ارشيف من :أخبار لبنانية
استحضار اتفاق 17 أيار جديد على هضاب مزارع شبعا المحتلة

كتب محمد الحسيني
هل هناك مشروع تدويل جديد أم أنها خطوة مقرّرة في إطار المشروع الأميركي لتدويل الملف اللبناني؟
هذا السؤال مطروح بقوة في هذه المرحلة في ظل بروز قضية مزارع شبعا المحتلة على السطح، وفي موازاة تعقيدات الأزمة اللبنانية منذ ما قبل اتفاق الدوحة وصولاً إلى مماحكات تشكيل الحكومة العتيدة، وكأن المقصود الاستفادة من الانشغال السياسي بالملف الداخلي لإمرار هذه الخطوة ودائماً تحت مظلة الأمم المتحدة، مع اقتناص فرصة وجود فؤاد السنيورة على رأس حكومة تصريف أعمال لتشريع الخطوات التنفيذية ممهورة بتوقيع لبناني، في وقت كان لافتاً الزيارات "الاستطلاعية" لسفراء الدول الراعية لإسرائيل إلى منطقة مزارع شبعا لدراسة الواقع الميداني، في محاكاة لزيارات مماثلة جرت قبل قيام العدو بتنفيذ عدوان تموز 2006.
لم يتردّد رئيس الحكومة المكلف فؤاد السنيورة في التوقيع على طلب التجديد لقوات الطوارئ الدولية (اليونيفيل) العاملة في جنوب لبنان في 5 حزيران، وقبل عشرة أيام من انتهاء مهمة قوات اليونيفيل، مع أن هذا التعديل يستلزم قراراً من مجلس الامن وبعد موافقة من سلطة لبنانية مخولة دستورياً باتخاذ موقف ملزم للبنان، ولكن لبنان اليوم لا يملك مثل هذه السلطة في ظل حكومة تصريف الاعمال. وقد أثار إدراج تعديلات على هذا الطلب علامات استفهام كبيرة حول الخلفيات الكامنة وراءها، وخصوصاً أنها تمنح العدو الإسرائيلي شرعية دولية للاستمرار في ارتكاب اعتداءاته على السيادة اللبنانية وخرقه للقرار الدولي رقم 1701 تحت عنوان "تأمين البيئة المستقرة والآمنة في جنوب لبنان".
وقد أكد قائد قوات الطوارئ الدولية الجنرال كلاوديو غراتسيانو في تصريح صحافي اثر اجتماعه برئيس مجلس النواب نبيه بري أن "قضية مزارع شبعا موضع بحث في الأمم المتحدة، وهي ليست الآن تحت انتداب اليونيفيل"، وقال إن "القوات الدولية تعمل جيدا مع الجيش اللبناني على تنفيذ القرار الدولي 1701".
إلا أن هذا الموقف لم يأتِ بأجوبة صريحة وشافية على الكثير من الأسئلة وعلامات الاستفهام حول ما يتم رسمه بين السراي الحكومي وأروقة الأمم المتحدة، مروراً - وبالطبع - بالسفارة الأميركية في عوكر. وهو ما لا يتطابق مع الموقف الحاسم الذي أعلنه رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان أثناء استقباله وزير الخارجية البريطاني ديفيد ميليباند، بأن لبنان سيقدم وثائق جديدة للأمم المتحدة تثبت أن مزارع شبعا المحتلة لبنانية، مؤكداً "حق لبنان في استعادة سيادته على مزارع شبعا وتلال كفرشوبا". وقد طلب الوزير البريطاني إرسال نسخة عن الوثائق الجديدة إلى حكومة بلاده للافادة منها في اتصالاتها الدولية في هذا الشأن.
وكان الرئيس سليمان قد أبلغ الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي بأمر هذه الوثائق لدى زيارته القصيرة إلى بيروت، وشكّل موضوع الانسحاب الإسرائيلي من مزارع شبعا مدار بحث في المحادثات بين ساركوزي وسليمان الذي اعتبر ان الانسحاب الإسرائيلي يمهّد لاتفاق بين اللبنانيين على استراتيجية دفاعية ومعالجة مسألة السلاح، كما أثار ساركوزي القضية نفسها مع السنيورة.
