ارشيف من :نقاط على الحروف
ماذا تعني ’سعودي-ويكيليكس’: تحليل إعلامي

يتساءل كثيرون كيف يمكن "تحليل" الإعصار الإعلامي الذي عصف بالمملكة السعودية خلال الأيام الفائتة، بينما يتعامل آخرون مع الحدث على أساس "نتائجه" و"معطياته" متجاهلين ومبتعدين في آنٍ معاً عن فكرته الأساسية: لماذا يستحق هذا الحدث هذه الأهمية القصوى؟ هذا أولاً، ثم لماذا يجب اعتباره "الصفعة" الإعلامية الأبرز التي تتلقاها السعودية منذ نشوئها. فضلاً عن أنَّ هذه الضربة الإعلامية لا يمكن أبداً إخراجها من مجمل "الحرب" الناعمة التي باتت المملكة تعرف تأثيرها أولاً بأول.
شراءٌ بكثافة:
لا ينكر أحدٌ بأن الخليج العربي -والمملكة السعودية على رأسه- اشترى معظم "الإعلام" العربي، حتى إنه قبل أعوامٍ خلت لم يكن هناك –تقريباً- اعلامي أو جهةٍ إعلامية –إلا فيما ندر- لا تأخذ هدية/أعطية/جائزة ممولةً من الخليج. عرفت الانظمة الخليجية تماماً قوة الإعلام لذلك عمدت وبشكلٍ حثيث إلى تطويعه.
جاءت تلك التجربة بعد صراع السعودية-مصر عبدالناصر في سبعينيات القرن الماضي وستينياته، وقتها هاجم الإعلام المصري النظام الملكي السعودي الهش للغاية بحدةٍ بالغة، ودقة أكثر، الأمر الذي أفقد السعودية كثيراً من "صورتها" الناصعة والتي تحاول دائماً "مظهرتها"، فتعرى "خادم الحرمين الشريفين" وأصبح مجرد رجلٍ "سكير يعيش في أوروبا يقضي وقته بين حاناتها وطاولات قمارها" بحسب جريدة مصرية، وظهرت إلى العلن قصصٌ كثيرة عن العائلة المالكة عن فساد أعضائها، والمال الهائل الذي يصرفونه في غير موضعه. يومها فهمت المملكة (والخليج من ورائها) دور الإعلام وقوته، يومها بدا أن الإعلام العربي لا بد له من "لجام"، وهل هناك لجامٌ أقوى من المال؟
بدأت من يومها مرحلةٌ جديدة في الإعلام العربي هي مرحلة الإعلام الخليجي الممول. سعى الخليج إلى شراء كل شيء، شراء الذمم، الأقلام، النفوس، ومن لا يشترى جرى تطويعه بطرقٍ كثيرة، أنت لست معنا؟ إذا خذ مالاً كي لا تكتب ضدَّنا. وبدأت أصوات المعارضة "الإعلامية" لسلوك المملكة وجيرانها يخفت شيئاً فشيئاً، فبات عدد أعداء التاج الملكي السعودي قلةً تحسب على أصابع اليد الواحدة، كما بات من يجرؤ على "شتم" الملك السعودي أقل بكثير. دفع هؤلاء الإعلاميون ثمن مواقفهم تلك من روحهم، وجهدهم وتعبهم، وبالتأكيد من جيبهم الخاص: فطردوا من أعمالهم، لوحقوا أمنياً، وحتى شُهَّرَ بهم وشوهت سمعتههم. كان الإعلام العربي الممول سعودياً قوياً للغاية. لكن في نفس الإطار، حافظت السعودية على هامش شخصيٍ لها، فابقت على إعلامها الداخلي إعلاماً "رسمياً" بكل ما للكلمة من معنى: استقبل وودع .
