ارشيف من :آراء وتحليلات
استهداف المقاومة واستهداف الجيش: من المستفيد؟ ولماذا؟

كتب مصطفى الحاج علي
ما الذي يجمع بين الحملة المنظمة لفريق 14 شباط على المقاومة وسلاحها، والتفجير الذي أودى بحياة العشرات من العسكريين في الجيش اللبناني؟
السؤال لوهلة قد يكون غير مفهوم وغير مبرر، حيث لا يظهر هناك تلازم موضوعي بين الاثنين. لكن بشيء من التأمل وتجاوز قشرة الأمور، سيظهر لنا أن السؤال منطقي، كما أن طرحه أكثر من ضروري.
وقبل الدخول في تفاصيل الحجج، لا بد من الإشارة إلى أن المراد من السؤال ليس توجيه أصابع الاتهام إلى هذه الجهة أو تلك، لأنه ليس أخلاقياً ولا قانونياً استباق التحقيقات ونتائجها، لكن أيضاً هناك من هو على درجة من عمى البصر والبصيرة، وعلى درجة من الإسفاف الأخلاقي والسياسي، وعلى درجة من الأنانية السياسية، ما يجعله لا يتورع عن استثمار الدماء والأرواح لخدمة مصالح شخصية وآنية.. تماماً كالذي لا يتورع عن إحراق غابة بكاملها ليشعل سيجارته.
من نافل القول أن دور المقاومة والجيش اللبناني يتقاطع إلى حد كبير، فالأولى أخذت على عاتقها منذ نشأتها مهمة التصدي للعدوان الاسرائيلي، وحماية لبنان أرضاً وشعباً وثروات من الطبيعة الهمجية والعدوانية لهذا العدو. وهي ـ بهذا المعنى ـ تؤدي دوراً سيادياً واستقلالياً وتحريرياً إلى أقصى درجة، كما توفر أحد مداميك القوة وعوامل الاستقرار لبلدٍ ممزق وضعيف كلبنان، لأنها توفر له مظلة حماية أمنية إزاء الخارج، تحول دون إخضاعه لأطماع الغاصبين والناهبين الدوليين.
وأما الجيش اللبناني، فهو ـ بدوره ـ عمود أساس من أعمدة الأمن، ولأسباب كثيرة تبدو وظيفة الجيش اليوم داخلية أكثر منها خارجية، ما يجعل الحفاظ عليه متماسكاً وقوياً مطلباً أساسياً للحفاظ أولاً على البنية الباقية من المؤسسات الموحدة، وثانياً للحفاظ على الحد الأدنى من الاستقرار الأمني الداخلي. فإذا كانت المقاومة تلعب اليوم دور الواقي الأمني إزاء العدو الإسرائيلي، فإن الجيش يلعب اليوم دور الواقي إزاء أعداء الداخل، وهكذا يتكامل الدوران.
وما يزيد من أهمية الجيش ودوره هو الوضع الملتبس الذي تعيشه أجهزة قوى الأمن الداخلي التي عمل تيار سياسي في لبنان، مستفيداً من إمساكه بالسلطة، على تحويلها إلى أجهزة أمنية خاصة، بدلاً من أن تكون أجهزة أمنية وطنية.
وثمة إشارة لا بد من التوقف عندها هنا، وهي هذا الاهتمام الأميركي اللافت بالجيش اللبناني، وهو اهتمام مريب بكل ما في الكلمة من معنى، ذلك أن الجميع يعلم أن واشنطن راغبة في إحداث تحويل هيكلي وبنيوي وعقائدي، وتالياً وظائفي، في هذه المؤسسة، بما يمكنها من استخدامها وفق متطلبات أهدافها الداخلية، وبالتالي تحويل الجيش من عامل استقرار وطني إلى عامل نزاع وصراع داخلي، تماماً كما كان يحدث في مرحلة سيادة المارونية السياسية.
ولقد استطاع الجيش الصمود حتى اليوم إزاء محاولات كهذه، وربما ما لا يؤخذ بالمناورة والالتفاف يراد أخذه خطفاً وبضغط النار.
ولا شك أيضاً في أن للجيش أعداءه الخاصين الذين يعتبرون أن لهم ثارات خاصة عليه. ويكفي هنا استذكار أحداث مخيم نهر البارد.