ولا بد في هذا الإطار من استحضار محاولات سابقة لإقحام المنظمة الدولية في تدويل القضايا اللبنانية، وأبرزها ما ورد في التقرير الذي قدمه ناظر القرار 1559 تيري رود لارسن، أمام جلسة مناقشة البيان الرئاسي في مجلس الأمن في 11 حزيران 2007، حيث كشف أن معظم معلوماته مستقاة من تقارير مرسلة من مكتب فؤاد السنيورة الذي أبلغه في اتصال هاتفي "تفاصيل عن الخرق المستمر للقرار 1559"، وأن مكتب الأخير زوّد الأمم المتحدة بتقارير مفصلة تضم معلومات جمعها الجيش اللبناني عن عمليات نقل أسلحة وذخائر إلى لبنان عبر الحدود السورية محمّلة في سيارات رباعية الدفع يحمل بعضها إشارة إسعاف، فضلاً عن دبابات ومنصات إطلاق صواريخ..". كما أشار إلى "معلومات تلقّاها الأمين العام من دول أخرى (إسرائيل) حول نقل أسلحة إلى لبنان تصنع خارج المنطقة وتصل عبر طرف ثالث عبر الحدود السورية اللبنانية بوتيرة متتالية". كما أعلن لارسن أن "الوثائق التى يملكها لبنان بالنسبة لمزارع شبعا لا تلزم الامم المتحدة التى تعتبر شبعا أراضي سورية لان اتفاقية الحدود لا تقوم بها الامم المتحدة، بل الدول المعنية".
ويجدر التذكير أن التأكيد السوري للبنانية مزارع شبعا تمثل بكتاب موجه الى الامم المتحدة في 25 تشرين الاول 2000 جاء فيه: "يود الوفد الدائم للجمهورية العربية السورية لدى الامم المتحدة ايضاح ما يلي: ان الذي يهدد الامن والسلم في المنطقة هو استمرار تجاهل اسرائيل قرارات الشرعية الدولية وبخاصة قراري مجلس الامن 242 و338 وعدم استكمال انسحابها من الجنوب اللبناني الى الحدود المعترف بها دوليا، بما في ذلك مزارع شبعا، واستمرار احتلالها للاراضي العربية بالقوة منذ حزيران 1967...".
ويوضح القائد السابق للفريق اللبناني لترسيم الحدود العميد المتقاعد أمين حطيط، أن "العبارة المستخدمة في التعديلات الطارئة على القرار مقتطعة من اتفاق 17 أيار، ويشرح مخاطر هذا التعديل بالعناصر التالية:
الاول: "خلق بيئة أمنية مستقرة" في الجنوب، أي بمعنى آخر عدم حصول غارات جوية وبرية وبحرية وإطلاق نار عبر الحدود، وضمان خلو منطقة جنوبي الليطاني من أي سلاح إلا سلاح الجيش واليونيفيل.
الثاني: يتمثل في إنشاء فريق عمل ثلاثي الاطراف لبناني - اسرائيلي - دولي للمراقبة والسهر والتحقق من "استقرار البيئة الامنية" في الجنوب، وفقاً لما جاء في تفسير البيئة الامنية المستقرة التي تضمنها تقرير الامين العام المبني على موافقة الحكومة اللبنانية.
الثالث: يتجسد بفتح مكتب اتصال للامم المتحدة في "اسرائيل" لتأمين حسن الاتصال والمتابعة مع السلطات الاسرائيلية لحسن تنفيذ مهام القوى، التي حدد التمديد الجديد عملها بـ"الانجاز".
الرابع: وهو الأخطر فيتعلق بمزارع شبعا، اذ ان في طلب السنيورة تنازلا او تشكيكا بهوية المزارع وتخلّيا عن كل ما تم بشأنها منذ العام 2000، بعد أن تم إثبات الهوية اللبنانية، وما كان من الامم المتحدة حتى تبقي المزارع باليد الاسرائيلية لتتخذ مدخلاً لمفاوضات مستقبلية تريدها اميركا بين لبنان وإسرائيل، إلا أن تذرعت بالصلاحية العملانية للقوى العاملة في المزارع وادّعت انها لقوات "الاندوف" العاملة في هضبة الجولان المحتلة وليس لليونيفيل.
ومن جانب آخر تنبع خطورة هذا المشروع من احتمال التمهيد لتحويل مزارع شبعا إلى منطقة دولية، فضلاً عن التحوير الذي حصل في ترسيم حدودها من قبل خبير الخرائط الدولي التابع للأمم المتحدة دون أن تبادر الحكومة اللبنانية أو الدوائر الرسمية إلى التحرك لتصحيح الأمر، حيث اقتطع هذا الخبير نحو ثلث مساحة المزارع وضمّه إلى الجولان السوري المحتل، وتماثل هذه الخطوة ما كان مطروحاً في مشروع تحويل هضبة الجولان إلى منطقة بنفسجية منزوعة السلاح تخضع لرقابة وسيطرة قوات الأمم المتحدة، كمنطقة فاصلة بين سوريا وفلسطين المحتلة، ما يخالف بشكل صريح القرارين الدوليين رقم 242 و338 ذات الصلة.
