاة خلال جلسات مناقشة الحكومة عبّر عن خطاب فريق يرى نفسه انه انهزم في المعركة السياسية التي أدت الى المعادلة الجديدة في البلاد، لذلك كان خطابه متوترا واستفزازيا وكيديا، وهو ما دفع بعض نوابه مثل صولانج الجميل ومحمد كبارة الى عدم منح الثقة للحكومة الجديدة. أما فريق المعارضة الذي "قنن" في مداخلات نوابه الى حدودها الدنيا، فتعاطى مع الجلسة كأم الصبي، لذلك حرص على خطاب جامع لا ينكأ جراح الماضي، ولم يتعاطَ على أساس انه منتصر برغم مكاسبه السياسية الكبيرة، تأسيساً لمرحلة سياسية جديدة في البلاد تتطلب تعزيز الوحدة الوطنية لمواجهة التحديات المقبلة.
الانتقاد/ العدد 1289 ـ 12 آب/أغسطس 2008
قبل أن تنال "حكومة الإرادة الوطنية الجامعة" ثقة مجلس النواب بأكثرية ساحقة من أصوات النواب، فإن مسار مداخلات النواب على مدى الأيام الخمسة من جلسات مناقشة البيان الوزاري شكل مؤشرا سياسيا لما ينتظر البلاد من كباش سياسي متواصل حتى موعد اجراء الانتخابات النيابية المقبلة ربيع العام ألفين وتسعة.
وفي هذا السياق ترى مصادر سياسية متابعة لسير الجلسة، ان أغلبية أفرقاء السلطة أرادوا هذه الجلسة "منبرا" لشن هجوم على فريق المعارضة، وتحديدا حزب الله والمقاومة، تعويضا عن الخسائر السياسية التي مني بها هذا الفريق، والتي تمثلت باتفاق الدوحة وما أنتجه من حكومة فيها الثلث الضامن للمعارضة، ولاحقا تشكيل هذه الحكومة وبيانها الوزاري الذي كفل حق المقاومة بتحرير الأرض.
وفي سياق المناكدة واستمرار سياسة الاختلاف جاءت مفاجأة رئيس الحكومة فؤاد السنيورة التي فجرها في مستهل جلسة المناقشة، حيث حاول ان يمارس عملية تشاطر من خلال تلاوة البيان الوزاري ثم تلاوة كلمة من ثلاث أوراق من خارجه يناقض مضمونها.. مضمون البيان الوزاري، حيث استعاد فيها لغة الحديث عن "المغامرة والمجازفة"! وفي ما يخص ملف المقاومة أغفل عبارة التحرير ليضع محلها لغة الاسترجاع، لكن خروج السنيورة عن الإجماع الوزاري كان "مغامرة" فاشلة ومفضوحة، وجرى وضع حد لها. أولا من خلال التصدي له من قبل النائبين علي عمار ونادر سكر، ومن ثم تأكيد رئيس مجلس النواب نبيه بري ان الكلمة الإضافية للسنيورة لا علاقة لها بالبيان الوزاري، وما يسجل في المحضر هو البيان الوزاري فقط. وانتهت هذه المجازفة من السنيورة عند هذا الحد، لكن تداعياتها ستستمر إذا كانت تشكل أرضية لكيفية تعاطي السنيورة خلال المرحلة المقبلة. ورأت مصادر وزارية شاركت في صياغة البيان الوزاري ان كلمة السنيورة خارج البيان هي المواقف التي عجز عن إدخالها ضمن بنود البيان خلال جلسات صياغته الأربع عشرة.
ما قام به السنيورة من محاولة انقلاب على البيان الوزاري أكمله نواب كتلة سعد الحريري والقوات اللبنانية وبقايا قرنة شهوان، حيث شنوا حملة منسقة ومنظمة على سلاح المقاومة وحاولوا إثارة الالتباسات حول البند المتعلق بدعم المقاومة في البيان الوزاري للحكومة.
أما نواب اللقاء الديمقراطي برئاسة النائب وليد جنبلاط فإنهم واصلوا خلال الجلسة تمييز أنفسهم عن باقي أفرقاء جماعة الموالاة، وهم اضافة الى قلة المداخلات التي قدموها، فإنهم تجنبوا مهاجمة المقاومة، وليس ذلك فحسب، وإنما وزير الأشغال غازي العريضي أدلى بتصريح لافت على هامش الجلسة العامة، ندد فيه بالتهديدات الصهيوينة ضد لبنان، وأن كل اللبنانيين سيتصدون لأي اعتداء اسرائيلي على لبنان. وغمز من قناة بعض أفرقاء السلطة عندما قال: "ان التهديدات الإسرائيلية هي اعتداء على سيادة الدولة وكنف الدولة".
