ارشيف من :آراء وتحليلات
’الفخ السوري’ ينقلب وبالًا على المنظمات التكفيرية

هناك مثل عربي قديم يقول: "وعلى الباغي تدور الدوائر".
وهذا المثل الحكيم ينطبق تماما، وسينطبق اكثر فأكثر على سوريا، التي أريد لها ان تكون "فخا افغانيا" ثانيا لروسيا وحلفائها الإقليميين: ايران والمقاومة بقيادة حزب الله. فانقلبت الى فخ معاكس للمنظمات التكفيرية والكتلة الغربية وحلفائها الإقليميين.
مهزلة "الربيع العربي"
فمع انطلاقة ما أسمته آلة البروباغندا الأميركية وزعانفها العربية "الربيع العربي"، فإن الكثير من المثقفين العرب "المرهفين" و"المزيفين" تزحلقوا في حينه بهذه التسمية ووقعوا في الفخ تماما، وقد خيل إليهم ان الجماهير العربية تتحرك نحو تحقيق الديمقراطية التي طالما طمحت اليها.
ولكن سرعان ما تبين ان التحركات الجماهيرية والشعارات "الديمقراطية" انما استخدمت من قبل الأجهزة الاستخباراتية الغربية والعربية والإسرائيلية والتركية لاجل اصطناع موجة جماهيرية مزيفة (يوتوبية ـ فيسبوكية ـ تويترية) تستخدم كغطاء لحشد وتحريك ما يسمى بـ "الجيش الإسلامي! العالمي" المسلح، بقصد إزاحة بعض الأنظمة العربية الضعيفة او غير المطواعة، وتقويض المجتمعات العربية من اساسها، وفرض القوى التكفيرية على الساحة العربية، وأخيرا وهذا هو بيت القصيد: استدراج روسيا للتدخل العسكري المباشر كما جرى في أفغانستان، ثم التحضير لاقامة حلف "إسرائيلي ـ تركي ـ اسلاموي" بزعامة تركيا، لمحاربة حزب الله وايران وروسيا نيابة عن حلف الناتو وأميركا.
وقد انفضحت لعبة "الربيع العربي" على الساحة العربية بشكل عام، وفي سوريا بشكل خاص.
أين هو جورج صبرا الآن؟
وفي حين ـ على سبيل المثال ـ كان الشيوعي السابق جورج صبرا يصرخ ان ما كان يسمى "الثورة السورية!" و"المعارضة السورية!" هما "سلميتان!" ويؤكد انه "لا توجد طائفية في ثورته السورية!"، كانت عصابات "النصرة" و"القاعدة" و"داعش" ومن لف لفها ترتكب ابشع الفظائع ضد كل الناس، باسم "الإسلام التكفيري!" و"الجهاد!" .
سوريا وروسيا
محاولة توريط روسيا كما في افغانستان
ونظرا للعلاقة التاريخية الواسعة لروسيا بسوريا كدولة، خلال عهد الأسد الاب ثم الابن، وقبل عهد الأسد منذ 1954، فقد تراءى للتكفيريين واسيادهم في واشنطن وانقرة وتل ابيب وأقنعتهم وابواقهم الصبراوية (نسبة لجورج صبرا) انه يمكنهم جر الجيش الروسي الى "فخ أفغاني" ثان، أي التدخل العسكري الروسي المباشر في سوريا، ثم يأخذون في الصراخ والعويل لتبرير القيام بالعمليات الإرهابية الوحشية داخل الأراضي الروسية ذاتها، من جهة، ولتبرير التدخل العسكري الغربي المباشر ضد سوريا من جهة ثانية. وبلغت بهم "الثقة بالنفس" الى حد ان رئيس المخابرات السعودية السابق، بندر بن سلطان، زار روسيا وقدم لها عروضا سياسية واقتصادية سخية، احدها هو انه "وعد" الرئيس بوتين باستخدام نفوذ المملكة لدى المجموعات التكفيرية لضمان عدم القيام بعمليات إرهابية في سوتشي خصوصا وفي روسيا عموما (بمناسبة الألعاب الأولمبية الشتوية التي كان يجري التحضير لها في روسيا في الشتاء الماضي)، وذلك مقابل ما يسمى "تخلي روسيا عن نظام الأسد" وإضعاف التعاون العضوي بينها وبين ايران. ولعل فشل زيارة الأمير بندر الى روسيا كان احد أسباب غيابه عن مواقع القرار المباشرة في المملكة.
وبلغ صراخ المعارضة "الصبراوية" السورية عنان السماء بأن استخدام الفيتو الروسي والصيني في مجلس الامن لمنع التدخل العسكري الغربي المباشر ضد سوريا، يعتبر هو ذاته "تدخلا" في الشؤون السورية وعملا معاديا لـ"الشعب" السوري.