لم يبتعد الإعلام السعودي أبداً عن ما رسم له من إطار "متزمت" بينما على الهامش الآخر اهتم الإعلام السعودي بجميع "المطبوعات" (وفيما بعد الفضائيات) التي تصله، وكانت السيطرة شبه كاملة، حتى إنها وصلت إلى مرحلة السيطرة على السينما، فظهرت مرحلة أفلام ما سمي بأفلام المقاولات، التي كان هدفها الرئيس أن تتحول إلى سوق الكاسيت المزدهر بشدة في دول الخليج لا أكثر ولا أقل. أما أكثر ما كان يحبذه الخليجيون في تلك المرحلة –وللمفارقة- فهو قصص الجرائم التي كانت تحصل في بلادٍ أخرى (غير السعودية والخليج عموماً) فازدهرت مطبوعات بأكملها تحاكي الأمر، وازدانت كل مجلات ممولة خليجية بهكذا قصص: الرجل الذي يقتل أبناءه ويلتهمهم، المرأة التي تقتل زوجها وتقطعه، وسواها من قصص لا يفهم عاقلٌ لماذا تستحق أهمية في وسيلة إعلامٍ محترمة.
نجح هذا الإعلام خلال الفترة السابقة في السيطرة على كل مفاصل الخبر، حتى إنه صنعه في أغلب الأحيان، فتفننت قناة العربية مثلاً في تحوير وتعديل الخبر خلال الأزمة السورية (ولا تزال حتى اللحظة)، فتأخذ فيديو عادي ليصبح أهم فيديو في التاريخ مع استخدام بهارات إعلامية من نوع: "تابعوا الفيديو الأخطر لإعدام نظام الأسد للملايين" وسواها من العناوين المثيرة للاهتمام وهو الأمر نفسه الذي جاورتها قناة الجزيرة في اللعب عليه. خلال تلك السنوات لم تكن المملكة السعودية (كما الخليج من ورائها) محميةً من أي خبرٍ قد يثير قلاقل تضايقها، بل إنها حتى كانت "حرماً مقدساً" لا يمسه أحدٌ، لا إعلامياً ولا خبرياً، ولا حتى بمجرد التلميح، فطرد مثلاً أحد مقدمي البرامج المصريين من قناة العربية لمجرد أنه ألمح أنه سيتحدث عن النظام السعودي في حلقته الأسبوع المقبل(إبان بدايات الثورة المصرية). إذاً باختصار عرف الخليج تماماً كيف "يبعد" نفسه عن "هزات" الإعلام وضرباته، لكن ما حصل هذه المرة غيّر كل شيءٍ ودمره بشكل مطلق. كل هذه الأموال التي دفعت ورصفت أثبتت في لحظةٍ ما أنها لا تساوي شيئا البتة!
الصفعة المدهشة:
فجأة وخلال يومٍ واحد نشرت جريدة الأخبار اللبنانية بالتعاون مع موقع ويكليكس كل ما أخفاه الرقيب السعودي، صاحب المال، خلال عقودٍ من الزمن، فجأة بات "الخفي" ظاهراً للعيان، بات كل ما دأبت وسائل الإعلام نفسها على إخفائه ودفنه في التراب، ورميه تحت السجادة واضحاً وضوح الشمس. كانت تلك الضربة التي لم يتوقعها السعودي البتة، فترنح لها كما لو أنها الضربة القاضية.
لكن من يعلم النظام السعودي، وخبرته الإعلامية الكبيرة، يعرف أنها لن تكون القاضية أبداً. يمتلك النظام السعودي طاقماً هائلاً من "المفكرين" الإعلاميين الذين اشتراهم ومولهم وكبّرهم خلال عقودٍ من زمن، وهم مزيجٌ من جنسيات. يعمل هؤلاء "المرتزقة" اليوم ليل نهار لتحويل تلك "الوثائق" إلى أكاذيب ودسائس ومؤامرات هدفها "تدمير" السعودية "ورقيها" و"حضارتها".
بدأت تلك الحملة من خلال هاشتاغ "المواطن الصالح" التي تحدد أن "المواطن الصالح" هو الذي لا "يتداول" أو "يقرأ" أو "يشارك" أياً من هذه "الوثائق" مع التلويح بالقانون والتهديد بأن من يفعل ذلك سيتعرض للملاحقة القانونية والسجن والغرامة الكبيرة (فضلاً عن الجلد وقطع اليد وسواها من الأمور المطبقة بشكلٍ استنسابي في السعودية). في الوقت نفسه، وفي اللحظة عينها عملت كتيبة من الكتّاب مدفوعي الأجر على "التخفيف" من "غلواء" الأوراق ودقة معلوماتها، بالإشارة مراراً وتكراراً إلى أنَّ المملكة لطالما قالت بأنها "تعطي" و"تهدي" و"تكرّم" أي أن هذه ليست "أسراراً"، وبأنها "أرقى نظام ديمقراطي" عرفه التاريخ (يمكن النظر إلى مقالات كتّاب جريدة الحياة، ولنأخذ جهاد الخازن مثلاً).
