ارشيف من :آراء وتحليلات

على العهد: روح 14 آب

على العهد: روح 14 آب
كتب ابراهيم الموسوي
كثيرون هم الذين تحدثوا أو كتبوا عن 14 آب 2006، يوم النصر الإلهي، يوم تتويج ملحمة الدم التي دامت 33 يوماً وانتهت بهزيمة نكراء للعدو الإسرائيلي والولايات المتحدة الأميركية.
كانت الكتابات بأغلبها قد انصبت على الأبعاد العسكرية للنصر، والتداعيات الاستراتيجية للحدث على جيوبوليتيك المنطقة بأسرها، غير أن ما أودّ الكتابة عنه اليوم، هو شيء مختلف، أودّ الكتابة عن روح 14 آب، بل روح حرب تموز 2006.
ثمة شيء محسوس وملموس، وإن كان غير منظور في هذه الحرب، ثمة روح كانت تسري في الأشياء والأشخاص وتحيلهم إلى كائنات مطمئنة، تربط على قلبها السكينة، ويسكنها الأمان.
لقد شعرت، كما شعر كثيرون غيري ممن قابلت وسألت، أو ممن تتبرعوا ليتحدثوا بأنفسهم عن تجربة الحرب، أنهم كانوا كمن يشاهد فيلماً مسجلاً معروف النهاية سلفاً، ولم تكن نهاية هذه الحرب بالنسبة اليهم موضع شك أو تردد أو التباس، ولو للحظة واحدة.
كانت الخاتمة المتيقنة التي كان الجميع ينتظرها هي النصر، وهذا ما كان؟
من أين أتت هذه السكينة، وكيف سرت هذه الروح في كل الأنفس فجعلتها رابطة الجأش، طويلة الأناة، مؤمنة بتوطين النفس على التضحيات وتقبّلها بقبول حسنٍ.
كانت الأم الثكلى أو العجوز التي خسرت جنى العمر تخرج من بين أنقاض منزلها أو أنقاض روحها لفقدها الأهل والأحبة لتقول بلسان العزم، إن كل التضحيات هي فداء للمقاومة وسيدها، وإن أبناءها الشهداء ليسوا أغلى من أبناء المقاومة ورجالها. وكذا فعل الرجال الذين ودّعوا فلذات أكبادهم أو خسروا ما بنوه على مدى السنين الطويلة.
إن سنوات العمر كلها، بل العمر بأكمله، يختصر في لحظة واحدة، هذه اللحظة، هي لحظة يقف المرء ليختار في القضايا المبدئية، ولقد اختار أبناء هذا الوطن ودون أدنى تردد طريق العز والكرامة، وخيار المقاومة والتضحية وصولاً إلى الشهادة أو النصر، وكلاهما نصر وعز وكرامة في الدنيا والآخرة!
على مدى أيام العدوان، وفي ساعاته الطوال الثقيلة، كنت ومعي كثيرون يرون في عيون بعضهم البعض الثقة والطمأنينة بالنصر، تلك الثقة الغامرة التي ربطت بين  الناس كلهم كلاصقٍ غريب، كان الأثير أيضاً مفعماً بأجواء الطمأنينة، كأن الله سبحانه وتعالى ظلّل الأرواح والأماكن بحجب النور، كأنما تنزلت السكينة على الأوقات والأماكن والأنفس، فلا ترى إلا أرواحاً معلقة بجنبات معدن العزة، أو شفاهاً لا تفتر إلا من صلوات مستديمة، كان ذلك الزمن الجميل لحظة وصلٍ كاملة بين الخلق والحق.
ما صنع الله بنا إلا جميلاً، ولقد أمكن لهذا الجمال المنسكب من أحداق المجاهدين والشهداء والناس والأمكنة أن يتيه فخراً وعزاً ومجداً وكرامة ليلف كل الأرض وليتصل بعنان السماء، لقد أنبتت بساتين الجهاد التي غرسها المجاهدون بأرواحهم مواسم للفرح لا انقضاء لها، ودلالات للنصر لا استنفاد لمعانيها.
يعود 14 آب وتعود معه ذكريات الزمن الجميل الممتد دوماً وأبداً إلى حاضر عزّ لا يميل، ونستعيد معه وفيه روح 14 آب لنعيد القراءة جميعاً في ذلك الكتاب، كتاب النصر!..
الانتقاد/ العدد1290 ـ 15 آب/ أغسطس 2008
2008-08-15