"الفخ السوري" ينقلب على اصحابه
وبنتيجة العمى السياسي للتكفيريين واسيادهم، فإنهم لم يستطيعوا ان يروا ان "الفخ" الذي أرادوا نصبه لروسيا في سوريا قد انعكس عليهم، وتحولت سوريا (ومن ثم العراق أيضا) من فخ للايقاع بروسيا، الى فخ للايقاع بالإرهابيين انفسهم، لفضحهم امام العالم اجمع ولمحاولة تكتيل دول وشعوب العالم قاطبة ضدهم، بتجميعهم وتصفيتهم والقضاء عليهم في سوريا (والعراق). وبالنسبة لروسيا بالذات، فإن تجميع الإرهابيين في سوريا (والعراق) كان "فرصة ذهبية" للمخابرات الروسية لابتعاد الإرهابيين "الروس" ومن الجمهوريات "السوفياتية" السابقة، عن مواطنهم، ومن ثم لكشف هوياتهم والشبكات المرتبطة بهم، ومراقبتهم بدقة وتصيدهم لدى عودتهم من "دوراتهم الجهادية". وقد تأكدت أهمية هذا الجانب لدى اغتيال المعارض الروسي بوريس نيمتسوف ليلة 27 شباط الماضي في موسكو، كون المنفذون كانوا عناصر شبكة شيشانية تحت المراقبة لارتباطها بـ"الجهاد" في سوريا. وبالامس القريب كشفت قوات الامن القيرغيزية شبكة مرتبطة بـ"داعش" ويقودها داعشي كازاخستاني يدعى جانبولات اميروف كانت تنوي تفجير أماكن عامة في اول يوم عيد الفطر المبارك ومهاجمة القاعدة الجوية الروسية في قيرغيزيا.
الافعى تلدغ "حاويها"
وامام الفشل التاريخي لمخطط تجميع ما يسمى بـ"الجيش الاسلاموي العالمي" في سوريا خاصة وجغرافية "الربيع العربي" عامة، اضطرت الإدارة الأميركية ذاتها للتبرؤ من "القاعدة" و"النصرة" و"داعش"، والاعتراف بأنها تنظيمات إرهابية تهدد شعوب وبلدان العالم المتمدن اجمع. وبعد ان كانت الولايات المتحدة وجوقتها العالمية وزعانفها العربية تدعو لعقد مؤتمرات "أصدقاء سوريا" لدعم "المعارضة الصبراوية السورية!"، تحولت ولو ظاهريا 180 درجة نحو الدعوة لتشكيل جبهة دولية ضد "داعش" وغيرها من المنظمات الارهابية، والاعلان عن الاستعداد لتدريب وتسليح المعارضة السورية "المعتدلة" التي تقف ضد "داعش". وقد تبينت مدى جدية الإدارة الأميركية في "مكافحة الإرهاب" بأن تمخضت أخيرا الجهود الأميركية الجبارة عن الإعلان عن انجاز تدريب وتسليح 60 عنصرا لهذه الغاية، ينتمون إلى "المعارضة السورية المعتدلة". ولم يتوان مختلف المسؤولين الاميركيين والغربيين عن التصريح بأنه لا حل عسكريا للازمة السورية. بل ان وزير الخارجية الأميركية جون كيري لم يمانع حتى في الدعوة الى التفاوض مع الرئيس الأسد ذاته لايجاد تسوية سلمية.
الاتفاق النووي مع ايران
وفي حين كانت تجري عملية "شيطنة" ايران وفرض الحصار والعقوبات الاقتصادية ضدها، بحجة سعيها لامتلاك السلاح النووي، اضطرت الكتلة الغربية بزعامة اميركا لتوقيع "الاتفاقية النووية" الأخيرة مع ايران، التي تم بموجبها الاعتراف بحق ايران في امتلاك تكنولوجيا الطاقة النووية للأغراض السلمية، وبدور ايران، الحليف العضوي لروسيا، في حل مشاكل المنطقة، ثم الشروع في رفع الحصار والعقوبات الاقتصادية عنها. وذلك على عكس ما كانت تطمح اليه إسرائيل وتركيا والمنظمات الإرهابية واسيادها.
السيناريو "السوري" يتكرر في أوكرانيا تحت تسميات مختلفة
وبعد الفشل التام في استدراج روسيا الى "فخ افغاني" ثان في سوريا، نشهد الان بالعين المجردة ان السيناريو "السوري" ذاته يتكرر في أوكرانيا، وان بظروف وادوار مختلفة، تبعا لاختلاف طبيعة القوى السياسية في كلا البلدين. وهذا ما سنتناوله على حدة.