وفي الإطار نفسه أيضاً كان العمل "جارياً" وعلى قدمٍ وساق على الإشارة إلى استضافة أكبر قدر من المحللين السياسيين والثقافيين والاجتماعيين للحديث في أي شأنٍ آخر يختلف عن موضوع الوثائق. في تلك اللحظة بدأ "اللعب" على إثارة أي "أزمات" إعلامية حتى ولو كانت "صنيعة الفراغ" تماماً، فشنت حملةٌ هائلة على الممثل الكوميدي السعودي ناصر القصبي لكونه تناول داعش وتحول الأمر إلى شأنٍ هائل، رغم أن الممثل قد قام بنفس الشيء العام الفائت، ولم يتعرض لأي هجومٍ من أي كان.
كذلك على نفس الصعيد، بدأ التحضير لمرحلةٍ جديدة من الهجوم على كلٍ من "ويكليكس" وجريدة "الأخبار" وكل من ساهم بنشر هذه الوثائق، فتعرض موقع الجريدة أكثر من مرةٍ لهجمات "الكترونية" شديدة، كما تعرضت صفحاتٌ عدة نشرت الوثائق للقرصنة والإغلاق على مواقع التواصل الإجتماعي. أما أكثر ما يراهن السعودي عليه –فعلياً- هو أمرٍ مختلفٍ آخر: النسيان، الإنشغال بالحياة اليومية، وكذلك الإهتمام بمتغيراتٍ طارئة تحدث جديداً كل يوم. فقدوم شهر رمضان الكريم، والكم الهائل من المسلسلات والتسالي وتغييب العقل "المدهش" يجعل قسماً كبيراً من الشارع العربي مشغولاً عن "هذه الوثائق" وأهميتها، هنا يعمل مفهوم "كي الوعي" بشكلٍ كبير.
يأتي كيُّ الوعي وسيلة مباشرةً للإيحاء بأن ما حدث لا أهمية له، وبأنه ببساطة "زوبعةٌ في فنجان"، حيث أظهرت إحدى الإحصائيات التي تبنتها قناة العربية قبل أيام أن "الشعب المصري بمجمله" يعتبر أنَّ الملك السعودي هو "ملك خير"، لكن لم تشر القناة السعودية أي مصدرٍ للدراسة، ولا لنوع العينة، ولا حتى على من أجريت وفي أي مناطق من مصر. قد يستغرب السامع لهذا الخبر لماذا تم اختيار مصر لتلك الدراسة وليس بلداً خليجياً، تبدو قيمة مصر الإعلامية البشرية وكذلك العروبية بالغة القوة، لذلك يلعب الإعلام الممول خليجياً على تلك الفكرة كونها "تكي" الوعي بشكلٍ أكبر من غيرها.
على الجانب الآخر تنشر كل وسائل الإعلام التي باتت على الطرف المناقض للسعودية تلك الوثائق، ولكن دون أي "تحليلٍ" لها(أو في أحسن الأحوال مع تحليلٍ خفيف)، مما يفرّغ تلك الوثائق من أهميتها اللحظية، يعني مثلاً لم يجب حتى اللحظة كثيرٌ من المحللون على القنوات: متى تحديداً طلب سمير جعجع من السعودية مالاً؟ هل طلبه في لحظةٍ سياسيةٍ ما؟ هل طلبه إبان خطوةٍ سياسية ما؟ هذا بالتأكيد غيضٌ من فيض.
