ارشيف من :آراء وتحليلات

بعد سقوط الرهان على التفاهم السوري السعودي: عقبات التأليف أمام الحريري

بعد سقوط الرهان على التفاهم السوري السعودي: عقبات التأليف أمام الحريري
كتب إبراهيم صالح
الذين قُدر لهم ان يتواصلوا مع رئيس مجلس النواب الرئيس نبيه بري في الآونة الأخيرة، نقلوا عنه أمرين أساسيين في ما يتصل بتأليف الحكومة: الأول ان مسألة التأليف محفوفة بالمصاعب والعراقيل وتحتاج الى وقت. والثاني ان الامور لم تصل بعد الى الطريق المسدود، فثمة امكانية للنفاذ.
هذا الكلام لا ينطوي على "لغز"، بل هو توصيف منطقي لما آلت اليه مسألة تأليف الحكومة الأولى للنائب سعد الدين الحريري، فما من معطيات او مؤشرات توحي بأنه يمكن لأي معني ان يحدد أفقاً زمنياً لولادة الحكومة المنتظرة، لأن ثمة صعوبات عدة داخلية وإقليمية تؤخر الولادة المرتقبة، ولم يبلغ الأمر بعد مرحلة الخطوط الحمر ما دامت في الحيز الزمني المعقول، وتحديدا انها ما زالت في حيز الأسابيع.
وكان لافتاً ان تبادر مصادر الرئيس المكلف في الايام القليلة الماضية الى صرف جهودها على نفي ما بدأت تحفل به الاوساط الاعلامية عن امكانية ان تصل الامور بالحريري الى الاعتذار عن عدم المضي في تأليف الحكومة، وهو ما اعتبرته اوساط عليمة مؤشرا سلبيا سيبدد الكثير من رصيد الحريري، ويطيح بآماله العراض التي بناها على اساس ان تتوافر له الظروف والمعطيات اللازمة لمسألتين أساسيتين هما:
ـ ان يبدأ حياته في رئاسة الحكومة على غرار ما بدأه والده الشهيد رفيق الحريري، والذي صار معلوماً انه أتى على قاعدة معادلة فحواها التوازن والتوازي بين الأمن والسياسة والاقتصاد.
انطلاقاً من تلك الرؤية آثر الرئيس المكلف ان يبدأ من حيث بدأ والده، اي من الخارج الى الداخل، وبمعنى أوضح وأدق، بدأ بفتح المجال أمام دور للرياض أنيط به مهمة "كسح" الألغام التي يمكن ان تعترض الانطلاقة المنشودة (الانطلاقة القوية) لحكومة الحريري.
ولقد صارت مكشوفة تفاصيل جولات المفاوضات والاتصالات التي جرت بين الرياض ودمشق لتحقيق هذه الغاية، وصارت أيضاً معروفة تفاصيل العروض والعروض المضادة المتصلة بهذا الشأن.
وهكذا طوال نحو (10) أيام صار الداخل اللبناني في موقع المنتظر والمترقب لمآل المفاوضات الاقليمية التي انتهت في نهاية المطاف الى نوع من التجميد، ان لم يكن الإخفاق.
 مسار التفاهم وظروفه قد أدت الى هبوب رياح عصفت بلقاء 14 آذار وأظهرته في وضع المتهالك والهش
ـ أرادت السعودية ان تلعب دمشق دور الضاغط على قوى المعارضة (الأقلية النيابية) في لبنان لتتراجع هذه القوى عن شروطها المعروفة للمشاركة في حكومة الوحدة الوطنية، ولا سيما شرط الثلث الضامن الذي يؤمن لفريق الأقلية شراكة حقيقية في أخذ القرارات، واطمئناناً الى عدم قدرة الأكثرية على طعنها غدراً كما حصل في مرحلة ما بعد انتخابات عام 2005.
وحاولت سوريا المساعدة من خلال التفاهم على "سلة" متكاملة تتناول الآتي:
ـ التفاهم على حكومة وحدة وطنية حقيقية في لبنان ترضى عنها المعارضة وتقبل بها الموالاة، بالتالي تكون فاتحة لمرحلة جديدة من الحكم تنطوي على الثقة.
ـ التفاهم على فتح صفحة جديدة في العلاقة اللبنانية السورية، تنتهي معها كل المعالم والمظاهر السلبية التي حكمت في السابق العلاقة الرسمية بين البلدين.
وتحت هذين البندين الأساسيين جرى التداول بسلسلة خطوات وإجراءات عملية لتنفيذهما، من ضمنها ان يزور الرئيس المكلف النائب سعد الحريري دمشق مع كل رؤساء الكتل النيابية. ومن ضمنها أيضاً التفاهم على آلية أخذ القرارات الأساسية في مجلس الوزراء اللبناني، بحيث تؤخذ بالإجماع بعد ان يُتفاهم عليها قبل عرضها على مجلس الوزراء.. إضافة الى التفاهم على سبل معالجة بقية الملفات الخلافية بين لبنان وسوريا.
ويبدو حسب سير الأمور ان الوسطاء السعوديين بين دمشق والرياض، أبلغوا المعنيين السوريين تعهداً فحواه ان يلتزم الرئيس المكلف تنفيذ بنود هذا التفاهم، بما فيها مسألة زيارته الى دمشق قبل التأليف.
