ارشيف من :آراء وتحليلات

ارباك عربي في مواجهة داعش

ارباك عربي في مواجهة داعش
في ظل تبدل المواقف السياسية نتيجة للمعطيات الاقليمة وما يحدث ميدانياً، جاءت تصريحات وزير الخارجية الأميركي جون كيري مفاجئة  لتحدث عدة ارباكات في صفوف حلفائها، فهو يمرر كيف ستكون إدارة اوباما الجديدة وقبولها التفاوض مع الرئيس السوري بشار الأسد من أجل انتقال سياسي وإنھاء الحرب.
 وهذا يدل على تبدل الموقف الامريكي السياسي إزاء الأزمة السورية عامة والرئيس الأسد خاصة، فمن "التنحي الفوري" للأسد الى" ترك السلطة  قبل بدء المرحلة الانتقالية"  ثم الى  "عدم قيادة المرحلة الانتقالية"   وأن "لا مستقبل للأسد، فكيف بها تقبل التفاوض معه؟!....


ارباك عربي في مواجهة داعش
ارباك وعجز في مواجهة داعش

هذا الكلام لكيري مهد له مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية "سي أي إي" جون برينان في القول أن" بلاده لا تريد انھيار الحكومة السورية والمؤسسات التابعة لھا، لأن ذلك يخلي الساحة للجماعات الإسلامية المتطرفة ولا سيما "داعش"...".
أما ذروة المفاجآت الأمريكية فجاءت في التقرير السنوي لوكالة الاستخبارات القومية الأميركية، والتي تسقط صفة الإرھاب عن إيران وحزب لله.
ھذا التقرير أثار ردود فعل في إسرائيل، وهو ناتج عن مزيج من المصالح الدبلوماسية، وموازين القوى على الارض.
المواقف الأميركية جاءت في وقت يشهد فيه الشرق الأوسط خلط أوراق  وفق المصالح الاقليمية والدولية، وهذا ما اغضب حلفاء اميركا وأبرزھم السعودية وبعض الأوروبيين، لأنھا مواقف ليست معزولة في المكان والزمان، ولم تكن "زلة لسان" وهي تكشف السياسة الأميركية على حقيقتھا.
   يقابل الارباك الأميركي تقدم إيران وحلفائها على كل الجبھات: ففي العراق حررت القوات النظامية مناطق كانت تسيطر عليها   "داعش"  .  وفي اليمن سيطر الحوثيون - المدعومون من طھران - على مناطق واسعة ما دفع المملكة الع7ربية السعودية الى شن عدوان على اليمن ، وفي سوريا استعاد النظام  المبادرة  ودخل  مناطق كانت تسيطر عليها التنظيمات الإرهابية، ووصل جنوبا الى مشارف جبھة ثانية مع إسرائيل في الجولان.
على المقلب الاسرائيلي، فإن فوز حزب الليكود برئاسة نتنياهو الذي خرج منتصرا من أصعب وأدق معركة انتخابية .
سرعة الاحداث المتواترة في الشرق الأوسط قابلها ما فاق ضربة شارلي ايبدو في باريس الى "متحف باردو"، عندما ضرب الإرھاب قلب تونس، وضرب بقوة في أوروبا وفي دول حوض المتوسط المواجھة لأوروبا والأقرب إليھا.
و ضحايا الضربة التونسية ھم أوروبيون من جنسيات متعددة، ألمانية وفرنسية وإيطالية وإسبانية وبولونية، بلغوا عشرين قتيلا و 40 جريحا...وهي ضربة موجعة للسياحة التونسية التي كانت تحاول استعادة عافيتھا بالتزامن مع انطلاق عملية الانتقال الديمقراطي السلمي والھادئ في البلد الذي انطلقت منه  شرارة الربيع العربي.