في الختام يجب الإشارة إلى نقطة أساسية هي أنَّ هذه الضجة التي أعقبت هذه الوثائق لا بد وأن تستثمر للقيام بخطوةٍ مكملةٍ لترنح الإعلام الممول سعودياً، لا يجب فقط "تعرية" أصحابه، ورموزه، بل يجب "تجريمهم" و"محاصرتهم" وفوق كل هذا توجيه "السهام" الإعلامية إليهم، ذلك أنه في بعض المعارك، ليس عليك أن تتجه للرأس، بل أن تقطع "جميع الأذناب" عندها يسقط الرأس لأنه بات وحيداً دون حمايةٍ أو دفاع!
شراءٌ بكثافة:
لا ينكر أحدٌ بأن الخليج العربي -والمملكة السعودية على رأسه- اشترى معظم "الإعلام" العربي، حتى إنه قبل أعوامٍ خلت لم يكن هناك –تقريباً- اعلامي أو جهةٍ إعلامية –إلا فيما ندر- لا تأخذ هدية/أعطية/جائزة ممولةً من الخليج. عرفت الانظمة الخليجية تماماً قوة الإعلام لذلك عمدت وبشكلٍ حثيث إلى تطويعه.
جاءت تلك التجربة بعد صراع السعودية-مصر عبدالناصر في سبعينيات القرن الماضي وستينياته، وقتها هاجم الإعلام المصري النظام الملكي السعودي الهش للغاية بحدةٍ بالغة، ودقة أكثر، الأمر الذي أفقد السعودية كثيراً من "صورتها" الناصعة والتي تحاول دائماً "مظهرتها"، فتعرى "خادم الحرمين الشريفين" وأصبح مجرد رجلٍ "سكير يعيش في أوروبا يقضي وقته بين حاناتها وطاولات قمارها" بحسب جريدة مصرية، وظهرت إلى العلن قصصٌ كثيرة عن العائلة المالكة عن فساد أعضائها، والمال الهائل الذي يصرفونه في غير موضعه. يومها فهمت المملكة (والخليج من ورائها) دور الإعلام وقوته، يومها بدا أن الإعلام العربي لا بد له من "لجام"، وهل هناك لجامٌ أقوى من المال؟

ماذا تعني سعودي ويكيليكس؟
بدأت من يومها مرحلةٌ جديدة في الإعلام العربي هي مرحلة الإعلام الخليجي الممول. سعى الخليج إلى شراء كل شيء، شراء الذمم، الأقلام، النفوس، ومن لا يشترى جرى تطويعه بطرقٍ كثيرة، أنت لست معنا؟ إذا خذ مالاً كي لا تكتب ضدَّنا. وبدأت أصوات المعارضة "الإعلامية" لسلوك المملكة وجيرانها يخفت شيئاً فشيئاً، فبات عدد أعداء التاج الملكي السعودي قلةً تحسب على أصابع اليد الواحدة، كما بات من يجرؤ على "شتم" الملك السعودي أقل بكثير. دفع هؤلاء الإعلاميون ثمن مواقفهم تلك من روحهم، وجهدهم وتعبهم، وبالتأكيد من جيبهم الخاص: فطردوا من أعمالهم، لوحقوا أمنياً، وحتى شُهَّرَ بهم وشوهت سمعتههم. كان الإعلام العربي الممول سعودياً قوياً للغاية. لكن في نفس الإطار، حافظت السعودية على هامش شخصيٍ لها، فابقت على إعلامها الداخلي إعلاماً "رسمياً" بكل ما للكلمة من معنى: استقبل وودع .
لم يبتعد الإعلام السعودي أبداً عن ما رسم له من إطار "متزمت" بينما على الهامش الآخر اهتم الإعلام السعودي بجميع "المطبوعات" (وفيما بعد الفضائيات) التي تصله، وكانت السيطرة شبه كاملة، حتى إنها وصلت إلى مرحلة السيطرة على السينما، فظهرت مرحلة أفلام ما سمي بأفلام المقاولات، التي كان هدفها الرئيس أن تتحول إلى سوق الكاسيت المزدهر بشدة في دول الخليج لا أكثر ولا أقل. أما أكثر ما كان يحبذه الخليجيون في تلك المرحلة –وللمفارقة- فهو قصص الجرائم التي كانت تحصل في بلادٍ أخرى (غير السعودية والخليج عموماً) فازدهرت مطبوعات بأكملها تحاكي الأمر، وازدانت كل مجلات ممولة خليجية بهكذا قصص: الرجل الذي يقتل أبناءه ويلتهمهم، المرأة التي تقتل زوجها وتقطعه، وسواها من قصص لا يفهم عاقلٌ لماذا تستحق أهمية في وسيلة إعلامٍ محترمة.
