ارشيف من :آراء وتحليلات
خلفيات الموقف الروسي من حرب اليمن (2/2)

(في القسم الأول من هذا البحث عرضنا الخلفيات الأساسية التي تستند إليها روسيا في تحديد مواقفها الدبلوماسية ومسلكها العملي، السياسي واللوجستي والعسكري، المعلن أو غير المعلن، من الحرب الدائرة في اليمن والحملة السعودية المسماة "عاصفة الحزم" والتي تحمل في طياتها مشروع "حلف إسلامي" جديدًا أو "حلف بغداد" جديدًا. ونشرنا قسمًا من تحليل للصحفي الروسي ألكسي نوسكوف، نشرته الصحيفة الالكترونية الروسية المستقلة"نيزافيسيمايا غازيتا". وفي هذا القسم الثاني والأخير ننهي نشر ملخص تحليل ألكسي نوسكوف الذي يلقي الضوء، مباشرة وبين السطور، على خلفيات ومحركات المواقف الروسية، الحالية والقادمة):
والشيء ذاته يقال عن إمكانية نشوب نزاع عسكري بين إيران كحليف لحركة "أنصار الله" وبين المملكة السعودية: فبالنسبة إلى إيران ليست هذه قضية تدفعها إلى خوض حرب واسعة النطاق غير معروفة العواقب.
الحوثيون يمسكون مفتاح باب المندب
وفي الأخير، فإن التخوفات من قيام الحوثيين بتهديد مكامن النفط عبر مضيق باب المندب تبدو كذلك بعيدة من الواقع. وبالطبع فإن هذا القطاع، الذي يربط بين المحيط الهندي والبحر الأحمر، والذي يبلغ عرضه في أضيق نقطة أقل من 40 كلم، يعتبر من أهم المضائق في العالم لشحن البضائع والمواصلات. ويبلغ حجم النفط الخام الذي يمر عبره يوميًا حوالى 3،8 مليون برميل، وهذا يعادل 25% من كمية النفط التي تستهلكها بلدان الاتحاد الأوروبي يوميًا. وفي حال تخلي ناقلات النفط عن استخدامه والاستعاضة عنه بالدوران حول رأس الرجاء الصالح (افريقيا الجنوبية)، فإن كلفة النقل ستنمو أكثر من الضعف. وبالطبع، وربطًا بالوضع الراهن، تنمو احتمالات وقوع أحداث غير مرغوبة كخطف السفن أو تعرضها للأذى. كما أنه منذ بدء العمليات العسكرية في تلك المياه، ازداد فيها الحضور العسكري ـ البحري لمصر. وهذا بالإضافة الى السفن الحربية الأميركية التي تتولى الحراسة في هذا القطاع. إلا أن الحوثيين لا يملكون الوسائل التكنولوجية المناسبة، ولا القوات البحرية المدربة، التي يمكن بوساطتها القيام بعمليات بحرية جدية لإغلاق المضيق.
النفط في صلب الأزمة
وهكذا، فإن النزاع العسكري في جنوب شبه الجزيرة العربية، بشكله الحالي في المرحلة الراهنة، لا يمكنه ان يؤثر كثيرًا في السوق العالمي للهيدروكربونات. وبالإضافة الى ذلك، فإن ناقلات الطاقة لا تزال تؤدي دورًا مهمًا، إذا لم يكن دورًا رئيسًا، في أسباب التدخل الحالي وعواقبه. كما ان التدخل له علاقة أيضا بأن استخراج الهيدروكربونات يصبح احد أسس الاقتصاد اليمني. وللمثال، فإن مبيعات النفط والغاز شكلت نسبة 89% من عائدات التصدير اليمنية في السنوات 2010 ـ 2012.
تصاعد حصة الطاقة في الاقتصاد اليمني
ويستعرض ألكسي نوسكوف لمحة عن تاريخ استخراج النفط والغاز في اليمن منذ السبعينات. أولًا: في جمهوريتي اليمن (الجنوبية والشمالية) ثم في الجمهورية اليمنية الموحدة حتى اليوم، ليؤكد وجهة نظره حول ان قطاع الطاقة، في اليمن وحولها، يكمن في صلب أسباب الحرب الاهلية اليمنية وحملة التدخل التي تقودها السعودية ضد اليمن في الوقت الراهن.
ويقول: إن انتاج الغاز في اليمن بدأ متأخرًا سنة 2009، ولكنه تطور بسرعة اكبر من حاجة السوق الداخلي، واكثر من قطاع النفط، وفي سنة 2013 بلغ تصدير الغاز الطبيعي المسيّل من اليمن 330 مليار متر مكعب، وهو ما يشكل 3% من الحجم العام لاستهلاك الغاز الطبيعي المسيّل في العالم. وهناك مشاريع لبناء محطات توليد كهرباء تستخدم الغاز (في الوقت الحاضر يتم انتاج الطاقة الكهربائية في البلاد باستخدام الغاز الخام بنسبة 20%، و80% باستخدام النفط). واحتياطات الغاز المؤكد اكتشافها (حسب معطيات سنة 2014) تبلغ 16،9 تريليون متر مكعب، أغلبها في حوض مأرب ـ الجوف.

