ارشيف من :آراء وتحليلات
عندما يكون تفجير’ عسير’ رسالة من وإلى المملكة

بعدما يقول عبدالعزيز آل الشيخ، المفتي العام للمملكة السعودية، تعليقا على التفجير الذي استهدف مسجدا في القديح في القطيف في 22 ايار/مايو الماضي والذي نتج عنه اكثر من مئتي اصابة بين شهيد وجريح: "إن هذا الحادث حادث خطير، يقصد المنفذون من ورائه إيجاد فجوة بين أبناء الوطن ونشر العداوة والفتن في هذا الظرف العصيب حيث تدافع المملكة عن حدودها الجنوبية ولقد أرادوا بهذا العمل إشغالها بتنفيذ هذا المخطط الإجرامي الذي يهدف إلى تفريق صفنا وكلمتنا وإحداث فوضى في بلادنا".
ثم يأتي لاحقا ويصف حادث التفجير الذي استهدف مسجد قوات الطوارئ الخاصة بمنطقة عسير بتاريخ 6 آب/اغسطس الحالي، والذي نتج عنه استشهاد عشرة من منسوبي هؤلاء وثلاثة من العاملين في الموقع وإصابة تسعة آخرين بالعمل الإجرامي المشين والقبيح الذي لا يقبله إنسان ولا دين ويدل على عدم الإيمان عند هؤلاء الذين يقتلون المصلين المطمئنين عندما يؤدون فريضة الإسلام ويفجرونهم تفجيراً سيئاً، وأن هذه الفئة الضالة هي فئة خارجة عن دين الإسلام فئة حاقدة مجرمة تعبِّر عن خبثها وعلى المسلمين الانتباه والحذر من شرهم، تستطيع ان تستنتج من التباعد في شكل ومضمون التعليقين المختلفين والذين صدرا عقب تفجيرين ارهابيين انتحاريين في مسجدين داخل المملكة وتبنتهما "داعش"، ذاكرة اسماء الانتحاريين السعوديي الجنسية، النظرة المتأرجحة للمملكة ولمراجعها السياسية والدينية في مقاربتها للارهاب الذي يضرب العالم عامة والشرق خاصة .
تفجير عسير
بالمقابل واستنادا لمجلة "فورين بوليسي" الاميركية، يقول احد قياديي "داعش" الاجانب المدعو "ابو سلطان الداغستاني" من داغستان أن السعوديين من الـ"دواعش" أصبحوا طبقة مميّزة تثير الحسد في دولة "ابو بكر البغدادي"، فهم يحتكرون الشهادة حيث سيطروا على صف طويل من الراغبين بالانتحار وهم يتقدمون على غيرهم من الذين ينتظرون دورهم طويلا دون أمل لينتقلوا من سوريا الى العراق حيث الانتظار أقل، نظرا لكثافة العمليات الانتحارية كون الحرب أوسع مع من وصفهم "الروافض الشيعة من الحشد الشعبي والجيش العراقي" ، وليجد هؤلاء في العراق ايضا ان السعوديين لهم الأفضلية والسبب حسب هذا القيادي الناشط في "داعش" هو أن "القياديين السعوديين في التنظيم يعطون الأفضلية لابناء بلدهم وهؤلاء القياديون يتمتعون بنفوذ لافت لدى قيادات الصف الاول في التنظيم كونهم من الناشطين الأكثر قدرة على تأمين الاموال والاسلحة للتنظيم"، وفي دراسة لمجلة " لونغ وور جورنال " الاميريكية فان السعوديين هم من اشجع الانتحاريين الذين لا يخافون الموت وهم يأتون محضّرين عقائديا بشكل جيد ومحصّنين بفكر اقناعيّ تسويقيّ للانتحار حيث نجد فيهم الأغلبية من حملة الشهادات الجامعية ومن ميسوري الحال ماديا كما انهم بالأغلب وهابيّون نجديّون ( نسبة لنجد).
