ارشيف من :آراء وتحليلات

’الفوضى البناءة’ الاميركية تحط رحالها في مقدونيا 2/2

’الفوضى البناءة’ الاميركية تحط رحالها في مقدونيا 2/2

 (تناولنا في القسم الأول من هذا البحث بداية تحريك العصابات الداعشية ومظاهرات "المعارضة الدمقراطية المأجورة" في مقدونيا، ونحاول في هذا القسم الثاني والأخير تسليط الضوء على الخطوط العريضة للمخطط الأميركي لإعادة رسم خريطة البلقان على طريقة إعادة رسم خريطة الشرق الأوسط):
 

ويدخل كل ذلك ضمن مخطط إنشاء البانيا الكبرى، الذي تدعمه اميركا، كما تقول وسائل الاعلام الصربية. وهي تتضمن البانيا الحالية وكوسوفو، والإقليم الصربي الواقع حول بيريشوفو وميدفيجا، وغربي اليونان (إقليم يانينا) ونصف أراضي جمهوريتي مقدونيا والجبل الأسود (مونتي نيغرو) بما في ذلك عاصمتا هذين البلدين.

"جمهورية إيليريدا" الألبانية المقدونية

وبالإضافة الى إعلان "جيش التحرير الوطني" نشرت وسائل الإعلام في بريشتينا عاصمة كوسوفو بيانًا باللغة الألبانية لمنظمة تطلق على نفسها اسم "حرس جمهورية إيليريدا" تعلن فيه أيضا مسؤوليتها عن مهاجمة قوات الامن المقدونية (و"جمهورية ايليريدا" هو شعار تطلقه حركة سياسية البانية في مقدونيا تطالب بفدرلة مقدونيا وفصل القسم ذي الأغلبية السكانية الألبانية في غربي مقدونيا والمحاذي لكوسوفو والبانيا، واعلانه جمهورية مستقلة بهذا الاسم، تجمعه او لا تجمعه صلة فدرالية مع القسم الباقي الذي يحتفظ باسم مقدونيا). وتطالب هذه المنظمة المجتمع الدولي وما تسميه "العامل الدولي" بإلزام السلطات المقدونية بالقبول بـ "الجمهورية" الجديدة. وهو ما فسره المراقبون المحايدون بأن المنظمة تهيئ للمطالبة بالتدخل العسكري الخارجي السافر، على طريقة سيناريو تدخل الناتو ضد صربيا وفصل كوسوفو عنها بالقوة سنة 1999.

’الفوضى البناءة’ الاميركية تحط رحالها في مقدونيا 2/2

يستعدون منذ أكثر من سنة

وكانت هذه المنظمة قد أعلنت منذ السنة الماضية أنها ستقوم بشنِّ هجمات مسلحة في مقدونيا، كما كتبت الجريدة المقدونية "ريبوبليكا". وعبر وسائل الاعلام في كوسوفو أعلنت هذه المنظمة أن جميع المجموعات والمنظمات المسلحة الألبانية بدأت تقوم بعمليات عسكرية وتعمل كجسم موحد لأجل تحقيق "جمهورية ايليريدا". وكتبت جريدة "تلغراف" الصربية أن الهدف من هذه العمليات العسكرية هو توحيد جميع الأراضي ذات الأكثرية السكانية الألبانية وإنشاء "البانيا الكبرى".

