ارشيف من :آراء وتحليلات

كيف تستفيد ايران من الاتفاق النووي وتجيّره لصالح المنطقة؟

كيف تستفيد ايران من الاتفاق النووي وتجيّره لصالح المنطقة؟

لم يمض ثلاثة اسابيع على توقيع الاتفاق النووي بين إيران ودول الغرب، حتى تمظهرت أهمية ودلالات هذا الاتفاق على اكثر من صعيد، فكل المؤشرات توحي بل تؤكد ان الاتفاق لم يكن سوى البداية، وأن خطوات أخرى قادمة، لمعالجة ملفات المنطقة، وهو ما ظهر سريعاً بالانفتاح الغربي تجاه طهران، وبطبيعة الملفات والقضايا التي بدأ يثيرها الزائرون الغربيون الى طهران، وبالحراك الدولي والاقليمي على خطوط أزمتي اليمن وسوريا، فالتمعن بالتطورات التي أعقبت توقيع الاتفاق النووي بين إيران والسداسية الدولية، يفضي بلا شك الى جملة استنتاجات جوهرية تبرز معالم المرحلة القادمة.

أولاً – بدا واضحاً ان ايران تسعى لتجيير اتفاق فيينا بنواح ايجابية، وتعميم الاستفادة منه على كل المنطقة وعدم توجيهه ضد أحد، وظهر ذلك من الجولة السريعة التي اجراها وزير الخارجية الايراني محمد جواد ظريف على دول الجوار الكويت وسلطنة عمان والعراق. وكذلك مما ردَّده المسؤولون في ايران على مسمع الزائرين الغربيين، حول مدى استعداد ايران للتشاور لارساء الامن والاستقرار، وتحويل الخلافات الى تفاهم بالحوار.

ثانياً – بدا واضحاً ان توقيع الاتفاق النووي مع الغرب لا يحيد ايران قيد انملة عن مبادئ ثورتها الاسلامية، ولا يغير قناعتها تجاه فلسطين والمقاومة في المنطقة، بل يشكل إنجازاً لا بد أن تنعكس إيجابياته السياسية والاقتصادية على محور المقاومة بأكمله، وهو ما أكد عليه قائد الحرس الثوري اللواء جعفري يوم تصديق مجلس الامن الدولي على الاتفاق، وكذلك خطاب آية الله العظمى الامام السيد علي الخامنئي الذي أكد  استمرار مقارعة الاستكبار عشية توقيع الاتفاق. وهذا يعني ان ايران لن تعطي للغرب بالدبلوماسية ما لم تعطه إياه بالعقوبات والضغوطات. انطلاقًا من ذلك سيبقى التعريف الاميركي للارهاب، مغايراً تماماً لرؤية ايران التي ستبقى سنداً للمقاومة ودول الممانعة في المنطقة بمواجهة "اسرائيل".

ثالثاً - الاتفاق النووي أظهر وحدة الموقف الإيراني حيال الملفات المصيرية المتعلقة بمستقبل بلادهم، وهو ما ظهر من خلال التزام الطرف المفاوض بالخطوط الحمراء التي رسمها الامام الخامنئي لحدود التفاوض، والالتفاف الشعبي حول القيادة الايرانية في قدرة على التناغم قلّ نظيرها، استطاعت ان تكسر قيد العقوبات، وتحقق انتصاراً تاريخياً أنهى الأزمة النووية المفتعلة من قبل الغرب وحرر اموالها المجمدة وشكل فرصة للانفتاح على طهران.

رابعاً- زيارات المسؤولين الغربيين الى طهران عقب الاتفاق كان لها بمعظمها ثلاثة ابعاد سياسية واقتصادية ودولية، فركزت بمجملها على استعادة العلاقات الثنائية والانفتاح الاقتصادي والسياسي لمعالجة ملفات المنطقة الشائكة وقضايا الارهاب الدولي، وبدا ان الغرب يعول على ادوار كبيرة لايران في حل ازمات المنطقة العالقة ومحاربة الارهاب.