وبالعودة إلى الحملات الكلامية في المجلس اللبناني على المقاومة وسلاحها، التي لا هم لها إلا توهين هذا السلاح وإضعافه، وصولاً إلى إسقاطه نهائياً، والتي لم يوفر بعضها الجيش أيضا، حيث شنت حملات تطال دوره في أحداث أيار الأخيرة، وإذا أضفنا اليها ان عموم فريق 14 آذار لا ينظر بعين الرضا إلى التطور الايجابي الذي يصيب العلاقات اللبنانية ـ السورية، ويصرّ على إقحام لبنان في الصراعات العربية ـ العربية والأميركية ـ السورية، وبخلفيات ثأرية وشخصية أو لحسابات ضيقة، نستطيع أن نضع أيدينا على ذلك الاستثمار الرخيص، والوقوف على الخلفيات التي تحرك البعض.
ووقفة خاصة عند ردود فعل فريق 14 آذار على تفجير طرابلس تجعلنا نرى بوضوح الخلفيات الحاكمة نفسها، والتفسيرات الرخيصة ذاتها.
باختصار، ثمة في لبنان من لا يرضيه أن يملك مقومات قوة وعزة، ولذا يجري توجيه السهام اليها بما هي الحلقات الأخيرة: المقاومة وسلاحها، والجيش وموقعه الحالي ودوره، فمن المستفيد من كل هذا، اذا لم يكن العدو الإسرائيلي وحلفاءه وأدواته أينما وجدوا وأينما كانوا؟!
ان تفجير طرابلس كالتفجيرات التي قام بها فريق 14 آذار داخل المجلس، تريد زعزعة الاستقرار والإبقاء على خطوط التوتر والصراعات قائمة، وقطع الطريق على أي تطور ايجابي يلملم شعث الأمور، ويؤسس لحوار وطني جدي يلبي متطلبات بناء دولة وطنية قوية وقادرة وعادلة، اضافة إلى إعادة تصحيح العلاقات مع الإخوة العرب، بما يزيل ما لحق بها من شوائب، ويبقي لبنان عامل قوة، كما سوريا عامل قوة، كل منهم للآخر، بدلاً من استبدال العداء للإسرائيليين بالعداء لسوريا، وتحويل لبنان إلى منصة للهجوم عليها، ونقطة ارتكاز لزعزعة الاستقرار فيها، بغية تقويض نظامها لمصالح ومآرب معروفة.
ان مقعداً نيابياً لا يساوي شيئاً إذا كان الوطن كله مهدداً بالزوال، فلتكن الانتخابات النيابية مدخلاً لبناء الوطن لا لتخريبه، الا إذا كان الخائفون منها يفضلون خسارة كل شيء على أن يخسروا أكثريتهم.
الانتقاد/ العدد1290 ـ 15 آب/ أغسطس 2008
ما الذي يجمع بين الحملة المنظمة لفريق 14 شباط على المقاومة وسلاحها، والتفجير الذي أودى بحياة العشرات من العسكريين في الجيش اللبناني؟
السؤال لوهلة قد يكون غير مفهوم وغير مبرر، حيث لا يظهر هناك تلازم موضوعي بين الاثنين. لكن بشيء من التأمل وتجاوز قشرة الأمور، سيظهر لنا أن السؤال منطقي، كما أن طرحه أكثر من ضروري.
وقبل الدخول في تفاصيل الحجج، لا بد من الإشارة إلى أن المراد من السؤال ليس توجيه أصابع الاتهام إلى هذه الجهة أو تلك، لأنه ليس أخلاقياً ولا قانونياً استباق التحقيقات ونتائجها، لكن أيضاً هناك من هو على درجة من عمى البصر والبصيرة، وعلى درجة من الإسفاف الأخلاقي والسياسي، وعلى درجة من الأنانية السياسية، ما يجعله لا يتورع عن استثمار الدماء والأرواح لخدمة مصالح شخصية وآنية.. تماماً كالذي لا يتورع عن إحراق غابة بكاملها ليشعل سيجارته.
من نافل القول أن دور المقاومة والجيش اللبناني يتقاطع إلى حد كبير، فالأولى أخذت على عاتقها منذ نشأتها مهمة التصدي للعدوان الاسرائيلي، وحماية لبنان أرضاً وشعباً وثروات من الطبيعة الهمجية والعدوانية لهذا العدو. وهي ـ بهذا المعنى ـ تؤدي دوراً سيادياً واستقلالياً وتحريرياً إلى أقصى درجة، كما توفر أحد مداميك القوة وعوامل الاستقرار لبلدٍ ممزق وضعيف كلبنان، لأنها توفر له مظلة حماية أمنية إزاء الخارج، تحول دون إخضاعه لأطماع الغاصبين والناهبين الدوليين.
