ارشيف من :أخبار لبنانية

قمة دمشق: عودة الروح والعلاقة الرسمية بين بيروت ودمشق وجه آخر من وجوه هزيمة الفريق الشباطي

قمة دمشق: عودة الروح والعلاقة الرسمية بين بيروت ودمشق وجه آخر من وجوه هزيمة الفريق الشباطي
كتب إبراهيم صالح
تنطوي زيارة الرئيس العماد ميشال سليمان الرسمية إلى دمشق على جملة دلالات وأبعاد تتصل بتفاصيل الشأن الداخلي اللبناني.
فمنذ ثلاثة أعوام ونيّف دأب الفريق الشباطي على العمل بكل ما أوتي من قوة وإمكانيات لفك كل عرى العلاقة التاريخية بين لبنان وسوريا من خلال الآتي:
1 - تحميل دمشق، كل الجرائم والأحداث الأمنية وعمليات الاغتيال التي حصلت بشكل متتال، بدءاً من جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري.
2 - اعادة الاعتبار لمقولة أطماع سوريا بلبنان وما يتداعى عن هذه المقولة من متفرعات يأتي في مقدمها مسألة أن دمشق لا تقر باستقلال هذا البلد.
3 - التركيز على مقولة إن سوريا ومعها إيران تسعى لجعل لبنان حقلاً وميداناً لتصفية الحسابات مع الآخرين"، واستطراداً اعتبار القوى والتيارات والشخصيات المعارضة التي أبقت على جسور علاقة مع القيادة السورية "مجرد عملاء يأتمرون يأمر عمليات سوري".
والواضح في الأمر أن المجموعة الشباطية نفذت طوال الأعوام الثلاثة الماضية مجموعة عمليات غسل دماغ لجمهورها، وحرف الوقائع وتزوير الحقائق بالنسبة للآخرين.
وكانت الغاية الكبرى هي:
ـ تجريد لبنان من هويته المقاومة، وقطع كل روابط العلاقة بينه وبين تاريخه المقاوم والعروبي، وبالتالي العمل على ربطه بمحور آخر هو المحور الاميركي ـ الإسرائيلي، ومع ما يستلزم ذلك التحول من تبنّ وتوجهات جديدة وتخلّ عن التزامات معروفة.
ـ تشديد القبضة على السلطة والحكم في لبنان وتأييدها والحيلولة دون مشاركة القوى الأخرى الفاعلة في الاجتماع اللبناني، من خلال ترداد الزعم السخيف بأن مشاركة هذه القوى تعني السماح لدمشق بالمشاركة في القرار اللبناني الرسمي.
وعلى هذا الأساس المتهاوي والمتداعي مارست هذه المجموعة الشباطية عمليات رفض وممانعة لفكرة حكومة الوحدة الوطنية، وأدخلت البلاد في لجة الأزمة وبحر المأزق الذي لم ينته كما هو معلوم إلا بعد عملية موضعية محدودة في أيار الماضي وضعت الحجر الأساس لتصويب الأمور وتصحيح الأوضاع.
وفي سبيل ذلك شنت المجموعة الشباطية الحاقدة حرباً مجانية ضد سوريا وضد اعادة العلاقة الطبيعية معها"، وأحبطت كل الجهود التي بذلت لتخفيف حال العداء مع دمشق، خصوصاً بعدما استدرجت حكومة فؤاد السنيورة اللاشرعية السابقة كل أسباب الدعم الغربي لتسميك جدار  العداء مع سوريا، سواء عبر الترويج لمقولة ضرورة المراقبة الدولية للحدود بين لبنان وسوريا، واستدعاء كل المعادين للقيادة السورية الى بيروت، وجعل العاصمة اللبنانية منصة انطلاق اعلامية وسياسية لهؤلاء، أو عبر الخطاب السياسي العالي اللهجة في عدائية دمشق ورئيسها، خصوصاً في ساحات وسط العاصمة، إضافة بطبيعة الحال إلى ربط مزعوم قامت به هذه المجموعة الشباطية بين سوريا وبندقية المقاومة، واعتبار الأخيرة امتدادا للنظام السوري، في محاولة لتشويه الدور التاريخي لهذه البندقية في تحرير الأرض وفي حماية الوطن من العدوان الاسرائيلي.