على الصعيد الاقتصادي، نجحت ايران بتحويل التهديد الدولي الى فرصة، وهو ما ظهر جلياً من تسابق الوفود الاقتصادية الاوروبية نحو طهران (المانية، ايطالية، وفرنسية..)، ما جعلها قبلة الغرب اقتصادياً، وهو ما ستتضح آثاره بشكل اكبر بعد انتهاء مهلة الـ90 يوماً التي نص عليها الاتفاق، حيث يرتقب ان يتحرر أكثر من 100 مليار دولار من الأموال الإيرانية المجمدة ويعاد إدخال إيران إلى النظام المصرفي العالمي (السويفت) وتصبح قادرة على تصدير النفط وجميع أنواع الصادرات بدون أي عراقيل ما سينعكس تنشيطاً للقطاعين التجاري والصناعي فيها وزيادة في نسبة النمو.

كيف تستفيد ايران من الاتفاق النووي وتجيّره لصالح المنطقة؟

الاتفاق النووي

اما سياسياً، فقد اضحت ايران قطب الرحى في المنطقة اليوم، تحج اليها الوفود السياسية الغربية، من كل حدب وصوب (موغريني، وزير الخارجية الالماني، وزير الخارجية الفرنسي، ورئيس النمسا..)، بعدما برهنت للعالم بأن نهج التفاهم والحوار الذي تعتمده في سياساتها هو النهج الأسلم، بمواجهة نهج الحروب والتهديد والعقوبات الذي تعتمده اميركا والذي اثبت عقمه، من هنا بات واضحاً أن الآثار السياسية المرتقبة للاتفاق مستقبلاً ستتبدى على المستوى الدولي، وهو ما بدأ من خلال التطبيع الممنهج لعلاقات إيران مع دول الغرب، والذي يتوقع أن ينتقل إلى المستوى الإقليمي كترتيب لقاءات سعودية - إيرانية برعاية غربية، ومعالجة الازمات السورية واليمنية بالسبل والحلول السلمية.. وان كان ذلك يتوقف على اثبات الغرب بداية صفاء نواياه وصدقيته، وحينما يسلك الاتفاق النووي طريقه، يمكن ان يشكل ذلك مؤشراً  يتوسع ليشكل قاعدة للتفاهم حول ملفات اخرى.

وهنا يبرز بشكل اساسي اهمية نجاح ايران بحصر التفاوض في الملف النووي، لإبعاد هذا الملف عن تعقيدات وتشعُّبات ملفات المنطقة، ما كان من شأنه ان ينعكس سلباً على توقيع الاتفاق من جهة، ويعطي فرصة للغرب لتظهير ايران بأنها تساوم على حلفائها في المنطقة، وهو ما لا ترضاه ايران اطلاقاً، انطلاقاً من مبادئها وثوابتها، فكان نجاحها بوضع كرة توقيع الاتفاق وتنفيذه في ملعب الغرب، وتحديداً الاميركي.

وفي ملف الارهاب، بدا ان تحولاً ما تشهده المنطقة، باتجاه سبل معالجة هذا الملف، بعدما فشل "التحالف الدولي" في تحقيق اي نتائج، وبعدما بات الارهاب يطرق باب مموليه وداعميه وامتد ليضرب عقر دار دول المنشأ والمساندة، والدول الغربية، ويتحول الى تهديد عالمي، بعدما كانت تعتبره بعض الدول فرصة يمكن استثمارها لتحقيق مصالحها التوسعية والاستعمارية، فالمراقب لطبيعة الملفات التي يطرحها الغرب في طهران يجد ان ملف الارهاب يتصدر العناوين والملفات الاخرى، ما من شأنه ان ينشئ تحالفات جديدة وتعاوناً جديداً لاستئصال جذور الارهاب.   

خامساً- مما لا شك فيه انه اذا كانت موافقة لجنة الامن القومي في ايران على الاتفاق النووي متوقعة، الا انه ثمة صعوبات في تمريره من قبل الكونغرس الاميركي في ضوء الحملات الدعائية التي تساق ضده والضغوطات التي يمارسها "الايباك"، وهو ما تحدث عنه اوباما نفسه كاشفاً عن صرف 20 مليون دولار من قبل المنظمة المشار اليها للتحريض ضده، لكن فشل الادارة الاميركية الحالية وعدم نجاحها في تأمين الاصوات اللازمة لتمرير الاتفاق النووي في الكونغرس–وان بدا ذلك مستبعداً- يعطي الضوء الأخضر لإيران لإعادة تخصيب اليورانيوم بمستويات عالية ويحررها من كافة الإلتزامات السابقة ويضعف أميركا ويفكك السداسية الدولية.

2015-08-07