ارشيف من :آراء وتحليلات

وأوكرانيا ’فخ روسي’ للنازية الغربية (3/4)

وأوكرانيا ’فخ روسي’ للنازية الغربية (3/4)

انقسام الانقلابيين الفاشست الى "معتدلين" و"متطرفين"

 

ان تغيير ميزان القوى على الأرض، وانفضاح وحشية قوات كييف و"المتطوعين" الفاشست من غرب أوكرانيا، اجبر بوروشينكو على القبول بالوساطة التي تقوم بها رباعية "روسيا، المانيا، فرنسا وبولونيا" والجلوس الى طاولة المفاوضات مع ممثلي جمهوريتي الدونباس، مما يعتبر عمليا اعترافا "ديفاكتو" بالجمهوريتين.

 

وقد أسفرت المباحثات، التي استضافها الرئيس البيلاروسي الكسندر لوكاشينكو في العاصمة مينسك، عما يسمى "اتفاق مينسك" لوقف القتال مقابل برنامج كامل من الإصلاحات المقترحة، على رأسها اجراء إصلاحات دستورية جذرية، تقضي بتجريم الحملات العنصرية المعادية للروس، ومنح مقاطعتي دونيتسك ولوغانسك وضعا استقلاليا خاصا ضمن اتحاد فيديرالي اوكراني، والمحافظة على حيادية أوكرانيا. كما يتضمن الاتفاق وقف اطلاق النار، وسحب الأسلحة الثقيلة والمتوسطة، وإيجاد منطقة عازلة مجردة من السلاح بين الطرفين، تقضي بانسحاب كل طرف مسافة 50 ـ 75 كلم ضمن أراضيه.

اميركا غير راضية عن "اتفاق مينسك"

ولكن الدبلوماسية الأميركية لم تكن أيضا راضية عن "اتفاق مينسك"، لما ينطوي عليه من احتمالات تقارب روسي ـ اتحاد أوروبي. ووجد الرفض الأميركي ترجمته في المعارضة الشديدة للاتفاق من قبل المنظمات الفاشستية المتطرفة، وعلى رأسها ما يسمى تنظيم "القطاع الأيمن" برئاسة دميتريي ياروش، لأن مقتضيات هذا الاتفاق تسقط كل الأساس التعبوي العنصري لتلك التنظيمات. وفيما كانت التنظيمات الفاشستية تعارض الاتفاق وتعمل لخرقه وافشاله، فإن بوروشينكو، الذي يدعي انه "رئيس لكل الاوكرانيين" والذي يحمل الاتفاق توقيعه، يتظاهر بتأييد الاتفاق، وان كان يراوغ ويتحجج "بصعوبة تنفيذه". في حين ان رئيس الوزراء العميل أرسيني ياتسينيوك يقف في الوسط ويلعب على الحبلين، باحثا له عن دور في حال نجاح الاتفاق او فشله وهو الأرجح.

"جمهورية القطاع الأيمن" في مقاطعة "زاكارباتيا" (ما وراء جبال الكاربات)

وفيما تجري النشاطات على قدم وساق لتطبيق "اتفاق مينسك"، بالرغم من المعارضة له، كانت تجري في اقصى غرب أوكرانيا، في مقاطعة "زاكارباتيا" ("ما وراء الكاربات" ـ جبال الكاربات) احداث امنية هي مقدمة لانفجار جديد في وسط وغربي أوكرانيا. وقبل ان نستعرض تلك الاحداث، التي لم تنته فصولها بعد، علينا ان نتوقف قليلا عند النقطة التالية:

الحدود الروسية "المفتوحة" (في السابق) انعشت المافيات الفاشستية الاوكرانية

بعد ان الغت روسيا سياسة "الأبواب المفتوحة" امام تدفق المواطنين والشاحنات و"تجارة الشنطة" من أوكرانيا الى روسيا، بدون جمارك وبدون حسيب ولا رقيب، تلقى الاقتصاد الاوكراني ضربة قاضية لن يكون لها علاج سوى زوال أوكرانيا عن الخريطة وعودتها كجزء من الأراضي الروسية كما كانت غالبية أراضيها قبل الحرب العالمية الأولى.

وأوكرانيا ’فخ روسي’ للنازية الغربية (3/4)

ولكن يوجد هنا تفصيل مهم، وهو انه ليس فقط الاقتصاد الاوكراني بشكل عام تلقى الضربة، بل تلقت الضربة أيضا المافيات الأوكرانية (وغالبيتها من غربي أوكرانيا) ذات الانتماءات والتوجهات النازية ـ الكاثوليكية ـ البروتستانتية ـ اليهودية ـ الخيانية، العميلة للغرب، والمعادية للروس وروسيا.

وقد كان يوجد تطابق عجيب، شبه كلي، بين العصابات المافياوية والتنظيمات النازية. وكانت تلك العصابات هي المستفيد الأكبر من مفتوحية الحدود الروسية، لاجل تهريب كل شيء الى ومن روسيا. وبعد ان أغلقت بوجهها تماما التجارة غير المشروعة الى ومن روسيا، أصيبت المافيات بالتواء تام ادار رأسها من الشرق الى الغرب.

