ارشيف من :آراء وتحليلات

الحشد الشعبي في مرمى الأجندات الاميركية

الحشد الشعبي في مرمى الأجندات الاميركية

يمكن للمتابع لتفاعلات المشهد العراقي العام - لاسيما في شقه الامني - وطبيعة ردود الأفعال والمواقف العربية والإقليمية والدولية حيال معطيات تلك التفاعلات، أن يرصد بسهولة حقيقة ان هناك تناسبا طرديا بين حجم الاستهداف الاميركي لقوات الحشد الشعبي، ومستوى الانتصارات التي تحققها في الميدان على عصابات تنظيم داعش الإرهابية.


وعند التدقيق والتعمق قليلا يمكن اكتشاف حقيقة أخرى ترتبط بالحقيقة الأولى، تتلخَّص بوجود مخطط وُضع بعناية فائقة من قبل مراكز صنع القرار ومحافل الفكر لتسخيف عمل الحشد الشعبي، أما مرحلة التنفيذ لهذا المخطط فتقع على عاتق أطراف عديدة، من بينها، كبار الساسة والعسكريين الاميركيين، والمحللين والكتاب واصحاب الرأي، وكبريات الصحف والقنوات الفضائية الغربية، الى جانب اوساط ومحافل سياسية ووسائل اعلام عربية واقليمية، إضافة إلى منظمات دولية ظاهرها معنيٌّ بحقوق الانسان إلا أنَّها وجدت واقعاً لتنفيذ اجندات سياسية معينة.

منظمة "هيومان رايتس ووتش" الاميركية، واحدة من ابرز الجهات التي أقحمت نفسها - او أُقحمت - في حملة واشنطن التحريضية ضد الحشد الشعبي.

ففي آخر تقرير لها سعت بكل ما أوتيت من قوة الى تزييف قلب والحقائق، وتصوير الأمور بغير حقيقتها، والاستناد الى اقوال وادعاءات عدد قليل من الاشخاص، من غير الواضح، ما هي المعايير التي جعلت شهاداتهم موثوقة ومعتدّاً بها لدى خبراء وباحثي "هيومان رايتس ووتش".     

تحدثت المنظمة عن جرائم ارتكبتها قوات الحشد الشعبي بعد فك الحصار عن ناحية أمرلي اواخر شهر اب/اغسطس من العام الماضي، كتدمير وتخريب المباني وقتل بعض الناس وتهجير البعض الاخر، واعربت عن تخوفها من تكرار تلك الجرائم بعد تحرير صلاح الدين الذي بات وشيكا.

ولم تلتفت المنظمة الى اكثر من قضية، من بينها:

- ان شهادة ثلاثين شخصا عن تلك الأمور الكبيرة والخطيرة، قد لا تعكس الصورة الحقيقية لمجريات الأمور.

- هل تيقنت المنظمة ان هؤلاء الشهود موثوقون؟ أو هل تعرفت بصورة دقيقة إلى خلفياتهم وتوجهاتهم، أولا يمكن أن يكونوا من عناصر تنظيم "داعش"، او المتعاطفين معه؟.

- لم تكلف المنظمة - التي تدعي العمل بحياد وموضوعية - نفسها الذهاب الى جهات مسؤولة في الحكومة العراقية او إلى المرجعيات الدينية او الاجهزة الامنية او هيئة الحشد الشعبي للوقوف على حقيقة ما جمعته من ارقام ومعطيات قبل نشرها وترويجها.

- لم لا تفترض المنظمة، انه يمكن ان تحمل هذه التجاوزات والإساءات طابعا فردياً، خارج السياقات الصحيحة، وهو ما يتعارف عليه في مختلف الحروب والصراعات العسكرية المسلحة، في الوقت الذي عملت "هيومان رايتس ووتش" على اهمال كل ما اقترفه تنظيم "داعش" من جرائم فظيعة بحق كل مكونات الشعب العراقي على السواء، من قتل الشيعة، الى تدمير مدن السنة وتهجيرهم، الى استهداف الاكراد والتركمان والشبك، الى ترويع المسيحيين والايزيديين وطردهم من ديارهم وسبي نسائهم، وغير ذلك الكثير الكثير.

- كان ينبغي على المنظمة ان تشير الى وصايا وتوجيهات المرجعيات الدينية في النجف الاشرف الى مقاتلي الحشد الشعبي والقوات المسلحة العراقية، ذات الأبعاد والجوانب الانسانية والاخلاقية في كيفية التعاطي مع المواطنين المدنيين في المناطق التي تشهد مواجهات ومعارك مسلحة مع الجماعات الارهابية، ولا شك ان تلك الوصايا والتوجيهات مثلت ضوابط وقيود ومحددات لسلوك قوات الحشد الشعبي في اطارها العام، دون ان يعني ذلك عدم وقوع اية تجاوزات وإساءات فردية انفعالية هنا وهناك.

