ارشيف من :آراء وتحليلات
أردوغان: مغامرة جديدة وفشل متزايد

واشنطن تتخلى عن تركيا لصالح الأكراد
يبدو أن مشاريع أردوغان قد دخلت في الطريق المسدود، وأن حربه على الأكراد وأحزاب المعارضة قد بدأت بدفع تركيا نحو مرحلة من عدم الاستقرار المفتوح على ما هو أسوأ.
لم يفز حزب العدالة والتنمية بأغلبية مطلقة في الانتخابات التشريعية التي جرت في تركيا بتاريخ السابع من حزيران/يونيو الماضي. وعلى ذلك، لم يعد بمقدور أردوغان أن يحكم تركيا بمفرده وبالشكل الذي يليق برجل كلُّ همه أن يعيد تركيا العثمانية إلى الحياة، وأن يتربع شخصياً على العرش الذي تربع فوقه سلاطينها الكبار الأوائل.
لذا، يسعى أردوغان جهده كي تسير الأمور بشكل تصبح معه الانتخابات ... "كأنها لم تكن". ولما كان تشكيل حكومة ائتلافية تضم معارضين يمكنهم أن يعرقلوا التوجهات الأساسية للسياستين، الداخلية والخارجية، لحزب العدالة والتنمية، فإن عرقلة تشكيل مثل هذه الحكومة تشكل أولوية مطلقة بالنسبة لأردوغان. وهذا هو السبب في كثرة العوائق التي حالت دون تشكيلها حتى الآن.
حل فاشل عن طريق الحرب
وكي ينجح في إعادة الأمور إلى ما كانت عليه قبل التاسع من حزيران/يونيو، يتركز رهان أردوغان، في مرحلة أولى، على ورقة الانتخابات المبكرة. وفي مرحلة ثانية على إسقاط هذه الورقة بورقة الحرب.
ولكن إحساس أردوغان - وهو إحساس مبرر ووجيه لاستناده إلى معطيات في منتهى الواقعية - بأرجحية خروج الانتخابات المبكرة، فيما لو أجريت، بنتائج أكثر كارثية من نتائج الانتخابات التشريعية، جعله يستعجل استخدام الورقة الثانية، ورقة الحرب.
الأكراد وتركيا
وأية حرب؟ حرب اجتمعت فيها مجموعة كبيرة من عناصر الكذب والانتهازية واللعب على أوتار التعصب الـ"شوفيني" والديني. مع التنويه بأن عنصر الغباء السياسي هو الذي يطغى بشكل واضح على بقية العناصر.
فقد استغل أردوغان التفجير الذي وقع في مدينة سوروك الواقعة جنوب تركيا وأدى إلى سقوط عشرات القتلى والجرحى الأكراد (بعض المصادر تؤكد أن التفجير هو من صنع أجهزة الاستخبارات التركية)، ووجه التهمة بالمسؤولية عنه إلى "داعش"، علماً أن الأخيرة لم تعلن، خلافاً لعادتها في مثل هذه المواقف، تبنيها للهجوم.
وبناءً على ذلك، تظاهر أردوغان بتصديق مزاعم واشنطن وشركائها في التحالف حول محاربة "داعش"، فقدم حربه على أنها أيضاً حرب على "داعش"، وقامت طائراته بشن غارة بقذائف غير متفجرة على أحد مواقع التنظيم، ظناً خاطئاً منه بأن ذلك يمنحه رضا الأميركيين وتأييدهم لمشروعه المتعلق بإقامة منطقة عازلة شمال سوريا.
وبالطبع، يحار المرء في إيجاد اسم ملائم لهذا السلوك، في وقت لم تتعرض فيه معسكرات تدريب "داعش" في تركيا لأي إزعاج، وعمليات بيع النفط العراقي والسوري من قبل "داعش" لتركيا، وأنشطة مئات وآلاف الدعاة والعملاء الـ"داعشيين" في تركيا...
الدولة الكردية
أما القصف الحقيقي، فقد استهدف مواقع لحزب العمال الكردستاني في سوريا والعراق وتركيا نفسها. كما استهدف السكان المدنيين وأوقع الكثير من الضحايا. ولم يكتف أردوغان بإعادة فتح الحرب على الأكراد، وهي الحرب التي سقط فيها ما يزيد على خمسين ألف قتيل، وشكلت إرباكاً كبيراً لتركيا على أكثر من صعيد، قبل التوصل إلى هدنة مع حزب العمال الكردستاني في العام 2013، بل أرفق ذلك بحملة اعتقالات واسعة النطاق شملت مئات الناشطين الأكراد واليساريين في مختلف أنحاء تركيا. كما اتخذت إجراءات قضائية بحق العديد من زعماء أحزاب المعارضة.
أما لماذا هذا الانقلاب على الأكراد ونقض ما تم توقيعه من عقود ومعاهدات معهم؟ فلذلك سببان: الأول هو تنامي قوة المعارضة وسعي أردوغان إلى ترميم الجسور مع المؤسسة العسكرية بعد كل التهميش والتضييق اللذين فرضهما عليها خلال السنوات السابقة. والواضح هنا أن أردوغان يلعب على ورقة استياء العسكر حتى من منح الأكراد بعضاً من حقوقهم الإدارية والثقافية.
أما السبب الثاني فهو سعي الأكراد الواضح إلى إقامة دولة كردية مستقلة أو ذات حكم ذاتي في المناطق الحدودية بين تركيا وسوريا، وهي مناطق تتصل بتلك التي أقيم فوقها الحكم الذاتي الكردي في شمال العراق. أي أن إقامة هذا الكيان تصطدم بطموح أردوغان إلى التوسع جنوباً على حساب العراق وسوريا كخطوة على طريق استعادة "ممتلكات" الدولة العثمانية في سائر المنطقة.
والأكيد أن أكثر ما يقض مضاجع أردوغان في هذا المجال هو أن ما يحرزه الأكراد من تقدم إنما يتم بدعم مباشر من قبل الولايات المتحدة، حليفة تركيا في المنطقة وشريكتها في حلف الناتو والتي تبدو راضية عن تفاقم أزمات تركيا بوصفها واحدا من بلدان المنطقة المرشحة، باستثناء الكيان الصهيوني. للتفكيك بعد السباحة في أنهار الدم، دون أن تعود عليها بأي نفع خدماتها المقدمة إلى واشنطن.