ارشيف من :آراء وتحليلات

مجرد كلمة: أشرف الناس

مجرد كلمة: أشرف الناس
أمير قانصوه
يعيدنا تموز مرغمين كل عام الى تلك الأيام التي استحال معها لبنان كله الى بؤرة نار أوقدها العدو بحمم قذائفه وصواريخه. لم يميز العدو آنذاك بناره بين منطقة وأخرى، ولم يستثنِ من شره أي لبناني. وإذا كان هناك مناطق حيّدها العدو بشكل نسبي عن ناره وتمتعت ببعض الأمن أكثر من مناطق أخرى، فذلك كان لحسابات محض عسكرية. اضافة الى أنه كان يرمي ولا يزال الى استمالة جزء من اللبنانيين الى صفه ضد المقاومة. وهذا مخطط قديم لا يتردد العدو في تنفيذه كلما سنحت له الفرصة، حتى في الانتخابات النيابية الأخيرة لم يبقَ أحد من قادة العدو إلا وأبدى رأيه، مقلباً اللبنانيين بعضهم ضد بعض، بهدف تسعير الموقف بما يخدم مشروعه لسلب لبنان أي قوة في وجه احتلاله وعدوانه.. ولكنه لم ينجح، لأن في لبنان كثيرين يفهمون لغة هذا العدو ومقاصده.
ان من تابع يوميات حرب تموز ضد لبنان يستطيع أن يقرأ في تفاصيلها مستوى الإجرام الذي نفذه العدو ضد لبنان، بدءاً من القتل الجماعي والعشوائي الى تدمير البنى التحتية والمنازل والمؤسسات التجارية الى تهجير المدنيين من منازلهم وترويعهم، بهدف واحد لا غير، هو كسر إرادة هؤلاء بما يحقق أهداف المشروع الأميركي، وجعلهم يخضعون كلياً لإرادته. حتى ان البعض كان يظن أن اللبنانيين سيرفعون "العشرة" مستسلمين في اليوم الثاني أو الثالث من العدوان.
لذلك فمن يراجع ذاكرته جيداً ويستعيد ـ ولو ـ بعض المحطات من تموز 2006، فإنه يجد شعباً صلباً وقف بكل جرأة خلف مقاومته، لم يخف ولم يجبن، بل كان يصر على المواجهة حتى آخر منزل أو قطرة دم في عروقه. لم ننسَ أولئك الذين خرجوا من تحت أنقاض الملجأ في قانا وهم يطمئنون المقاومة الى أن دمهم فداها.. لم ننسَ الشيوخ الذين أخرجوا رغماً عن إرادتهم من بنت جبيل وعيتا الشعب وعيناتا، لأنهم لا يريدون أن يبقى أبناؤهم وحدهم في ميدان المواجهة.
يذكر بعض المجاهدين الذين كانوا في الجنوب يواجهون العدوان، أمهات كن يحرمن أولادهن من الخبز ليقدمنه اليهم!! وفلاحين كانوا يغامرون في النزول الى حقولهم ليأتوا ببعض الخضار قوتاً للمجاهدين المرابضين دفاعاً عن هذا الوطن!!
كثيرة هي المشاهد التي حفلت بها تلك الأيام، والتي تبقى شاهدة على شعب لم يصمد فحسب، بل تقدم الى ميدان المواجهة لهدف واحد، هو الكرامة التي لم يقبل ان تهدر، ولو كان الثمن غالياً جداً.
الى اليوم يقف هذا الشعب بكل جرأة خلف مقاومته، لا يهاب التهديدات ولا يلين أمام نوايا العدوان، واثقاً بأن المقاومة تحميه وتحصن كرامته.
لهذا السبب وحده استحق الشعب الذي لم يجبن لقب أشرف الناس.
الانتقاد/ العدد 1354 ـ 10 تموز/ يوليو 2009
2009-07-10