ارشيف من :آراء وتحليلات
بدون تعليق: بان كي مون أممي جاهل

محمد الحسيني
يشغل سير تشكيل الحكومة العتيدة في لبنان عواصم القرار في العالم، بشرقيّه وبغربيّه، بعربه وبإفرنجه، ويجهد الكتبة في السفارات بترقب التطورات أولاً بأول، وآخراً بآخر، وتكاد أناملهم تتورم من كتابة التقارير وحرارة الخطوط الهاتفية المفتوحة ترتفع من كثرة الاتصالات المطوّلة، هذا فضلاً عن استخدام الشبكة العنكبوتية التويترية منها والفيسبوكية والايميلية المشبعة بخلاصات التحليلات الصحافية ومصادر المعلومات المختلفة، حتى تخال أنه لم يعد هناك همّ لدى قادة العالم سوى إحصاء الأسابيع والأيام والساعات بانتظار تصاعد الدخان الأبيض من دواخين بعبدا وقريطم وساحة النجمة.
هل يستحق حدث تشكيل الحكومة اللبنانية هذا الاهتمام العربي والغربي والدولي؟ وهل بات لبنان حجر الرحى الأساسي الذي تدور معه وحوله الملفات الاقليمية والدولية؟ وهل باتت هوية الوزراء والحصص ونوعية الوزارات السيادية منها وغير السيادية تدخل في تشكيل خارطة العلاقات السياسية للدول؟ وهل أهمية تشكيل هذه الحكومة تفترض حكماً اجتماع العرب وتحريك وساطات الحل والمصالحة وتمهد لإسقاط جدران العداوات التاريخية بين الأخوة الأعداء؟ الجواب عن هذه الأسئلة وأسئلة كثيرة لم نوردها لكثرتها هو: نعم.
نعم إن تشكيل الحكومة اللبنانية مهم لدرجة أنها تجمع أخصام الأمس وأعداء اليوم وتقلب الميمنة على الميسرة وتخلط الأوراق في الداخل والخارج، وكأني بأحدهم يتجول في أحد أزقة باريس العاصمة الفرنسية الراقية التي تشتهر بانتشار المتسولين (الكلوشار)، ويتجمع أكثرهم في أنفاق المترو وفي أسواق العرب والمونبرناس وبعضهم على الرصيف الطويل للشانزليزيه وفي ساحة التروكاديرو، فيصادف هذا المتجول واحداً من هؤلاء يقرأ مزقة من صحيفة ليتابع أخبار "حكومة لبنان"، وتكاد تظنه أنه أضحى خبيراً بأحداث الساعة التي تجري في أروقة المقرات الرسمية في عاصمة السياحة العربية بيروت، ويسرد لك التواريخ والتفاصيل.
وعلى الهامش، وفيما نحن ننعم بشهرتنا التي لامست الآفاق، ووصل العلم اللبناني إلى أعلى نقطة على وجه البسيطة، وازدحمت في محمياته ومقالعه الأثرية مهرجانات الفولكلور العالمي المتنوع، و.. و... بقي بان كي مون وهو الشخص الذي اكتسب صفة أممية، سواء استحقها أم لم يستحقها، جاهلاً بما يدور في لبنان بعيداً عن تشكيل الحكومة، وهو الذي جال وصال في أصقاع العالم من جبال سيبيريا إلى أدنى نقطة في مجاهل أفريقيا وصولاً إلى أدغال أميركا الجنوبية، حتى كاد أن يشارك قبائل الزولو والتوتسي طقوس مصالحات طالما اهتزت بين فينة وأخرى.. يطلع هذا الرجل ويرسم علامات استفهام حول حقيقة اكتشاف شبكات تجسس تابعة للموساد في لبنان!.. بربكم ألا يدعو هذا الأمر إلى البكاء... من شدة الضحك؟!
الانتقاد/ العدد 1354 ـ 10 تموز/ يوليو 2009