استباحة الحدود مع دول الاتحاد الأوروبي

وتحت غطاء تجميع "المتطوعين الوطنين" وتدريبهم وتسليحهم وارسالهم للقتال الى جانب الجيش في شرقي أوكرانيا، بدأ التنظيم الفاشستي ـ المافياوي المسمى "القطاع الأيمن" بزعامة النائب دميتريي ياروش، بفرض هيمنته على مقاطعة "زاكارباتيا" في غربي أوكرانيا، التي تقع على الحدود مع بولونيا، سلوفاكيا، المجر وبولونيا، وهي دول أعضاء في الاتحاد الأوروبي، وتحويل تلك المقاطعة الى منطقة تهريب واسع النطاق من والى أوكرانيا. ولهذه الغاية حفرت انفاق خاصة على امتداد الحدود. ويتم التهريب عبر الانفاق وانابيب خاصة، وحتى بواسطة الطائرات الشراعية والطائرات الصغيرة. ومداخيل هذا "السوق" تبلغ مئات ملايين، اذا لم يكن مليارات الدولارات: ويكفي ان نذكر ان شاحنة واحدة محملة بالسجائر الأوكرانية الرخيصة تحمل "لاصحابها" ربحا بملايين الدولارات. وعدا السجائر تعبر الحدود مع المجر وسلوفاكيا: الاخشاب، السبيرتو، البنزين، الادوية وغيرها كثير. وبالمقابل يتم تهريب الأسلحة والمخدرات والمسروقات من السيارات وغيرها من دول الاتحاد الأوروبي الى أوكرانيا التي، شيئا فشيئا، تصبح بحاجة الى كل شيء.

التداخل السياسي ـ المافياوي

ودخل على خط المزاحمة في عمليات التهريب سياسيون تابعون لرئيس الجمهورية الأسبق فيكتور شيفتشينكو الذي جاء الى السلطة في اعقاب "الثورة البرتقالية" في 2005.
ودخل على هذا الخط أيضا رجل الاعمال المعروف والنائب في البرلمان ميخائيل لانيو، الذي يتهم بأنه من اشهر المهربين في المقاطعة.

ضاعت الحدود بين السلطة والمافيا والنازية

وفي حمى المزاحمة من اجل التهريب، اخذت العصابات المافياوية ـ النازية تزايد على بعضها البعض، من جهة، كما تزايد كلها على السلطة الانقلابية في كييف، من جهة ثانية، في معاداة الروس والدعوة الى قتلهم، وحتى دعوة الناتو الى ضرب روسيا بالقنابل النووية. وبنتيجة الرشوة والفساد واسعي النطاق، تبعا لمقتضيات التهريب، ضاعت تماما الحدود بين قوات الامن و"المحافظة على القانون" وبين العصابات، كما ضاعت الحدود بين العصابة المافياوية بمفهومها الاجرامي، وبين العصابة النازية بمفهومها العنصري ـ السياسي المغلف "بالدين" او "بالوطنية".

حرب صليبية جديدة

تذكر المراجع التاريخية انه حينما دعا الفاتيكان في نهاية القرن الحادي عشر لتوجيه الحملات الصليبية ضد الشرق العربي وضد روسيا، تقاطرت كل حثالات أوروبا للتطوع في القوات الصليبية، بالإضافة الى عشرات آلاف الفرسان الاقطاعيين "المنضبطين". وقبل وصولها الى أهدافها المرسومة، كان مرور هؤلاء في أية منطقة اوروبية، يمثل كابوسا وكارثة حقيقيين لسكان تلك المناطق.

واليوم أيضا تشهد أوكرانيا الصورة ذاتها، بمباركة وصلوات وغفران الفاتيكان: فعصابات المافيات والنازيين الجدد، "المتطوعين" للقتال ضد الروس، بحجة "تحرير" شرق أوكرانيا وشبه جزيرة القرم، ليسوا اكثر من عصابات "صليبية" جديدة، مع فارق بسيط، هو ان العصابات الصليبية القديمة كانت "ترمي اوساخها" خارج "مناطقها الخاصة"، فإن "النازيين الجدد" بدأوا يعيثون فسادا داخل مناطقهم ذاتها، في وسط وغربي أوكرانيا، وبدأوا يقاتلون سلطتهم الانقلابية ذاتها، وبعضهم بعضا، كقتال الكلاب المسعورة.  

وبدأت السلطة الانقلابية في كييف ـ التي سبق ان دعت ودعمت تشكيل "فصائل المتطوعين" ـ تخشى من هذه العصابات التي لا تعترف بأية سلطة. ولكن سلطة كييف لم يعد بإمكانها حل تلك الفصائل بالطرق القانونية والمشروعة، وبقرارات صادرة عن البرلمان، كما سبق وشكلتها، وصار لزاما عليها ان توجه ضدها السلاح وتقاتلها، كي تحفظ ماء وجهها كسلطة "شرعية" وتتظاهر "بالمحافظة على القانون" وعلى "سلامة المواطنين" واملاكهم، وخصوصا كي "تغسل يديها" من التهريب من والى دول الاتحاد الاوروبي.
 

للاطلاع على الجزء الاول

الجزء الثاني

الجزء الرابع

 

2015-08-06