وأما الجيش اللبناني، فهو ـ بدوره ـ عمود أساس من أعمدة الأمن، ولأسباب كثيرة تبدو وظيفة الجيش اليوم داخلية أكثر منها خارجية، ما يجعل الحفاظ عليه متماسكاً وقوياً مطلباً أساسياً للحفاظ أولاً على البنية الباقية من المؤسسات الموحدة، وثانياً للحفاظ على الحد الأدنى من الاستقرار الأمني الداخلي. فإذا كانت المقاومة تلعب اليوم دور الواقي الأمني إزاء العدو الإسرائيلي، فإن الجيش يلعب اليوم دور الواقي إزاء أعداء الداخل، وهكذا يتكامل الدوران.
ثمة في لبنان من لا يرضيه أن يملك مقومات قوة وعزة، ولذا يجري توجيه السهام اليها |
وثمة إشارة لا بد من التوقف عندها هنا، وهي هذا الاهتمام الأميركي اللافت بالجيش اللبناني، وهو اهتمام مريب بكل ما في الكلمة من معنى، ذلك أن الجميع يعلم أن واشنطن راغبة في إحداث تحويل هيكلي وبنيوي وعقائدي، وتالياً وظائفي، في هذه المؤسسة، بما يمكنها من استخدامها وفق متطلبات أهدافها الداخلية، وبالتالي تحويل الجيش من عامل استقرار وطني إلى عامل نزاع وصراع داخلي، تماماً كما كان يحدث في مرحلة سيادة المارونية السياسية.
ولقد استطاع الجيش الصمود حتى اليوم إزاء محاولات كهذه، وربما ما لا يؤخذ بالمناورة والالتفاف يراد أخذه خطفاً وبضغط النار.
ولا شك أيضاً في أن للجيش أعداءه الخاصين الذين يعتبرون أن لهم ثارات خاصة عليه. ويكفي هنا استذكار أحداث مخيم نهر البارد.
وبالعودة إلى الحملات الكلامية في المجلس اللبناني على المقاومة وسلاحها، التي لا هم لها إلا توهين هذا السلاح وإضعافه، وصولاً إلى إسقاطه نهائياً، والتي لم يوفر بعضها الجيش أيضا، حيث شنت حملات تطال دوره في أحداث أيار الأخيرة، وإذا أضفنا اليها ان عموم فريق 14 آذار لا ينظر بعين الرضا إلى التطور الايجابي الذي يصيب العلاقات اللبنانية ـ السورية، ويصرّ على إقحام لبنان في الصراعات العربية ـ العربية والأميركية ـ السورية، وبخلفيات ثأرية وشخصية أو لحسابات ضيقة، نستطيع أن نضع أيدينا على ذلك الاستثمار الرخيص، والوقوف على الخلفيات التي تحرك البعض.
ووقفة خاصة عند ردود فعل فريق 14 آذار على تفجير طرابلس تجعلنا نرى بوضوح الخلفيات الحاكمة نفسها، والتفسيرات الرخيصة ذاتها.
باختصار، ثمة في لبنان من لا يرضيه أن يملك مقومات قوة وعزة، ولذا يجري توجيه السهام اليها بما هي الحلقات الأخيرة: المقاومة وسلاحها، والجيش وموقعه الحالي ودوره، فمن المستفيد من كل هذا، اذا لم يكن العدو الإسرائيلي وحلفاءه وأدواته أينما وجدوا وأينما كانوا؟!
ان تفجير طرابلس كالتفجيرات التي قام بها فريق 14 آذار داخل المجلس، تريد زعزعة الاستقرار والإبقاء على خطوط التوتر والصراعات قائمة، وقطع الطريق على أي تطور ايجابي يلملم شعث الأمور، ويؤسس لحوار وطني جدي يلبي متطلبات بناء دولة وطنية قوية وقادرة وعادلة، اضافة إلى إعادة تصحيح العلاقات مع الإخوة العرب، بما يزيل ما لحق بها من شوائب، ويبقي لبنان عامل قوة، كما سوريا عامل قوة، كل منهم للآخر، بدلاً من استبدال العداء للإسرائيليين بالعداء لسوريا، وتحويل لبنان إلى منصة للهجوم عليها، ونقطة ارتكاز لزعزعة الاستقرار فيها، بغية تقويض نظامها لمصالح ومآرب معروفة.
ان مقعداً نيابياً لا يساوي شيئاً إذا كان الوطن كله مهدداً بالزوال، فلتكن الانتخابات النيابية مدخلاً لبناء الوطن لا لتخريبه، الا إذا كان الخائفون منها يفضلون خسارة كل شيء على أن يخسروا أكثريتهم.
الانتقاد/ العدد1290 ـ 15 آب/ أغسطس 2008