محمد الحسيني
الانتقاد/ العدد1273 ـ 17 حزيران/ يونيو 2008
هل هناك مشروع تدويل جديد أم أنها خطوة مقرّرة في إطار المشروع الأميركي لتدويل الملف اللبناني؟
هذا السؤال مطروح بقوة في هذه المرحلة في ظل بروز قضية مزارع شبعا المحتلة على السطح، وفي موازاة تعقيدات الأزمة اللبنانية منذ ما قبل اتفاق الدوحة وصولاً إلى مماحكات تشكيل الحكومة العتيدة، وكأن المقصود الاستفادة من الانشغال السياسي بالملف الداخلي لإمرار هذه الخطوة ودائماً تحت مظلة الأمم المتحدة، مع اقتناص فرصة وجود فؤاد السنيورة على رأس حكومة تصريف أعمال لتشريع الخطوات التنفيذية ممهورة بتوقيع لبناني، في وقت كان لافتاً الزيارات "الاستطلاعية" لسفراء الدول الراعية لإسرائيل إلى منطقة مزارع شبعا لدراسة الواقع الميداني، في محاكاة لزيارات مماثلة جرت قبل قيام العدو بتنفيذ عدوان تموز 2006.
لم يتردّد رئيس الحكومة المكلف فؤاد السنيورة في التوقيع على طلب التجديد لقوات الطوارئ الدولية (اليونيفيل) العاملة في جنوب لبنان في 5 حزيران، وقبل عشرة أيام من انتهاء مهمة قوات اليونيفيل، مع أن هذا التعديل يستلزم قراراً من مجلس الامن وبعد موافقة من سلطة لبنانية مخولة دستورياً باتخاذ موقف ملزم للبنان، ولكن لبنان اليوم لا يملك مثل هذه السلطة في ظل حكومة تصريف الاعمال. وقد أثار إدراج تعديلات على هذا الطلب علامات استفهام كبيرة حول الخلفيات الكامنة وراءها، وخصوصاً أنها تمنح العدو الإسرائيلي شرعية دولية للاستمرار في ارتكاب اعتداءاته على السيادة اللبنانية وخرقه للقرار الدولي رقم 1701 تحت عنوان "تأمين البيئة المستقرة والآمنة في جنوب لبنان".

إلا أن هذا الموقف لم يأتِ بأجوبة صريحة وشافية على الكثير من الأسئلة وعلامات الاستفهام حول ما يتم رسمه بين السراي الحكومي وأروقة الأمم المتحدة، مروراً - وبالطبع - بالسفارة الأميركية في عوكر. وهو ما لا يتطابق مع الموقف الحاسم الذي أعلنه رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان أثناء استقباله وزير الخارجية البريطاني ديفيد ميليباند، بأن لبنان سيقدم وثائق جديدة للأمم المتحدة تثبت أن مزارع شبعا المحتلة لبنانية، مؤكداً "حق لبنان في استعادة سيادته على مزارع شبعا وتلال كفرشوبا". وقد طلب الوزير البريطاني إرسال نسخة عن الوثائق الجديدة إلى حكومة بلاده للافادة منها في اتصالاتها الدولية في هذا الشأن.
وكان الرئيس سليمان قد أبلغ الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي بأمر هذه الوثائق لدى زيارته القصيرة إلى بيروت، وشكّل موضوع الانسحاب الإسرائيلي من مزارع شبعا مدار بحث في المحادثات بين ساركوزي وسليمان الذي اعتبر ان الانسحاب الإسرائيلي يمهّد لاتفاق بين اللبنانيين على استراتيجية دفاعية ومعالجة مسألة السلاح، كما أثار ساركوزي القضية نفسها مع السنيورة.
