ارشيف من :أخبار عالمية
محاربة الارهاب في العراق بين المكاسب الكبيرة والاخفاقات القليلة

بغداد ـ عادل الجبوري
اشارت تقارير صدرت مؤخرا عن جهات رسمية عراقية الى ان العنف والارهاب وصل خلال الاسابيع القلائل الماضية الى ادنى مستوياته منذ اربعة اعوام، وتذهب تقارير اخرى الى ان العمليات الارهابية في العراق بمختلف اشكالها وصورها انخفضت بنسبة 95% عما كانت عليه في صيف عام 2006 حيث كانت عمليات الشد الطائفي في ذلك الحين قد بلغت اعلى مستوياتها على خلفية تفجير مرقد الامامين العسكريين في مدينة سامراء في الثالث والعشرين من شهر شباط 2006.
ولا شك ان مثل تلك الارقام والمعطيات الواردة في اكثر من تقرير، والتي بات من اليسير جدا على المواطن في العراق تلمسها واستشعارها لم تأت من فراغ، وانما ساهمت عوامل عديدة في ايجادها مثلما ساهمت ذات العوامل في ايجاد الارقام والمعطيات عن تنامي العنف والارهاب في فترة زمنية سابقة.
واذا كانت العمليات العسكرية التي نفذتها قوات الجيش والشرطة العراقية وبمساعدة القوات المتعددة الجنسيات في محافظتي البصرة والموصل ومناطق من العاصمة بغداد خلال الفترة الممتدة بين الخامس والعشرين من شهر اذار/مارس الماضي، وبدايات شهر حزيران/يونيو الجاري، قد ادت الى حصول تحسن كبير وملموس في الاوضاع الامنية في مختلف انحاء البلاد، فانه في واقع الامر كانت تلك العمليات بمثابة الصفعة او الضربة الحاسمة والقاضية للجماعات المسلحة التي توصف بأنها خارجة عن القانون، أيا كانت تسميتها ومسمياتها والاجندات التي تعمل وفقها.
مؤشرات التحسن في الاوضاع الامنية اخذت تلوح في الافق مع انطلاق خطة فرض القانون في العاصمة بغداد منتصف شهر شباط من العام الماضي، والتي ترافقت معها خطط امنية مماثلة في اكثر من محافظة عراقية من بينها الانبار والبصرة وكربلاء والديوانية وغيرها.
ومع انه كان هناك مقدار من التعثر والتلكؤ والارتباك الا ان مقدار الانجازات والمكاسب المتحققة كان في الاطار العام اكبر من الاخفاقات ونقاط الفشل ومشاعر الاحباط.
ولا شك ان التجاذبات والتقاطعات السياسية بين القوى والكيانات السياسية المختلفة حول قضايا عديدة تحظى بدرجة كبيرة من الاهمية والحساسية والخطورة، ومواقف واجندات اطراف عربية واقليمية من الواقع العراقي، وطبيعة التحولات السياسية الحاصلة فيه، وعدم اكتمال البناء المؤسساتي لاجهزة الجيش والشرطة من حيث العدد والعدة والخبرة والتجربة، الى جانب الفساد الاداري والمالي المستشري في جسد الدولة العراقية بكل مفاصلها، كل ذلك كان وراء الاخفاقات ونقاط الفشل ومشاعر الاحباط، ولم يكن ممكنا بأي حال من الاحوال بالنسبة للحكومة العراقية والقوى السياسية التي يهمها نجاح العملية السياسية معالجة الاخطاء والسلبيات والتقدم الى الامام على كل المسارات، لم يكن ممكنا ـ ولا مقبولا ـ التعاطي بلا مبالاة او بقليل من الاهتمام مع القضايا المشار اليها آنفا. انطلاقا من حقيقة ان معالجة وحل اية ازمة لا يمكن ان يتحقق من دون تشخيص اسبابها وعواملها وعناصرها وظروفها والعمل على تفكيكها وتحديد الحل والمخرج لها على مراحل، ولكل واحدة بمعزل عن الاخرى، او بحزمة واحدة.