تعتبر جريمة باردو أخطر عمل إرھابي عرفته تونس منذ عقود، لأنھا استھدفت في الوقت نفسه رموز السيادة السياسية (البرلمان والدولة والقيادات الحزبية) والمصالح الاستراتيجية لتونس اقتصاديا وسياحيا للإيھام بأن الجماعات الإرھابية لم تعد ھاربة في الجبال، لكنھا نزلت إلى المدن وعادت إلى ضرب أھدافھا الأصلية.
تونس ھي المتضرر الثاني بعد مصر من الأزمة الجديدة في ليبيا، لأن سيطرة "الدولة الاسلامية" على مدن ومناطق في ليبيا المجاورة سيھز استقرار تونس ويجعلھا لقمة سائغة لخطر لم تتهيأ بعد لمجابھته على جميع الأصعدة . فتمدد "الدولة الاسلامية" إلى ليبيا المجاورة جعل خطر اختراق الحدود التونسية مسألة وقت، وما يُغذي ھذه الظاھرة ھو ارتفاع عدد المقاتلين التونسيين في سوريا والعراق، حسب تقديرات وزارة الداخلية التونسية إلى 3800عنصر.
ويمكن القول إن السيناريو الأسوأ بالنسبة الى التونسيين ھو تصاعد الصراع العنيف في ليبيا بين "الدولة الاسلامية" من جھة وكل من "الكرامة" و "فجر ليبيا" من جھة ثانية، ما سيحمل مئات الآلاف من المدنيين على الھجرة باتجاه تونس، ولا طاقة اليوم للدولة التونسية، التي أنھكتھا أربع سنوات من عدم الاستقرار وانھيار الموارد الاقتصادية، على تحمل أعباء استقبال مليون لاجئ، إضافة إلى عشرات الآلاف من الأجانب المقيمين في ليبيا.
اما بالنسبة للموقف الغربي فيما يخص مكافحة الارهاب وبخاصة "داعش"، فحسب تقرير لـ"نيويورك تايمز" تتناقض النظرة الى "داعش"  بشكل واضح وكبير مع حالة التفاؤل التي سادت أعقاب قتل أسامة بن لادن  عام 2011 ،   وبزوغ فجر " الربيع العربي"  الذي كان ينظر إليه في البداية كصحوة سياسية في الشرق الأوسط، حيث ظنت أنها قادرة على التخلص من تنظيم " القاعدة"  وأيديولوجيته القديمة البالية. كل ھذا الحديث الإيجابي تبخر وبدأ مسؤولو وخبراء حملة مكافحة الإرھاب الأميركية مرحلة من الكآبة، إذ تجاوز جيمس كلابر مدير الاستخبارات الوطنية، سلسلة التھديدات المعھودة، وأكد في شھادته أمام الكونغرس مؤخرا: إن "منحى الإرھاب أسوأ من أي وقت مضى في التاريخ".
وأخبر اللواء مايكل ناغاتا، قائد قوات العمليات الخاصة الأميركية في الشرق الأوسط، المشاركين عند الحديث عن استراتيجية مكافحة الإرھاب أنه ينظر إلى تنظيم "داعش" باعتباره "تھديدا أكبر من تنظيم القاعدة".
  امام هذه الأحداث وانعكاساتها ، ترى أوساط دبلوماسية عربية أن ھناك أربعة تطورات رئيسة ظھرت مؤخرا مسببة إرباك النظام العربي، أولھا طبعاً ظھور "داعش" على الخريطة السياسية، وثانيها وھو أھم التطورات، يتمثل في فشل ما تبقى من النظام العربي في لملمة صفوفه والاتفاق على صوغ خطة مشتركة وفاعلة لمواجھة "داعش" وخطرھا الماحق، ثالثها الغياب التام لأي دور عربي ذي معنى على صعيد الأنظمة العربية حتى الآن في مواجھة "داعش". ورابعها غياب دور دولي فعال على الأرض لوقف تمدد "داعش".
2015-03-26