يطالبون بمنطقة محظورة على الطيران الحربي المقدوني

وأعلنت وكالة PhoNet أن الراديكاليين الألبانيين يطالبون المجتمع الدولي بأن يقوم بأسرع وقت بإلزام القوات المسلحة والبوليسية المقدونية بأن توقف استخدام طائرات الهليكوبتر الحربية ضد "جيش التحرير الوطني" الالباني. ومن الملاحظ ان هذا هو السيناريو ذاته (سيناريو المنطقة الآمنة: منطقة حظر الطيران) الذي طبق في شمال العراق، ثم في ليبيا، ويراد الآن تطبيقه في سوريا ومقدونيا، مما يدل، أولًا، على أن المخرج الأميركي هو واحد، ويدلُّ ثانيا، على شح خيال هذا المخرج، وعجزه عن طرح سيناريو جديد، يتلاءم مع اختلاف الظروف السياسية والأثنية بين بلد وآخر، حيث ان النظام الصدامي كان نظاما دكتاتوريا شوفينيا يتعاون سرا مع اميركا ضد ايران وما كان يسمى المد الشيعي والتوسع الإيراني، في حين ان النظام المقدوني هو نظام "ديمقراطي" على الطريقة الغربية تماما، ويمنح المواطنين الالبانيين كامل الحقوق السياسية والاجتماعية والثقافية التي يمنحها للمواطنين المقدونيين سواء بسواء، بل أنه متسامح الى درجة حرصه على تعليم اللغة الألبانية في المدارس حتى في المناطق المختلطة التي تبلغ فيها نسبة الالبان الى المقدونيين 1%، بينما يغض النظر عن قيام الراديكاليين الالبان بمنع تعليم اللغة المقدونية في المدارس المختلطة ذات الأغلبية الألبانية، وتطبيق "نظام" من التمييز العنصري والديني وتوجيه الاهانات والشتائم للمواطنين المقدونيين المسالمين وحتى الأطفال منهم، كما كان يحدث في عهد السلطنة العثمانية، في المناطق ذات الأغلبية الألبانية والتي يعتبرها الراديكاليون الألبان أرضا ألبانية لا يجوز للمقدوني الأرثوذكسي ان يتنفس فيها الا بإذن الباشبوزوك هاشم تاجي والسلطان رجب طيب أردوغان.    

السيارات المفخخة جاهزة

ويهدد الراديكاليون الألبان انه في حال عدم منع مقدونيا من استخدام الهليكوبتر الحربية، فإنهم من جهتهم سيقومون بردود مناسبة، تتناقض جذريا مع الاتفاقات العسكرية الدولية. أي بكلمات أخرى، سيقومون باستخدام "الاستشهاديين!!!" والسيارات المفخخة لتفجير الكنائس والأديرة والمدارس والمستشفيات والأسواق الشعبية على من فيها، وطبعا تحت شعارات "الجهاد!!!" و"الإسلام الاصولي!!!" و"الله أكبر!!!" (تنزه الله عنهم وعن أفعالهم)، أي تماما كما فعل ويفعل الدواعش واضرابهم في العراق وسوريا وليبيا واليمن. و"المخرج" واحد، والاهداف واحدة.

السيناريو الأميركي لنشر "الديمقراطية"

وفي الوقت الذي كانت تجري فيه الاشتباكات فإن المعارضة "الديمقراطية" المقدونية الموالية للغرب دعت إلى القيام بمظاهرات ضد "القمع البوليسي" الذي تمارسه السلطة القائمة، بحجة الاحتجاج على مقتل فتى مقدوني على يد أحد رجال الشرطة سنة 2011. (تماما كما استخدمت صورة الفتى القتيل من درعا، رحمه الله، لتغطية وشرعنة الهجمة الواسعة للجيش الإرهابي "الاممي" على سوريا). وشارك بضعة آلاف من "المعارضة الديمقراطية!" في المظاهرة أمام البرلمان المقدوني، واصطدموا برجال الشرطة حيث وقع 40 جريحا من الطرفين.  وهذا ما يذكِّر بما سُمي تضليلا "الربيع العربي" الذي استخدم المعارضة العربية المرتبطة بالغرب لتغطية المؤامرة الامبريالية الأميركية ـ الصهيونية ـ التركية لتمزيق البلاد العربية وفصل أجزاء منها تحت اسم "الدولة" او "الخلافة الإسلامية!!!" المرتبطة بتركيا و"إسرائيل".

"الربيع العربي" ينتقل الى البلقان

ويقول الخبراء ان معركة كومانوفو الأخيرة في مقدونيا ليست الا "عنوان المكتوب" وبداية لمعركة واسعة النطاق في مقدونيا وكافة أرجاء البلقان. وان المخابرات الأميركية والألمانية والتركية والإسرائيلية تهيئ لمعركة البلقان منذ سنوات، وخاصة بعد إعلان "استقلال" كوسوفو سنة 2008.