روسيا واليمن
عقدة الحدود السعودية ـ اليمنية
ويستمر التنقيب عن النفط والغاز في هذا الحوض، ويجري اكتشاف مكامن جديدة. وهنا ظهرت عقدة الحدود السعودية ـ اليمنية، وهي حدود رسمت سنة 1936، وكانت تمثل نذيرًا مبكرًا للأحداث الجارية حاليًا. وكان قد تم توقيع اتفاق رسم الحدود حينذاك بعد نزاع مسلح بين الدولتين. وتمثلت احدى العواقب الوخيمة لذلك الاتفاق في ان الإقليم المأهول تاريخيًا بالزيديين، تم تقسيمه بين الدولتين: حصلت اليمن على منطقة (صعدة)، وحصلت السعودية على منطقة (نجران، وجيزان وعسير). والشيء الرئيسي الآن، هو أن هذه المناطق تحتوي احتياطات كبيرة من النفط والغاز.
اتفاق حدود جديد مجحف
وفي سنة 2000 تم في جدة التوقيع على اتفاق بين البلدين ينص على إقامة منطقة في عمق 40 كلم على كل جانب من الحدود المرسومة، يحق فيها ممارسة النشاط الزراعي، ولكن لا يحق لأي طرف القيام بأعمال تنقيبية عن المكامن الجوفية، الا بموافقة الطرف الآخر.
منظمة "عسير" تتهم السعودية
فمع اكتشاف النفط والغاز، بدأت تسمع بوضوح أصوات الاستياء من هذه الاتفاقات في أوساط السكان. وفي حزيران من العام 2012 شكل نشطاء يمنيون مجموعة منظمة حملت اسم "عسير"، اتهمت السعودية بنهب ثروات الشعب اليمني، وباحتلال مناطق نجران، وجيزان وعسير التي هي حسب تعبير هؤلاء النشطاء "أراض وطنية يمنية".
الشركات العالمية للطاقة تتوجه بكثافة الى اليمن
ويسلط ألكسي نوسكوف الضوء على توجه شركات الطاقة العالمية بكثافة نحو اليمن، والتي بلغ عددها 83 شركة حتى سنة 2012، بما فيها شركة Total الفرنسية، وابرزها كانت الشركة الاميركية Occidental Petroleum Corporation التي بدأت العمل في اليمن منذ نهاية الثمانينات في القرن الماضي.
الصين تدخل بقوة
ومنذ بداية القرن الحالي دخلت الشركات الصينية أيضًا بقوة في قطاع الطاقة اليمني، وحصلت على عقود كبيرة للتنقيب. وعلى الرغم من الأحداث التي هزت اليمن منذ العام 2011 والتي أدت الى استقالة الرئيس السابق علي عبدالله صالح؛ فإن السلطات المركزية والمحلية اتخذت تدابير مشددة لحماية شركات الطاقة الأجنبية التي حافظت على وجودها.
الرياض تدق ناقوس الخطر
وفي خريف 2014 بدأت الرياض تدق ناقوس الخطر، بعد النجاحات التي حققها الحوثيون، ولا سيما سيطرتهم على البنية التحتية لقطاع الطاقة في مأرب، وعلى المدن الساحلية على البحر الأحمر.
ويشير نوسكوف الى ان التوجه السياسي للحوثيين هو معاد للغرب وأميركا وإسرائيل واليهود. ويعزو قلق الرياض الى ان سيطرة الحوثيين في اليمن، واستمرار وجود شركات الطاقة الصينية، سيخلق سابقة خطرة، وتخشى الرياض ان ينعكس ذلك على القبائل في نجران وجيزان وعسير، التي قد تطالب بالاستقلال الذاتي، او حتى الانفصال عن السعودية. خصوصًا وأن احتمالات تعاون الحوثيين مع الغرب وأميركا هو احتمال غير وارد. وهذا ما يفسر تعجيل السفارات الغربية في الخروج من اليمن. ولكن الحوثيين لديهم بديل يتمثل في التعاون مع الشركات الصينية ومع إيران.
أنصار الله ليست إرهابية
ويؤكد الحوثيون إنفسهم بأنهم ليسوا إرهابيين من صنف "القاعدة"، وهم لديهم أولوية، هي بناء دولتهم، التي ينبغي عليها ان تجد من تتعاون معه، ولا سيما في حقل الطاقة. وهنا تبرز أهمية الصين بالنسبة إلى اليمن.
الشركات الصينية تحل محل الغربية
ولا حاجة للقول إن تدعيم دور الصين في اليمن، يتعارض مع مصالح واشنطن. خاصة وان الشركات الصينية يمكن ان تأخذ على عاتقها المشاريع التي كانت تتولاها حتى الان الشركات الغربية.
واشنطن تتأمر والرياض تنفذ
من هنا، يمكن القول إن قرار الرياض بالتدخل في اليمن لم يحدث من دون ضغط من واشنطن. واذا كانت "عاصفة الحزم" تبدو وسيلة للمملكة السعودية لآضعاف الحوثيين بحجة أنهم يشكلون تهديدًا للاستقرار ووحدة أراضي المملكة، فإنها بالنسبة إلى واشنطن تمثل وسيلة لإضعاف مواقع الصين في هذا الإقليم المهم استراتيجيًا.