نجح هذا الإعلام خلال الفترة السابقة في السيطرة على كل مفاصل الخبر، حتى إنه صنعه في أغلب الأحيان، فتفننت قناة العربية مثلاً في تحوير وتعديل الخبر خلال الأزمة السورية (ولا تزال حتى اللحظة)، فتأخذ فيديو عادي ليصبح أهم فيديو في التاريخ مع استخدام بهارات إعلامية من نوع: "تابعوا الفيديو الأخطر لإعدام نظام الأسد للملايين" وسواها من العناوين المثيرة للاهتمام وهو الأمر نفسه الذي جاورتها قناة الجزيرة في اللعب عليه. خلال تلك السنوات لم تكن المملكة السعودية (كما الخليج من ورائها) محميةً من أي خبرٍ قد يثير قلاقل تضايقها، بل إنها حتى كانت "حرماً مقدساً" لا يمسه أحدٌ، لا إعلامياً ولا خبرياً، ولا حتى بمجرد التلميح، فطرد مثلاً أحد مقدمي البرامج المصريين من قناة العربية لمجرد أنه ألمح أنه سيتحدث عن النظام السعودي في حلقته الأسبوع المقبل(إبان بدايات الثورة المصرية). إذاً باختصار عرف الخليج تماماً كيف "يبعد" نفسه عن "هزات" الإعلام وضرباته، لكن ما حصل هذه المرة غيّر كل شيءٍ ودمره بشكل مطلق. كل هذه الأموال التي دفعت ورصفت أثبتت في لحظةٍ ما أنها لا تساوي شيئا البتة!
الصفعة المدهشة:
فجأة وخلال يومٍ واحد نشرت جريدة الأخبار اللبنانية بالتعاون مع موقع ويكليكس كل ما أخفاه الرقيب السعودي، صاحب المال، خلال عقودٍ من الزمن، فجأة بات "الخفي" ظاهراً للعيان، بات كل ما دأبت وسائل الإعلام نفسها على إخفائه ودفنه في التراب، ورميه تحت السجادة واضحاً وضوح الشمس. كانت تلك الضربة التي لم يتوقعها السعودي البتة، فترنح لها كما لو أنها الضربة القاضية.
لكن من يعلم النظام السعودي، وخبرته الإعلامية الكبيرة، يعرف أنها لن تكون القاضية أبداً. يمتلك النظام السعودي طاقماً هائلاً من "المفكرين" الإعلاميين الذين اشتراهم ومولهم وكبّرهم خلال عقودٍ من زمن، وهم مزيجٌ من جنسيات. يعمل هؤلاء "المرتزقة" اليوم ليل نهار لتحويل تلك "الوثائق" إلى أكاذيب ودسائس ومؤامرات هدفها "تدمير" السعودية "ورقيها" و"حضارتها".
بدأت تلك الحملة من خلال هاشتاغ "المواطن الصالح" التي تحدد أن "المواطن الصالح" هو الذي لا "يتداول" أو "يقرأ" أو "يشارك" أياً من هذه "الوثائق" مع التلويح بالقانون والتهديد بأن من يفعل ذلك سيتعرض للملاحقة القانونية والسجن والغرامة الكبيرة (فضلاً عن الجلد وقطع اليد وسواها من الأمور المطبقة بشكلٍ استنسابي في السعودية). في الوقت نفسه، وفي اللحظة عينها عملت كتيبة من الكتّاب مدفوعي الأجر على "التخفيف" من "غلواء" الأوراق ودقة معلوماتها، بالإشارة مراراً وتكراراً إلى أنَّ المملكة لطالما قالت بأنها "تعطي" و"تهدي" و"تكرّم" أي أن هذه ليست "أسراراً"، وبأنها "أرقى نظام ديمقراطي" عرفه التاريخ (يمكن النظر إلى مقالات كتّاب جريدة الحياة، ولنأخذ جهاد الخازن مثلاً).