وعليه لم يكن غريباً، أن تشعر هذه المجموعة الشباطية بالإحراج والاستياء المضمر من اللحظة الأولى التي عزم فيها الرئيس سليمان على فتح صفحة جديدة في العلاقة مع دمشق تعيد هذه العلاقة إلى جادة الصواب والمناخ الطبيعي السليم، خصوصاً بعد اللقاء الأول الذي عقده مع الرئيس بشار الأسد في باريس، ولم يعد مفاجئاً التحليل الذي سرى في الأوساط السياسية في الآونة الأخيرة، وفحواه أن كل المماحكات والعراقيل التي تسلمت بها المجموعة الشباطية وفي فترة ما بعد مؤتمر الدوحة، والذي أطال عمر ولادة الحكومة وجعلها تخرج إلى النور بعد عملية قيصرية، ثم السجالات التي جرت إبان الأسابيع الثلاثة لوضع البيان الوزاري، وأخيراً وليس آخراً هذا الصراخ العالي في جلسات منح الثقة للحكومة، وافتعال أوهام  وأكاذيب وتسميم الجو الداخلي، يندرج في سياق واحد، هو العمل أولاً على تأخير زيارة الرئيس سليمان إلى دمشق ثم العمل على التأثير سلباً على نتائجها، وبالتالي إرسال رسالة مشفرة إلى الرئيس سليمان نفسه تبلغه الحدود التي عليه الالتزام بها حاضراً ومستقبلاً، وهو يشرع عملياً في إعادة تصحيح العلاقة مع سوريا. ومع أن كل المعطيات والمؤشرات تدل بما لا يدع مجالاً للشك بأن الرئيس سليمان مصرّ على السير في طريق اعادة تنزيه العلاقة مع دمشق عن كل ما ألحقته بها المجموعة الشباطية في السابق، وأن دمشق في المقابل عازمة على  تقديم كل ما من شأنه أن يبدد مقولات الفريق الشباطي وخصوصاً لجهة اقامة علاقة ديبلوماسية واعادة النظر بالاتفاقات المعقودة بين البلدين، اضافة إلى حل قضية المفقودين، فإن الفريق الشباطي سيبقى يعاني ضمناً من آثار نجاح هذه الزيارة، وسيبقى بعض رموزه الموتورين والحاقدين يبحثون في الزوايا المعتمة عن كل ما من شأنه التقليل من أهمية الزيارة ونتائجها الايجابية، وذلك لسبب أساسي وجوهري وهو أن في الفريق الشباطي فريقين، الأول عاش منذ نشوئه في خضم الحرب الأهلية اللبنانية وقبلها على مقولة الاطماع السورية في الكيان اللبناني، وان مبرر وجوده وارتكابه الجرائم والمجازر وايقاده نار الحرب الأهلية واحباط كل التسويات وصيغ الحل هو في سبيل الدفاع المزعوم عن الكيان اللبناني.
أما الفريق الثاني فهو أدخل في صلب خطابه السياسي فكرة مزعومة فحواها أن سوريا هي المسؤولة الوحيدة عن كل الاضطرابات والأحداث الأمنية، وكأن ليس بين اللبنانيين تناقضات وخلافات وقضايا خلافية أخرى تستوجب ايجاد تسوية معينة، وهي الطريقة عينها التي اتبعها حراس الصيغة اللبنانية القديمة لكي يبرروا حضورهم.
وفي الإجمال لم يعد خافياً أن اعادة ارساء العلاقة اللبنانية ـ السورية على أسس جديدة، وانتفاء حال القطيعة مع دمشق، تشكل بحد ذاتها عاملاً من عوامل انهيار "منظومة" الأقاويل السياسية والترهات الاعلامية التي سوّقها "فريق الموالاة" طوال الفترة الماضية، واستند اليها في سبيل ادامة إمساكه اللاشرعي بالسلطة والنيل من المقاومة وسلاحها، وهذا الانهيار بدأ كما هو معلوم عملياً بعد اتفاق الدوحة، وتكرس بانتخاب العماد سليمان ثم بحكومة الوحدة الوطنية ولاحقاً بقانون الانتخاب، وستكون الذروة في الانتخابات النيابية المقررة في الربيع المقبل.
وباختصار ان عودة الروح إلى العلاقة الرسمية مع دمشق جزء أساسي من هزيمة مشروع "الشباطيين".
الانتقاد/ العدد 1290 ـ 14 آب/ أغسطس 2008
2008-08-14