ولا بد في هذا الإطار من استحضار محاولات سابقة لإقحام المنظمة الدولية في تدويل القضايا اللبنانية، وأبرزها ما ورد في التقرير الذي قدمه ناظر القرار 1559 تيري رود لارسن، أمام جلسة مناقشة البيان الرئاسي في مجلس الأمن في 11 حزيران 2007، حيث كشف أن معظم معلوماته مستقاة من تقارير مرسلة من مكتب فؤاد السنيورة الذي أبلغه في اتصال هاتفي "تفاصيل عن الخرق المستمر للقرار 1559"، وأن مكتب الأخير زوّد الأمم المتحدة بتقارير مفصلة تضم معلومات جمعها الجيش اللبناني عن عمليات نقل أسلحة وذخائر إلى لبنان عبر الحدود السورية محمّلة في سيارات رباعية الدفع يحمل بعضها إشارة إسعاف، فضلاً عن دبابات ومنصات إطلاق صواريخ..". كما أشار إلى "معلومات تلقّاها الأمين العام من دول أخرى (إسرائيل) حول نقل أسلحة إلى لبنان تصنع خارج المنطقة وتصل عبر طرف ثالث عبر الحدود السورية اللبنانية بوتيرة متتالية". كما أعلن لارسن أن "الوثائق التى يملكها لبنان بالنسبة لمزارع شبعا لا تلزم الامم المتحدة التى تعتبر شبعا أراضي سورية لان اتفاقية الحدود لا تقوم بها الامم المتحدة، بل الدول المعنية".
ويجدر التذكير أن التأكيد السوري للبنانية مزارع شبعا تمثل بكتاب موجه الى الامم المتحدة في 25 تشرين الاول 2000 جاء فيه: "يود الوفد الدائم للجمهورية العربية السورية لدى الامم المتحدة ايضاح ما يلي: ان الذي يهدد الامن والسلم في المنطقة هو استمرار تجاهل اسرائيل قرارات الشرعية الدولية وبخاصة قراري مجلس الامن 242 و338 وعدم استكمال انسحابها من الجنوب اللبناني الى الحدود المعترف بها دوليا، بما في ذلك مزارع شبعا، واستمرار احتلالها للاراضي العربية بالقوة منذ حزيران 1967...".
ويوضح القائد السابق للفريق اللبناني لترسيم الحدود العميد المتقاعد أمين حطيط، أن "العبارة المستخدمة في التعديلات الطارئة على القرار مقتطعة من اتفاق 17 أيار، ويشرح مخاطر هذا التعديل بالعناصر التالية:
الاول: "خلق بيئة أمنية مستقرة" في الجنوب، أي بمعنى آخر عدم حصول غارات جوية وبرية وبحرية وإطلاق نار عبر الحدود، وضمان خلو منطقة جنوبي الليطاني من أي سلاح إلا سلاح الجيش واليونيفيل.
الثاني: يتمثل في إنشاء فريق عمل ثلاثي الاطراف لبناني - اسرائيلي - دولي للمراقبة والسهر والتحقق من "استقرار البيئة الامنية" في الجنوب، وفقاً لما جاء في تفسير البيئة الامنية المستقرة التي تضمنها تقرير الامين العام المبني على موافقة الحكومة اللبنانية.
الثالث: يتجسد بفتح مكتب اتصال للامم المتحدة في "اسرائيل" لتأمين حسن الاتصال والمتابعة مع السلطات الاسرائيلية لحسن تنفيذ مهام القوى، التي حدد التمديد الجديد عملها بـ"الانجاز".
الرابع: وهو الأخطر فيتعلق بمزارع شبعا، اذ ان في طلب السنيورة تنازلا او تشكيكا بهوية المزارع وتخلّيا عن كل ما تم بشأنها منذ العام 2000، بعد أن تم إثبات الهوية اللبنانية، وما كان من الامم المتحدة حتى تبقي المزارع باليد الاسرائيلية لتتخذ مدخلاً لمفاوضات مستقبلية تريدها اميركا بين لبنان وإسرائيل، إلا أن تذرعت بالصلاحية العملانية للقوى العاملة في المزارع وادّعت انها لقوات "الاندوف" العاملة في هضبة الجولان المحتلة وليس لليونيفيل.
ومن جانب آخر تنبع خطورة هذا المشروع من احتمال التمهيد لتحويل مزارع شبعا إلى منطقة دولية، فضلاً عن التحوير الذي حصل في ترسيم حدودها من قبل خبير الخرائط الدولي التابع للأمم المتحدة دون أن تبادر الحكومة اللبنانية أو الدوائر الرسمية إلى التحرك لتصحيح الأمر، حيث اقتطع هذا الخبير نحو ثلث مساحة المزارع وضمّه إلى الجولان السوري المحتل، وتماثل هذه الخطوة ما كان مطروحاً في مشروع تحويل هضبة الجولان إلى منطقة بنفسجية منزوعة السلاح تخضع لرقابة وسيطرة قوات الأمم المتحدة، كمنطقة فاصلة بين سوريا وفلسطين المحتلة، ما يخالف بشكل صريح القرارين الدوليين رقم 242 و338 ذات الصلة.
محمد الحسيني
الانتقاد/ العدد1273 ـ 17 حزيران/ يونيو 2008