وبالفعل فإن النجاحات المتحققة على الصعيد الامني ارتبطت بحراك سياسي ايجابي شهدته الساحة السياسية العراقية، تمثل بانخفاض حدة التطرف، وحلحلة عدد من العقد المستعصية، واظهار قدر اكبر من المرونة، والتعامل مع الحكومة بطريقة اخرى اكثر واقعية وموضوعية بعيدا عن لغة التحريف والتشهير والمزايدات السياسية غير المجدية، والابتعاد والنأي عن الجماعات والتنظيمات التي تتبنى نهجا ارهابيا دمويا او تسعى من خلال ممارستها وسلوكها الى اغراق العراق في بحر من الدماء، الى جانب ذلك بروز تيار شعبي جماهيري مؤثر وفاعل تمثل بمجالس الصحوات وقف بوجه الجماعات الارهابية المسلحة ونجح بتحقيق انتصارات ومكاسب ميدانية مهمة في محافظات ومناطق باتت في وقت من الاوقات مغلقة بصورة شبه كاملة -او كاملة-لتنظيم القاعدة والجماعات التي تدور في فلكه وتحمل ذات الافكار والمناهج وتمتلك نفس الارتباطات والتحالفات.
وكذلك فإن التعاطي السياسي العراقي والاتجاه للانفتاح على المحيطين العربي والاقليمي اثمر عن نتائج ايجابية طيبة انعكست من خلال تبدل مواقف اطراف عديدة من الوضع العراقي على صعيد الخطاب والممارسة، وافضت الى توسيع مساحات وافاق الحوار والتواصل عبر المؤتمرات والملتقيات والاجتماعات في داخل العراق وخارجه، والتي كان للحكومة العراقية دور كبير وفاعل ومؤثر في تنظيمها وتوجيه مساراتها، ومن خلال وقف - او التقليل من -الحملات الدعائية ضد العراق عبر المنابر الاعلامية والدينية والسياسية والثقافية المختلفة في عواصم عربية عديدة، وتجفيف مصادر تمويل الجماعات الارهابية المسلحة التي كانت تتم تحت غطاء تجاري او انساني ومن قبل جهات لها ارتباطاتها وعلاقاتها الوطيدة مع مؤسسات حكومية عليا، ولها ادوارها المهمة ربما في صناعة القرار وتوجيه السياسات في هذه العاصمة او تلك.
والاهم من ذلك كله فإن الاطراف العربية التي تبنت اجندات ارهابية تخريبية لإعادة الامور في العراق الى الوراء استشعرت التبعات والاثار الخطيرة لما تقوم به على امنها الوطني ومصالحها، ولا سيما ان الجماعات الارهابية غالبا ما تفصح عن مشاريعها واجنداتها ومخططاتها التي لا تستثني في معظم الاحيان حتى من يتعاطفون معها ويساندونها ويدعمونها.
ولعل القراءات والتحليلات الدقيقة والموضوعية لمسيرة التحالفات والارتباطات بينها وبين اطراف عربية واقليمية ودولية خلال العقود الثلاثة الاخيرة الماضية وكيفية انقلاب تلك التحالفات والارتباطات وتحولها الى عداوات خطيرة للغاية يكفي للتدليل على طبيعة وحقيقة تلك الجماعات.
ومن هنا فإنه لوحظ ان زيادة التنسيق والتعاون في المجالات الامنية ترك آثاراً واضحة وملموسة. لعل من بينها انخفاض أعداد الارهابيين الانتحاريين وانحسار ظاهرة العمليات الارهابية بالسيارات المفخخة والاحزمة الناسفة الى حد كبير، وكذا الحال مع جرائم الاختطاف والقتل على الهوية وعمليات التهجير والنزوح القسري انطلاقا من دوافع ونزعات طائفية ضيقة.
كل ذلك ساهم في رسم صورة الواقع الامني الراهن الذي هو في الحقيقة تعبير عن ـ او انعكاس لصورة ـ الواقع السياسي العام في البلاد.