هذه الميزة العقائدية التي تميز ابناء المملكة من ارهابيي "داعش" بشكل عام ومن طلاب العمليات الانتحارية بشكل خاص ليست وليدة الصدفة او وليدة فورة اعلامية عابرة تعبيرا عن احباط أو عن شعور بالهزيمة نتيجة وضع سياسي او عسكري اقليمي او دوّلي سببته مثلا ايران بنفوذها القوي وبسبب تأثيرها في صمود النظام في سوريا او ببروز دور حركة "أنصار الله" في اليمن وفرضهم لوجودهم وحضورهم أو لتنامي سلطة الشيعة في العراق أو في لبنان وغير ذلك، بل إن هذا هو نتيجة جو عام يسود شريحة واسعة ليست بسيطة من المجتمع السعودي تؤيد تحقيق الوعد الوهابّي المؤهل لإقامة الخلافة أو (الامامة الكبرى بحسب تعبير "ابن تيمية" ، كما أن ثمة من يؤكد أن تنظيم "داعش" يحوز على شعبية كبرى في المنطقة الحاضنة للوهابية ولنظام آل سعود، اي "نجد" وذلك أكثر من النظام نفسه، استنادا لدراسة أعدّها المركز الدولي لدراسة التطرّف في " كينغس كولج " في لندن عن الجهاد والجهاديين في بلاد العرب، وكانت قد نشرت صحيفة" الحياة" اللندنية في 21 تموز عام 2014 نتائج استطلاع "ركين" وهو اول موقع سعودي متخصص في قياس الرأي العام كما يعرِّف عن نفسه وجاء فيه ان 92% من السعوديين يرون أن "داعش" موافق الاسلام والشريعة الاسلامية وكان المركز المذكور قام باستطلاع لآراء السعوديين ووجد ان 76% منهم قد شعروا بالسعادة لسقوط المحافظات العراقية بيد "داعش".
هذه المعطيات المذكورة اعلاه حول تنامي هذه الظاهرة التي تسود المجتمع السعودي لا يمكن أن تؤشر الاّ الى أحد أمرين لا ثالث لهما وهما أن هناك تقصيرا فاضحا من المملكة نظاما وأجهزة أمنية ومرجعية دينية في ضبط هذه الظواهر التي تطبع صورة المملكة بالبيئة الحاضنة لـ"داعش" أو للقاعدة أو لأغلب الحركات الاسلامية المتشددة التي لها الطابع الدموي الارهابي، أو أن هناك تواطؤا وتشجيعا ودعما من قبل هؤلاء المسؤولين والمرجعيات المذكورة لهذه الظواهر بشكل عام .
من هنا يأخذ هذا التفجير الانتحاري الأخير في عسير طابعا استثنائيا يميّزه عن أغلب العمليات الانتحارية التي نفذها "داعش" سابقا داخل وخارج المملكة، حيث تحوّل الاستهداف من المدنيّين الى العسكريين، ومن ضرب ابناء الطائفة الشيعية إلى السنّية، ما يطرح السؤال عن الدوامة التي دخلت فيها المملكة في الوقت الذي تشهد المنطقة حراكا عسكريا ودبلوماسيا لافتا يقوده المجتمع الدولي، عسكريا من خلال التفعيل اللافت للعمليات الجوية لطائرات التحالف في ملاحقة ومحاربة التنظيم في العراق وفي سوريا وحيث أنه تلقى مؤخرا جرعة قوية بعد انخراط تركيا بشكل جدّي وفاعل من خلال اجراءآتها العسكرية او من خلال فتح مجالها الجوي وقاعدة انجرليك التركية الجوية لطائرات هذا التحالف في عملياته العسكرية، وديبلوماسيا من خلال الاجتماعات العلنية وغير العلنية بين المسؤولين الديبلوماسيين وحتى العسكريين للدول المعنية وذلك ما بين سفارات كل من روسيا وايران وسلطنة عمان والمملكة وسوريا وغيرها، كما ويمكن لهذا التفجير الغريب في دلالاته أن يؤشر الى ما يلي:
- رسالة تهديد دموية مباشرة من "داعش" الى "آل سعود" نظاما وأجهزة أمنية بأن انخراط المملكة في الحرب ضدها (اي ضد داعش) هو خطأ جسيم سوف يدفع ثمنه غاليا المجتمع السعودي شعبا وأجهزة ونظاما .
- رسالة تبرير أو براءة ذمة ترفعها المملكة بوجه المجتمع الدولي مفادها انها هي ايضا ضحية الارهاب وهي صادقة بادعاءاتها حول عدم مسؤوليتها في ادارة وانتشار وتوّسع سلطة دولة الخلافة وبطشها ...
- رسالة مبطّنة خفيَّة من المملكة الى العالم برمته وخصوصا الى الدول الاقليمية وعلى رأسها ايران وحلفاؤها بأنها تملك سلاحا فتاكا يضاهي أكبر ترسانات الاسلحة التقليدية وحتى النووية، وهذا السلاح أشبه بسلاح جرثومي يستطيع نشر الدمار والقتل والارهاب اينما يريد و"تريد"، وتتابع برسالتها هذه أنه لديها وحدها القدرة على ضبط هذا السلاح المدمّر وهي الوحيدة التي تمسك وتتحكّم بمفاتيح ضبطه وحيث تتفوق بذلك على الآخرين وبامتياز .