الحشد الشعبي في مرمى الأجندات الاميركية
الحشد الشعبي في العراق


واللافت ان تقارير "هيومان رايتس ووتش" جاءت متزامنة مع حملة بدت منظمة جدا، كما أشرنا آنفا، انعكست من خلال تصريحات قائد القوات الاميركية السابق في العراق الجنرال ديفيد بترايوس، التي ادعى فيها ان خطر الحشد الشعبي اكبر من خطر تنظيم داعش، هذا في الوقت الذي اشاد ببطولات قوات البيشمركة الكردية في محاربة داعش وهزيمته، علما ان القاصي والداني بات يعرف ويدرك انه لولا فتوى المرجعية الدينية وقوات الحشد الشعبي والدعم الايراني لكانت العاصمة بغداد ومدن عراقية أخرى تخضع لسطوة داعش الان.

وانعكست تقارير المنظمة مع تحذيرات أطلقها ساسة سعوديون كبار في مقدمتهم وزير الخارجية سعود الفيصل عن مخاطر وتبعات قيام قوات الحشد الشعبي بتحرير محافظة صلاح الدين السنية، وكأنه يريد القول لِتبقَ صلاح الدين في قبضة داعش أفضل من تحريرها على يد قوات الحشد الشعبي القادمين من البصرة وميسان وذي قار والنجف وكربلاء وبغداد والمدن الاخرى في وسط وجنوب البلاد.

 وجاءت تصريحات مستشار أمن اقليم كردستان مسرور البارزاني القائلة بأن خطر الحشد الشعبي اخطر من تنظيم داعش لتعزز حقيقة وجود الحملة المنظمة ضد الحشد، ومشاركة الاكراد فيها، وان بطريقة خجولة لاعتبارات وحسابات سياسية وامنية خاصة.                    

ولا شكَّ ان المواقف والتصريحات السياسية تحتاج الى تسويق اعلامي مبرمج وممنهج كمًّا ونوعاً حتى يكون الاثر والتأثير كبيرين، لذلك قامت وسائل اعلام مهمة وواسعة الانتشار بهذه المهمة، من بينها: (بي.بي.سي) البريطانية، و(سي.ان.ان) الاميركية، والجزيرة القطرية، وقناتا العربية والعربية حدث السعوديتان، إضافة إلى صحف واشنطن بوست ونيويورك تايمز الاميركيتين، والغارديان والاندبندنت البريطانيتين، والشرق الاوسط والحياة السعوديتين، وقنوات فضائية عراقية مثل الشرقية والتغيير وبغداد والبغدادية، ومعها عدد لا يستهان به من قنوات فضائية وصحف تدور في فلكها، ان لم تكن تتبع لها وان بصورة غير منظورة. وكذلك مراكز الابحاث والدراسات الاستراتيجية مثل معهد واشنطن، ومعهد دراسات الحرب والسلام، ومركز كارنيجي، ومعهد راند وغيرها التي تقدم خدماتها على طبق من ذهب لمراكز صنع القرار الاميركي المتمثلة بالبيت الابيض والبنتاغون والخارجية والمخابرات، مع ارتباطاتها الوثيقة بتل ابيب. ناهيك عن الفضاء الالكتروني بمواقعه المختلفة، لا سيما مواقع التواصل الاجتماعي، وابرزها فيس بوك وتويتر.     

وكل تلك الماكينة الاعلامية عملت ولمَّا تزل على تشويه الحقائق، عبر تصوير الحشد الشعبي بصورة مغايرة لحقيقته، لتصل بالمتلقي الى قناعة مفادها "ان عذابات داعش تبقى في كل الاحوال ارحم من جحيم الحشد الشعبي.. وان بقاء داعش على ارض العراق يعيث بها فسادا، افضل بكثير من طرده بواسطة الجيش العراقي والمقاومة وحلفائهما".

و"هيومان ر ايتس ووتش" لم تقل ذلك، ولن تقوله، بيد انها عبرت عنه بوضوح حينما اندفعت - او دُفعت - بهذا الاتجاه، وهذا ليس بالأمر الغريب، انما الغريب حينما نراها صادقة وموضوعية ومنصفة في نقل الحقائق وتوثيقها بعيدا عن حسابات وأجندات كواليس ودهاليز السياسات الاميركية والغربية.
2015-03-25