الانتقاد/ العدد1273 ـ 17 حزيران/ يونيو 2008
اشارت تقارير صدرت مؤخرا عن جهات رسمية عراقية الى ان العنف والارهاب وصل خلال الاسابيع القلائل الماضية الى ادنى مستوياته منذ اربعة اعوام، وتذهب تقارير اخرى الى ان العمليات الارهابية في العراق بمختلف اشكالها وصورها انخفضت بنسبة 95% عما كانت عليه في صيف عام 2006 حيث كانت عمليات الشد الطائفي في ذلك الحين قد بلغت اعلى مستوياتها على خلفية تفجير مرقد الامامين العسكريين في مدينة سامراء في الثالث والعشرين من شهر شباط 2006.
ولا شك ان مثل تلك الارقام والمعطيات الواردة في اكثر من تقرير، والتي بات من اليسير جدا على المواطن في العراق تلمسها واستشعارها لم تأت من فراغ، وانما ساهمت عوامل عديدة في ايجادها مثلما ساهمت ذات العوامل في ايجاد الارقام والمعطيات عن تنامي العنف والارهاب في فترة زمنية سابقة.
واذا كانت العمليات العسكرية التي نفذتها قوات الجيش والشرطة العراقية وبمساعدة القوات المتعددة الجنسيات في محافظتي البصرة والموصل ومناطق من العاصمة بغداد خلال الفترة الممتدة بين الخامس والعشرين من شهر اذار/مارس الماضي، وبدايات شهر حزيران/يونيو الجاري، قد ادت الى حصول تحسن كبير وملموس في الاوضاع الامنية في مختلف انحاء البلاد، فانه في واقع الامر كانت تلك العمليات بمثابة الصفعة او الضربة الحاسمة والقاضية للجماعات المسلحة التي توصف بأنها خارجة عن القانون، أيا كانت تسميتها ومسمياتها والاجندات التي تعمل وفقها.
مؤشرات التحسن في الاوضاع الامنية اخذت تلوح في الافق مع انطلاق خطة فرض القانون في العاصمة بغداد منتصف شهر شباط من العام الماضي، والتي ترافقت معها خطط امنية مماثلة في اكثر من محافظة عراقية من بينها الانبار والبصرة وكربلاء والديوانية وغيرها.
ومع انه كان هناك مقدار من التعثر والتلكؤ والارتباك الا ان مقدار الانجازات والمكاسب المتحققة كان في الاطار العام اكبر من الاخفاقات ونقاط الفشل ومشاعر الاحباط.
ولا شك ان التجاذبات والتقاطعات السياسية بين القوى والكيانات السياسية المختلفة حول قضايا عديدة تحظى بدرجة كبيرة من الاهمية والحساسية والخطورة، ومواقف واجندات اطراف عربية واقليمية من الواقع العراقي، وطبيعة التحولات السياسية الحاصلة فيه، وعدم اكتمال البناء المؤسساتي لاجهزة الجيش والشرطة من حيث العدد والعدة والخبرة والتجربة، الى جانب الفساد الاداري والمالي المستشري في جسد الدولة العراقية بكل مفاصلها، كل ذلك كان وراء الاخفاقات ونقاط الفشل ومشاعر الاحباط، ولم يكن ممكنا بأي حال من الاحوال بالنسبة للحكومة العراقية والقوى السياسية التي يهمها نجاح العملية السياسية معالجة الاخطاء والسلبيات والتقدم الى الامام على كل المسارات، لم يكن ممكنا ـ ولا مقبولا ـ التعاطي بلا مبالاة او بقليل من الاهتمام مع القضايا المشار اليها آنفا. انطلاقا من حقيقة ان معالجة وحل اية ازمة لا يمكن ان يتحقق من دون تشخيص اسبابها وعواملها وعناصرها وظروفها والعمل على تفكيكها وتحديد الحل والمخرج لها على مراحل، ولكل واحدة بمعزل عن الاخرى، او بحزمة واحدة.
