ارشيف من :آراء وتحليلات
مسيحيو الموالاة.. بين الغيرة والضدّ

ليلى نقولا الرحباني
لم تكد الانتخابات تنتهي وتشرق شمس المرحلة الجديدة لتأليف الحكومة اللبنانية، حتى عادت الى الواجهة الخلافات المتجذرة بين قوى الرابع عشر من آذار التي قامت الضغوطات الاميركية والتدخلات الخارجية بطمسها قبل الانتخابات، ففرضت الحزبيين من الكتائب والقوات على لوائح المستقبل في مختلف المناطق اللبنانية، على حساب القوى المسيحية الاخرى.
بعد تكليف الحريري بترؤس حكومة ما بعد انتخابات 2009 ودخول الحركة الاقليمية والدولية على خط تأليف الحكومة اللبنانية ورغبة الرئيس المكلف بزيارة دمشق والتشاور، عادت لتطفو الى الواجهة صرخات مسيحيي قوى 14 آذار، ومنهم البطريرك صفير وسمير جعجع اللذان يجدان أنهما استعملا وقودا في التحريض على العماد عون بسبب مواقفه الانفتاحية على المحيط وعلى الداخل اللبناني، وها هما سيكونان ملزمين بالدفاع عن نفس المواقف بعد حين.
أما أمين الجميل، فيبدو انه مضطر الى المزايدة الداخلية لحجز موقع له في السياسة المحلية، فلم يعد يجد مشاكل لبنانية الا سلاح حزب الله، أما المشاكل الاقليمية فزالت كليًا. ولقد بدت الهجومات السابقة التي شنّها على العماد عون بسبب زيارته الى سوريا، أنها مجرد غيرة تمامًا كما حصل في الموقف من زيارة طهران.
في استعادة بسيطة لما حصل خلال زيارة العماد عون الى طهران، قام الجميل بهجوم على الزيارة وحرّض وخوّن العماد عون متهمًا اياه بجرّ المسيحيين الى خيارات خارجة عن تاريخهم وثقافتهم، ولم يكد تمضي أيام حتى استفاق الجميل على جذوره الايرانية وصرّح بأن لآل الجميل جذورا ايرانية، وان بعضهم ما زال يعيش هناك. وفي موقف مشابه، هاجم الجميل العماد عون واتهمه بأنه ضلّ طريق بكركي فوصل الى براد، وأنه ضلّ طريق بيروت فوصل الى الشام، لكن تصريحا كهذا لم يمنعه من أن يعود ويقول بعد الانتخابات انه يتمنى بأن يقوم بزيارة الى سوريا، فيزور الاماكن المقدسة فيها ويقوم بجولات مماثلة لما قام به العماد عون.
إذا، هي مجرد غيرة، استغلها الجميل في الانتخابات لتصوير خطر داهم يجر العماد عون اللبنانيين اليه. فماذا عن البطريرك؟
استفاق البطريرك خلال الانتخابات على العروبة، وتخوّف على الكيان والهوية اللبنانية من خطر وصول المعارضة الى الحكم التي ستغيّر وجه لبنان، مشيرا الى الخطر السوري والايراني. ولعل المتتبع لمواقف البطريرك يدرك أنه لا يعير العروبة اهتماما، وأنه فيما مضى دافع عن السوريين أكثر من دفاع أهل البيت عن أنفسهم، وخاصة خلال الفترة التي كان التيار الوطني الحر يطالب بخروج السوريين من لبنان، ولنا في تصريحاته المعلنة أمثلة وعبر عن التحول الذي أصاب عظات البطريرك وخطبه في المرحلة التي تلت عودة العماد عون الى لبنان وخاصة بعد الخيارات الاستراتيجية التي اتخذها.
إذاً، هي مجرد مواقف "الضد" يتخذها البطريرك، فإذا دافع التيار الوطني الحر عن العلاقات اللبنانية السورية المميزة كان البطريرك ضدها، وإذا كان التيار يصرّح بمواقف تطالب السوريين بالخروج من لبنان تتمحور عظات البطريرك على "الجار والشقيق الذي يحفظ الاستقرار"، وعلى "حكمة الرئيس الاسد" كما جاء في احدى عظاته خلال حقبة الوصاية.
وعليه، لن نستغرب في المستقبل القريب أن تتضمن عظات البطريرك اشادات بالدور السوري في لبنان، ودعوات للمسيحيين للحج الى سوريا، وسيحصل هذا الامر في حال حدوث حالة من حالتين:
ـ إما أن يطلب منه تيار المستقبل ذلك فيكتبها له فارس سعيد أو سمير فرنجية ويقرأها هو، كما هي الحال مع معظم العظات.
ـ أما الحالة الثانية فهي أن يقوم العماد عون بتصريح يعبّر فيه عن استيائه من الدور السوري في لبنان... عندها تتحرك عظات "الضد" وتشنّف آذان المسيحيين بعبارات المديح بالشقيق الاكبر الذي يساعد لبنان في محنه.
بين سياسة الغيرة وسياسة الضد، وسياسة سمير جعجع الذي يحاول أن يتمدد في الحالة المسيحية على حساب حلفائه وخصومه في آن... يبدو أن المسيحيين اللبنانيين سيعيشون مرحلة من أسوأ مراحل ما بعد الحرب الأهلية، فالمراحل القادمة مليئة بالتحديات والمخاطر على الوطن والسيادة والقرار الحر، ومسيحيو 14 آذار مشغولون بتبني سياسة النعامة التي تدفن رأسها في الرمال.