لكن نهار الجمعة الماضي (في 3 تموز الحالي) تبلغت الجهات المولجة بالمفاوضات من الجانب السعودي ما يشبه نسخة أخيرة من عرض انطوى على فكرة جوهرها تسهيل تأليف الحكومة بالشروط الحريرية، ومن ثم تبحث لاحقاً مسألة زيارة الحريري الى دمشق.
طبعاً تعددت التأويلات والتكهنات للأسباب التي حالت في الربع ساعة الأخير دون استكمال حلقات "التفاهم" المنشود الذي كان من شأنه استيلاد حكومة وفاق وطني، وفتح صفحة جديدة في العلاقات اللبنانية السورية. فثمة بالطبع أدوار أميركية ومصرية ضغطت على السعودية لكي تكف عن المضي قدماً في رحلة تفاهمات مع دمشق. وثمة ايضاً من يؤكد ان الاعتراض المعلن الذي مارسه خصوصاً مسيحيو 14 آذار، لم يكن هو الأمر الحاسم في توقف التفاهم عند حدوده النهائية، فهذه القوى رفعت عقيرتها بالصياح والاعتراض بأمر عمليات خارجي، ولكي تؤمن "التغطية" الدخانية اللازمة لعملية التراجع عن التفاهم، سواء من السعودية او من الرئيس المكلف نفسه.
وبصرف النظر عن النتيجة، فالواضح ان مسار التفاهم وظروفه قد أدت الى هبوب رياح عصفت بلقاء 14 آذار وأظهرته في وضع المتهالك والهش، والذي يجمع بين جوانبه قوى متباعدة الرؤى، ما زال بعضها يتمترس عند الشعارات التي أطلقها أيام الحرب الأهلية وعاش على وهجها. في حين يستعيد بعضها الآخر بعض هذه الشعارات ليحيي رؤى "انعزالية" على حد وصف النائب وليد جنبلاط لها.
وبصرف النظر عن مآل الامور، فإن السؤال المطروح الآن هو: ماذا بعد؟
اللافت ان القوى المحيطة بلقاء 14 آذار تسعى منذ اللحظة الاولى لتوقف مسار التفاهم السوري السعودي الى الترويج لمقولة ان عملية تأليف الحكومة عادت الى حضنها اللبناني المحض، وهي بالطبع عملية تبريرية هشة وضعيفة ليست الا.
وفي كل الاحوال عاد الرئيس المكلف ليبدأ بدوره اتصالات جديدة مع حلفائه في قوى 14 آذار ومع قوى المعارضة ومع رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان الذي أطلق في الآونة الاخيرة اكثر من رسالة تنم عن استيائه من أمرين اثنين: الاول ان عملية التفاهم على التأليف في الخارج تجري بمعزل عنه، وأنه يرى ان ما يعرض من صيغ حكومية متعددة لا يضمن له الحصة الراجحة والوازنة التي وعد نفسه بها، بعدما أوحت له الأكثرية بأنها ستؤمن وصولها اليه.
ومع هذه العودة شرع مقربون من الرئيس المكلف او من هم في عداد فريق المادحين والمروجين له، في اطلاق وعود جوهرها ان عملية التأليف باتت قاب قوسين او أدنى، وأن ولادة الحكومة ليست متعسرة، وأن الامور في كل الاحوال لا تتجه نحو أزمة حكومية.
وإذا كانت مصادر الرئيس المكلف لا تفكر اطلاقا بالمضي في خيار حكومة اللون السياسي الواحد، فإنه يتعين عليه العودة للتفاهم مع قوى المعارضة والوقوف على هواجسها ومطالبها، بعدما راودته في السابق فكرة امكانية تجاوز هذه المسألة من خلال التفاهم السعودي السوري.
ومع ان المعارضة، لا سيما "حزب الله"، تبدي في كل يوم استعدادها لتسهيل ولادة الحكومة وفتح صفحة جديدة في الحكم والحكومة، فإن الفريق (المعارضة) حدد شروطه الأساسية العريضة، وهو وإن وضع في حساباته في الآونة الاخيرة تجاوز صيغة الثلث الضامن عبر "سلة" متكاملة، فإن هذه الصيغة تصير أساسية عنده في أي مفاوضات مستجدة لإنضاج الطبخة الحكومية بالتفاهم معها.
واستطراداً فإن المعارضة ما زالت عندما طرحته منذ البداية، وهي انها تنتظر العرض النهائي من الرئيس المكلف بالنسبة الى شكل الحكومة والحصص الوزارية فيها لتبني على الشيء مقتضاه، وبالتالي لتحديد الرد النهائي.
ومهما يكن من امر، وبرغم ان البعض يرى ان مسألة التشكيل ما زالت ضمن السقف الزمني المعقول، فإن ثمة ثوابت واضحة أبرزها:
1 ـ ان الرئيس المكلف دخل مرحلة فقدان الكثير من هالة الانتصار الذي كان له بعيد صدور نتائج الانتخابات النيابية.
2 ـ ان امر ولادة الحكومة ليس سهلاً، فهو ما زال محفوفاً بالعقبات.
3 ـ ان المعارضة لا تبدو في وضع القلق او المستعجل، فهي مطمئنة ان لا حكومة من دونها.
4 ـ لم تعطِ المعارضة بعد جوابها النهائي لجهة وضع الثلث الضامن في يد رئيس الجمهورية، فالمسألة محتاجة الى أخذ ورد.
الانتقاد/ العدد 1354 ـ 10 تموز/ يوليو 2009
2009-07-10