وبالفعل فإن النجاحات المتحققة على الصعيد الامني ارتبطت بحراك سياسي ايجابي شهدته الساحة السياسية العراقية، تمثل بانخفاض حدة التطرف، وحلحلة عدد من العقد المستعصية، واظهار قدر اكبر من المرونة، والتعامل مع الحكومة بطريقة اخرى اكثر واقعية وموضوعية بعيدا عن لغة التحريف والتشهير والمزايدات السياسية غير المجدية، والابتعاد والنأي عن الجماعات والتنظيمات التي تتبنى نهجا ارهابيا دمويا او تسعى من خلال ممارستها وسلوكها الى اغراق العراق في بحر من الدماء، الى جانب ذلك بروز تيار شعبي جماهيري مؤثر وفاعل تمثل بمجالس الصحوات وقف بوجه الجماعات الارهابية المسلحة ونجح بتحقيق انتصارات ومكاسب ميدانية مهمة في محافظات ومناطق باتت في وقت من الاوقات مغلقة بصورة شبه كاملة -او كاملة-لتنظيم القاعدة والجماعات التي تدور في فلكه وتحمل ذات الافكار والمناهج وتمتلك نفس الارتباطات والتحالفات.
وكذلك فإن التعاطي السياسي العراقي والاتجاه للانفتاح على المحيطين العربي والاقليمي اثمر عن نتائج ايجابية طيبة انعكست من خلال تبدل مواقف اطراف عديدة من الوضع العراقي على صعيد الخطاب والممارسة، وافضت الى توسيع مساحات وافاق الحوار والتواصل عبر المؤتمرات والملتقيات والاجتماعات في داخل العراق وخارجه، والتي كان للحكومة العراقية دور كبير وفاعل ومؤثر في تنظيمها وتوجيه مساراتها، ومن خلال وقف - او التقليل من -الحملات الدعائية ضد العراق عبر المنابر الاعلامية والدينية والسياسية والثقافية المختلفة في عواصم عربية عديدة، وتجفيف مصادر تمويل الجماعات الارهابية المسلحة التي كانت تتم تحت غطاء تجاري او انساني ومن قبل جهات لها ارتباطاتها وعلاقاتها الوطيدة مع مؤسسات حكومية عليا، ولها ادوارها المهمة ربما في صناعة القرار وتوجيه السياسات في هذه العاصمة او تلك.
والاهم من ذلك كله فإن الاطراف العربية التي تبنت اجندات ارهابية تخريبية لإعادة الامور في العراق الى الوراء استشعرت التبعات والاثار الخطيرة لما تقوم به على امنها الوطني ومصالحها، ولا سيما ان الجماعات الارهابية غالبا ما تفصح عن مشاريعها واجنداتها ومخططاتها التي لا تستثني في معظم الاحيان حتى من يتعاطفون معها ويساندونها ويدعمونها.
ولعل القراءات والتحليلات الدقيقة والموضوعية لمسيرة التحالفات والارتباطات بينها وبين اطراف عربية واقليمية ودولية خلال العقود الثلاثة الاخيرة الماضية وكيفية انقلاب تلك التحالفات والارتباطات وتحولها الى عداوات خطيرة للغاية يكفي للتدليل على طبيعة وحقيقة تلك الجماعات.
ومن هنا فإنه لوحظ ان زيادة التنسيق والتعاون في المجالات الامنية ترك آثاراً واضحة وملموسة. لعل من بينها انخفاض أعداد الارهابيين الانتحاريين وانحسار ظاهرة العمليات الارهابية بالسيارات المفخخة والاحزمة الناسفة الى حد كبير، وكذا الحال مع جرائم الاختطاف والقتل على الهوية وعمليات التهجير والنزوح القسري انطلاقا من دوافع ونزعات طائفية ضيقة.
كل ذلك ساهم في رسم صورة الواقع الامني الراهن الذي هو في الحقيقة تعبير عن ـ او انعكاس لصورة ـ الواقع السياسي العام في البلاد.
الانتقاد/ العدد1273 ـ 17 حزيران/ يونيو 2008