الانتقاد/ العدد 1354 ـ 10 تموز/ يوليو 2009
لم تكد الانتخابات تنتهي وتشرق شمس المرحلة الجديدة لتأليف الحكومة اللبنانية، حتى عادت الى الواجهة الخلافات المتجذرة بين قوى الرابع عشر من آذار التي قامت الضغوطات الاميركية والتدخلات الخارجية بطمسها قبل الانتخابات، ففرضت الحزبيين من الكتائب والقوات على لوائح المستقبل في مختلف المناطق اللبنانية، على حساب القوى المسيحية الاخرى.
بعد تكليف الحريري بترؤس حكومة ما بعد انتخابات 2009 ودخول الحركة الاقليمية والدولية على خط تأليف الحكومة اللبنانية ورغبة الرئيس المكلف بزيارة دمشق والتشاور، عادت لتطفو الى الواجهة صرخات مسيحيي قوى 14 آذار، ومنهم البطريرك صفير وسمير جعجع اللذان يجدان أنهما استعملا وقودا في التحريض على العماد عون بسبب مواقفه الانفتاحية على المحيط وعلى الداخل اللبناني، وها هما سيكونان ملزمين بالدفاع عن نفس المواقف بعد حين.
أما أمين الجميل، فيبدو انه مضطر الى المزايدة الداخلية لحجز موقع له في السياسة المحلية، فلم يعد يجد مشاكل لبنانية الا سلاح حزب الله، أما المشاكل الاقليمية فزالت كليًا. ولقد بدت الهجومات السابقة التي شنّها على العماد عون بسبب زيارته الى سوريا، أنها مجرد غيرة تمامًا كما حصل في الموقف من زيارة طهران.
في استعادة بسيطة لما حصل خلال زيارة العماد عون الى طهران، قام الجميل بهجوم على الزيارة وحرّض وخوّن العماد عون متهمًا اياه بجرّ المسيحيين الى خيارات خارجة عن تاريخهم وثقافتهم، ولم يكد تمضي أيام حتى استفاق الجميل على جذوره الايرانية وصرّح بأن لآل الجميل جذورا ايرانية، وان بعضهم ما زال يعيش هناك. وفي موقف مشابه، هاجم الجميل العماد عون واتهمه بأنه ضلّ طريق بكركي فوصل الى براد، وأنه ضلّ طريق بيروت فوصل الى الشام، لكن تصريحا كهذا لم يمنعه من أن يعود ويقول بعد الانتخابات انه يتمنى بأن يقوم بزيارة الى سوريا، فيزور الاماكن المقدسة فيها ويقوم بجولات مماثلة لما قام به العماد عون.
إذا، هي مجرد غيرة، استغلها الجميل في الانتخابات لتصوير خطر داهم يجر العماد عون اللبنانيين اليه. فماذا عن البطريرك؟
استفاق البطريرك خلال الانتخابات على العروبة، وتخوّف على الكيان والهوية اللبنانية من خطر وصول المعارضة الى الحكم التي ستغيّر وجه لبنان، مشيرا الى الخطر السوري والايراني. ولعل المتتبع لمواقف البطريرك يدرك أنه لا يعير العروبة اهتماما، وأنه فيما مضى دافع عن السوريين أكثر من دفاع أهل البيت عن أنفسهم، وخاصة خلال الفترة التي كان التيار الوطني الحر يطالب بخروج السوريين من لبنان، ولنا في تصريحاته المعلنة أمثلة وعبر عن التحول الذي أصاب عظات البطريرك وخطبه في المرحلة التي تلت عودة العماد عون الى لبنان وخاصة بعد الخيارات الاستراتيجية التي اتخذها.
إذاً، هي مجرد مواقف "الضد" يتخذها البطريرك، فإذا دافع التيار الوطني الحر عن العلاقات اللبنانية السورية المميزة كان البطريرك ضدها، وإذا كان التيار يصرّح بمواقف تطالب السوريين بالخروج من لبنان تتمحور عظات البطريرك على "الجار والشقيق الذي يحفظ الاستقرار"، وعلى "حكمة الرئيس الاسد" كما جاء في احدى عظاته خلال حقبة الوصاية.
وعليه، لن نستغرب في المستقبل القريب أن تتضمن عظات البطريرك اشادات بالدور السوري في لبنان، ودعوات للمسيحيين للحج الى سوريا، وسيحصل هذا الامر في حال حدوث حالة من حالتين:
ـ إما أن يطلب منه تيار المستقبل ذلك فيكتبها له فارس سعيد أو سمير فرنجية ويقرأها هو، كما هي الحال مع معظم العظات.
ـ أما الحالة الثانية فهي أن يقوم العماد عون بتصريح يعبّر فيه عن استيائه من الدور السوري في لبنان... عندها تتحرك عظات "الضد" وتشنّف آذان المسيحيين بعبارات المديح بالشقيق الاكبر الذي يساعد لبنان في محنه.
بين سياسة الغيرة وسياسة الضد، وسياسة سمير جعجع الذي يحاول أن يتمدد في الحالة المسيحية على حساب حلفائه وخصومه في آن... يبدو أن المسيحيين اللبنانيين سيعيشون مرحلة من أسوأ مراحل ما بعد الحرب الأهلية، فالمراحل القادمة مليئة بالتحديات والمخاطر على الوطن والسيادة والقرار الحر، ومسيحيو 14 آذار مشغولون بتبني سياسة النعامة التي تدفن رأسها في الرمال.
الانتقاد/ العدد 1354 ـ 10 تموز/ يوليو 2009