دولة "الإسلام!!!" والمافيا

ومثلما تم تحويل أفغانستان الى مركز لتفريخ وتدريب وتسليح العصابات الإرهابية، مدعية "الإسلام!!!" زورًا وكذبًا وبهتانًا، والمعززة بـ "الاقتصاد الافيوني والهيروييني" والتمويل البترو-دولاري السعودي والخليجي، فقد تم في السنوات الماضية تحويل كوسوفو الى معسكر إرهابي ـ مافياوي كبير، تستخدم فيه خلطة عجيبة من "الإسلام الكاذب!!!" والارتزاقية المافياوية، حيث يتم تجنيد جيش حقيقي من عشرات الاف الشبان الألبان الأشداء، من كوسوفو والبانيا ومقدونيا وغيرها. ويضلع هذا الجيش بدورين متناقضين في الظاهر، متكاملين في الجوهر وهما: الدور "الجهادي الإسلامي الكاذب!!!" أي الدور الإرهابي. ودور عناصر في "المافيا الالبانية" التي تنتشر في كل أوروبا (وأميركا)، والمدعومة والمستخدمة من قبل المخابرات الأميركية، والتي تقوم بعمليات نشر المخدرات، وسرقات وتسويق المسروقات، وتزوير العملات وترويجها، وخطف البنات الاوروبيات الشرقيات واغتصابهن وتجويعهن وتعذيبهن وتحويلهن الى عاهرات ونشرهن في أوروبا والخليج وأميركا، والتخريب والقتل المأجور، وابتزاز الشركات والبنوك، وحماية وإدارة نوادي القمار وما يشبه ذلك من "الخدمات" التي لا يعتبرها "الأستاذ الستاليني الكبير!" فؤاد النمري تدخلا في صلب طبيعة النظام الرأسمالي الطفيلي. ومثلما ان الظروف التاريخية جعلت في مرحلة معينة غالبية الشعب الألماني تسير وراء هتلر وحزبه النازي، وتجعل اليوم غالبية "الشعب اليهودي" تسير وراء الصهيونية، فللأسف الشديد ان الظروف التاريخية تجعل غالبية الشعب الالباني قابلة للتحول الى الضلوع بهذا الدور الإرهابي ـ المافياوي ضد جميع الشعوب الأخرى. وهذا هو "السر الأصغر!" للدعم الأميركي "الديمقراطي جدا!" لمشروع "البانيا الكبرى".

مشروع "الحلف الإسلامي" الجديد

اما "السر الأكبر!" فهو ـ إذا قيض لأميركا ذلك، على المدى المتوسط والطويل ـ خلق "حلف إسلامي" كبير، يمتد من "البانيا الكبرى" العتيدة، ويمر عبر "تركيا الكبرى" و"داعش العربية" و"كردستان الكبرى" ويصل الى "باكستان الكبرى"، وتقود "تركيا الكبرى" هذا الحلف، الذي يراد إنشاؤه بهدف تصفية "جيب" إيران وحلفائها في المرحلة الاولى، ثم التفرغ لشن حرب عالمية "إسلامية!!!" شاملة على روسيا، بدلا من الناتو واوروبا وأميركا، الذين يريدون القضاء على روسيا ولكنهم يخشون حتى الموت مواجهتها. ويعتقد جهابذة الجيو-استراتيجيا الامبريالية الأميركية والصهيونية العالمية انه حتى لو خرجت روسيا منتصرة من مثل هذه الحرب، وهذا مؤكد طبعا، فإنها ستخرج ضعيفة مما يسهل على الكتلة الغربية الاجهاز عليها. ولكن هؤلاء الجهابذة نسوا العبرة الأساس والرئيسة في التاريخ العالمي، وهي ـ كما قال نابوليون "ما غيرو"ـ "ان روسيا لا تهزم!".  

ــــــــــــــــــــــــــــــ
*كاتب لبناني مستقل   
      
 
2015-05-22