وفي الإطار نفسه أيضاً كان العمل "جارياً" وعلى قدمٍ وساق على الإشارة إلى استضافة أكبر قدر من المحللين السياسيين والثقافيين والاجتماعيين للحديث في أي شأنٍ آخر يختلف عن موضوع الوثائق. في تلك اللحظة بدأ "اللعب" على إثارة أي "أزمات" إعلامية حتى ولو كانت "صنيعة الفراغ" تماماً، فشنت حملةٌ هائلة على الممثل الكوميدي السعودي ناصر القصبي لكونه تناول داعش وتحول الأمر إلى شأنٍ هائل، رغم أن الممثل قد قام بنفس الشيء العام الفائت، ولم يتعرض لأي هجومٍ من أي كان.
كذلك على نفس الصعيد، بدأ التحضير لمرحلةٍ جديدة من الهجوم على كلٍ من "ويكليكس" وجريدة "الأخبار" وكل من ساهم بنشر هذه الوثائق، فتعرض موقع الجريدة أكثر من مرةٍ لهجمات "الكترونية" شديدة، كما تعرضت صفحاتٌ عدة نشرت الوثائق للقرصنة والإغلاق على مواقع التواصل الإجتماعي. أما أكثر ما يراهن السعودي عليه –فعلياً- هو أمرٍ مختلفٍ آخر: النسيان، الإنشغال بالحياة اليومية، وكذلك الإهتمام بمتغيراتٍ طارئة تحدث جديداً كل يوم. فقدوم شهر رمضان الكريم، والكم الهائل من المسلسلات والتسالي وتغييب العقل "المدهش" يجعل قسماً كبيراً من الشارع العربي مشغولاً عن "هذه الوثائق" وأهميتها، هنا يعمل مفهوم "كي الوعي" بشكلٍ كبير.
يأتي كيُّ الوعي وسيلة مباشرةً للإيحاء بأن ما حدث لا أهمية له، وبأنه ببساطة "زوبعةٌ في فنجان"، حيث أظهرت إحدى الإحصائيات التي تبنتها قناة العربية قبل أيام أن "الشعب المصري بمجمله" يعتبر أنَّ الملك السعودي هو "ملك خير"، لكن لم تشر القناة السعودية أي مصدرٍ للدراسة، ولا لنوع العينة، ولا حتى على من أجريت وفي أي مناطق من مصر. قد يستغرب السامع لهذا الخبر لماذا تم اختيار مصر لتلك الدراسة وليس بلداً خليجياً، تبدو قيمة مصر الإعلامية البشرية وكذلك العروبية بالغة القوة، لذلك يلعب الإعلام الممول خليجياً على تلك الفكرة كونها "تكي" الوعي بشكلٍ أكبر من غيرها.
على الجانب الآخر تنشر كل وسائل الإعلام التي باتت على الطرف المناقض للسعودية تلك الوثائق، ولكن دون أي "تحليلٍ" لها(أو في أحسن الأحوال مع تحليلٍ خفيف)، مما يفرّغ تلك الوثائق من أهميتها اللحظية، يعني مثلاً لم يجب حتى اللحظة كثيرٌ من المحللون على القنوات: متى تحديداً طلب سمير جعجع من السعودية مالاً؟ هل طلبه في لحظةٍ سياسيةٍ ما؟ هل طلبه إبان خطوةٍ سياسية ما؟ هذا بالتأكيد غيضٌ من فيض.
في الختام يجب الإشارة إلى نقطة أساسية هي أنَّ هذه الضجة التي أعقبت هذه الوثائق لا بد وأن تستثمر للقيام بخطوةٍ مكملةٍ لترنح الإعلام الممول سعودياً، لا يجب فقط "تعرية" أصحابه، ورموزه، بل يجب "تجريمهم" و"محاصرتهم" وفوق كل هذا توجيه "السهام" الإعلامية إليهم، ذلك أنه في بعض المعارك، ليس عليك أن تتجه للرأس، بل أن تقطع "جميع الأذناب" عندها يسقط الرأس لأنه بات وحيداً دون حمايةٍ أو دفاع!