وفي مقابل التصعيد من جانب نواب المستقبل ومسيحيي الموالاة، فإن المعارضة تعاطت مع الجلسة العامة لمناقشة البيان الوزاري بأعلى مستوى من الحس الوطني والمسؤولية، ولذلك كان القرار من جانب حزب الله وحركة أمل باقتصار كل من كتلة التنمية والتحرير والوفاء للمقاومة على كلمة واحدة لكل منهما، وذلك في سياق اشاعة اجواء مريحة على الجلسة تتناسب مع الأجواء الجديدة التوافقية التي سادت بعد اتفاق الدوحة وتشكيل الحكومة.. لكن ذلك لم يمنع نواب كتلة الوفاء من الرد على تهجمات نواب فريق السلطة الذين كانوا يتجاوزون الحدود في تهجمهم على المقاومة. وفي هذا السياق تصدى النواب علي عمار وعلي المقداد ونوار الساحلي والوزير محمد فنيش لأكثر من نائب من نواب الموالاة، وأكد النائب علي عمار ان المقاومة التي قدمت آلاف الشهداء والجرحى وهُدمت عشرات آلاف من منازل جمهورها هي المقاومة المنتصرة التي أذلت العدو، وهي رمز عزة وشرف هذا الوطن، ومن غير المسموح التطاول عليها. كذلك فإن رئيس مجلس النواب نبيه بري حرص على إدارة الجلسات بحكمة عالية،
حيث أفسح بالمجال أمام النواب للتعبير عن آرائهم، لكنه لم يسمح بأن يمر أي موقف يتجاوز أصول العمل البرلماني، وكان يشطبه من المحضر.
اما نواب تكتل التغيير والإصلاح الذين أدلوا بدلوهم في اكثر من قضية، فإن البارز لديهم الكلمة التي ألقاها رئيس التكتل النائب العماد ميشال عون، حيث قدم مقاربة أكد فيها أهمية المقاومة وتكاملها مع الجيش في تحرير باقي الأراضي المحتلة وفي اطار الاستراتيجية الدفاعية. وأبدى العماد عون تحفظه على عبارة استرجاع الأراضي المحتلة في البيان الوزاري، مؤكدا ضرورة حصرية كلمة تحرير الأرض، لأن هذه الأرض محتلة وليست في عقد ضمان. كما تحفظ على عدم ذكر النقاط البرية التي يخرقها الخط الأزرق في رميش وغيرها من النقاط. وتناول عون ملف حق عودة اللاجئين الفلسطينيين، فاتهم دول الغرب وفي مقدمتها الولايات المتحدة بالتسبب بتهجير الفلسطينيين. كما انتقد التقصير العربي تجاه القضية الفلسطينية. ونفى عون كلام النائب وليد جنبلاط ضده بأنه يسعى لترحيل الفلسطينيين، واتهم الأخير بأنه يسعى لتوطين الفلسطينيين في لبنان، وهو ما أثار احتجاج نواب ووزراء الحزب الاشتراكي.
في الإطار العام فإن خطاب فريق الموالاة خلال جلسات مناقشة الحكومة عبّر عن خطاب فريق يرى نفسه انه انهزم في المعركة السياسية التي أدت الى المعادلة الجديدة في البلاد، لذلك كان خطابه متوترا واستفزازيا وكيديا، وهو ما دفع بعض نوابه مثل صولانج الجميل ومحمد كبارة الى عدم منح الثقة للحكومة الجديدة. أما فريق المعارضة الذي "قنن" في مداخلات نوابه الى حدودها الدنيا، فتعاطى مع الجلسة كأم الصبي، لذلك حرص على خطاب جامع لا ينكأ جراح الماضي، ولم يتعاطَ على أساس انه منتصر برغم مكاسبه السياسية الكبيرة، تأسيساً لمرحلة سياسية جديدة في البلاد تتطلب تعزيز الوحدة الوطنية لمواجهة التحديات المقبلة.
الانتقاد/ العدد 1289 ـ 12 آب/أغسطس 2008