ارشيف من :أخبار لبنانية

الثابت والمتغيّر بعد عامين في مجلس النواب: خطاب معادٍ للمقاومة وسلاحها.. واختلاط أوراق تقلب معادلة الداخل

الثابت والمتغيّر بعد عامين في مجلس النواب: خطاب معادٍ للمقاومة وسلاحها.. واختلاط أوراق تقلب معادلة الداخل

كتب محمد الحسيني
اثنان وعشرون شهراً هي مدة "غربة" المجلس النيابي عن مشاهدات الناس، وصمت القاعات عن ضجيج "المشائين" ولقاءات الأروقة.. فلا حكومة مكتملة كانت مؤهلة ميثاقياً وشرعياً لتمثل أمامه، ولا تمثيل وطنياً كاملاً كان يستدعي استنفار اللجان ومؤسسات البرلمان بسبب غياب الانسجام السياسي في البلد.. حتى جاء اتفاق الدوحة لتعود العجلة السياسية وتنطلق من جديد وتقف عند محطة منح الثقة للبيان الوزاري.. فما الذي تغيّر منذ ذلك الحين، قبل عامين تقريبا، حتى اليوم؟
الجواب السريع عن هذا السؤال هو: لا شيء.. ولكنْ مع قليل من الإمعان في البحث والتدقيق تبرز مجموعة مشاهد تغيّرت ومجموعة أخرى حافظت على ثباتها، والجديد الوحيد هو أن الناس عادوا يشهدون مساجلات ظريفة في بعضها وسمجة في بعضها الآخر، والجدّي منها يعكس استمرار الانقسام الحاد بين فريقين، ويظهر التباين الجوهري بين ثقافتين ويطرح الرهان على خيارين.
الثابت أن الفريق الأول الذي يمثله حزب الله والمعارضة الوطنية عمل وما زال جاهداً لإرساء قواعد المواطنية بالمشاركة والالتفاف حول الخيارات التي تصب في مصلحة البلد، وأعطى إثباتاً ناصعاً على هذا الخيار، عمّده بالدم والشهداء وبتحقيق الانتصار الذي تمثل بكسر أسطورة "إسرائيل" وإسقاط مشروع الشرق الأوسط الأميركي، وانتهى بتحرير الأسرى.
والثابت أن الفريق الآخر الذي تمثله الموالاة وتبّاع القرار الخارجي، والأميركي منه على وجه الخصوص، أعلن عداءه لخيار المقاومة ومحاربة سلاحها، وعمل على أخذ لبنان إلى البيدر الأميركي الخاوي، وراهن على سراب متغيّرات خارجية لم تأتِ مع السفن الحربية ولا مع قنابل الموت وصواريخ الدمار الإسرائيلية، وما زال هذا الفريق يسير يائساً في المسار نفسه، وترجمت الكلمات التي ألقاها النواب المتكلمون من على منبر المجلس النيابي توجّهات هذا الفريق الذي أعاد تأكيد مواقفه القديمة ـ الجديدة المعادية لسلاح المقاومة، وعلى رأسهم فؤاد السنيورة.
ولئن كانت المواقف المعلنة، على تصعيدها وحدتها، لن تقدم ولن تؤخر على صعيد منح الثقة للبيان الوزاري، إلا أنها قد تكون من قبيل فتح الباب أمام بدء الحملة الانتخابية تحضيراً للاستحقاق الانتخابي المقبل، على الرغم من عقم هذا النوع من الخطاب السياسي الذي ثبت فشل جدواه.. ولكن يبدو أن ليس في يد هؤلاء ما يقولونه لناسهم ولا لأسيادهم الرعاة الأميركيين، سوى ترداد العزف على وتر استهداف المقاومة وسلاحها، طمعاً برفع أسهمهم وحجز أماكنهم في لوائح المرشحين للاستنابة.
أما المتغيّر الأساسي والمحوري منذ عامين حتى اليوم فهو اختلاط الأوراق في معسكر الموالاة، واحتراق الأوراق التي كانوا يقامرون فيها بمستقبل البلد.. فجرى انتخاب رئيس للبلاد، وتشكيل حكومة تحت عنوان الوحدة الوطنية، وأعيد فتح أبواب مجلس النواب أمام هذه الحكومة، فيما يتحضر رئيس الجمهورية للبدء بعقد جلسات الحوار الوطني لبحث الاستراتيجية الدفاعية كبند رئيسي بعد عودته من زيارته إلى دمشق في لقاء تاريخي، في المكان والزمان والظرف السياسي والملفات التي ستتناولها هذه الزيارة، خصوصاً في ظل الأوضاع الإقليمية والدولية الدقيقة.
كل هذه المتغيّرات دفعت البعض منهم لتعديل بوصلته السياسية ونقل البندقية من كتف إلى كتف، في محاولة استلحاق يائسة للقطار وضمان ما بقي من محطات سعياً لإعادة تموضعه وبزاوية حادة، أملاً بحلف انتخابي جديد على غرار الحلف الرباعي يضمن لهم ما تيسّر من مقاعد في المجلس النيابي الجديد.
غابت بعض الوجوه عن مجلس النواب اللبناني وحل مكانها آخرون بالانتخاب الفرعي، والبعض ما زال موجوداً بالاسم، ولا فعل له سوى إحصاء الأيدي عند التصويت ـ لهذا الأمر زُرعوا في لوائح المرشحين ـ وقلّ أن سمع الناس أصواتهم إلا في تلاوة بيانات موزّعة عليهم ومعدة سلفاً لإثارة الضجيج الإعلامي. واليوم مع هذه "الحكومة الانتقالية"، تكون كرة الثلج قد وصلت إلى قاع المنحدر، إلى حيث نقطة اللاعودة، ولم يعد أمام هؤلاء إلا أن يستمروا في استهلاك آخر قطرة في وقودهم السياسي إلى أن تتوقف قاطرتهم عن المسير، فيذووا ويندثروا في غياهب النسيان.
الانتقاد/ العدد 1289 ـ 12 آب/أغسطس 2008

2008-08-12