ارشيف من :آراء وتحليلات
وادي الحجير ... ذكريات وملاحم

قد يكون الاكثر تعبيرا عن الصدمة القاتلة التي أصابت جنود العدو الاسرائيلي من جراء هزيمتهم المذلّة في عدوان تموز عام 2006 هو كيف صوّر أحدهم شعوره وهو يقترب من الموت في لهيب كرة من النار كان ينتظرها في دبابة ميركافا على احدى الهضاب الممتدة من وادي الحجير باتجاه بلدة الغندورية، في الوقت الذي رأى فيه باقي دبابات وحدته تحترق يمينا ويسارا، وحيث كان يسمع صراخ وعويل كامل أفراد طواقم المدرعات الاحدث تطورا والاقوى تدريعا في العالم.
في محاولة استرجاعي للذكرى، يختلط عليّ الامر في انني قد سمعت بوادي الحجير أو السلوقي لاول مرة في حياتي في وسائل الاعلام حول عمليات المقاومة ضد العدو قبل العام 1984 تاريخ تطوعي في الجيش كتلميذ ضابط أو انني قد عرفت هذا الوادي في الخرائط العسكرية خلال دراستي في المدرسة الحربية. ولكن ما اعرفه والمتأكد منه هو ان هذا الاسم قد طبع ذاكرتي في حينها بشعور غريب بقي يراودني دائما الى ان اكتشفته ميدانيا بعد انتشار الجيش على كامل الحدود مع العدو الاسرائيلي تطبيقا للقرار 1701.
اكتشفت في حينها واديا يمتد جغرافيا على مسافة ليست ببسيطة بالنسبة للاودية في الجنوب بشكل عام، يربط أغلب البلدات التي عايشت الاحتلال الاسرائيلي قبل التحرير في العام 2000 . في تلك المنطقة أو تلك التي حضنت المعارك الاعنف بين المقاومة والعدو خلال عدوان تموز حتى صدور القرار المذكور في منتصف آب عام 2006 ، وتنفيذا لمهمتي العسكرية كضابط آمر للوحدة المسؤولة عملانيا عن قطاع معين ومن ضمنه الوادي، وارضاء لحشريتي ولشعوري حول هذا السر الغريب في نظرتي لهذه البقعة الحساسة، عملت جاهدا وخلال فترة قصيرة على تكوين فكرة كاملة الى حد ما عن القيمة الميدانية والعسكرية والعملانية والتكتيكية لهذا الوادي بهدف استثمارها أولا وآخرا في تنظيم وتجهيز مهمة المواجهة المقدسة دفاعا عن الحدود وذلك من خلال الاستفادة من مناورة استعمال الارض المناسبة في الوادي وعلى الهضاب المشرفة عليه.
وادي الحجير
من المعابر المؤدية الى الوادي في البلدات المذكورة وفي نظرة استطلاع اولية قبل الدخول اليه، كانت تختلف النظرة من الناحية العسكرية والعملانية من بلدة الى اخرى، فمن على التخوم المشرفة على الوادي في بلدتي " مجدل سلم " و" شقرا " مثلا، كان يبدو المدخل الشرقي للوادي نقطة ربط لاكثر من محور او معبر يمكن ان يستعملها العدو في انتقاله دخولا او انسحابا، كعناصر مشاة أو ضمن آليات مدولبة او مجنزرة، وبالتالي كانت المناورة الامثل في استعمال هذا المدخل لتنفيذ كمائن على دورياته في تلك المنطقة، وهذا ما كان يحدث اجمالا قبل التحرير عام 2000 ، او ما كان يحضّر له المقاومون خلال عدوان تموز 2006.
من الهضاب التابعة لبلدتي" قبريخا " و" تولين" مثلا والمشرفة على الوادي، كان يبدو الاخير الموقع المثالي لتمركز قواعد اطلاق الصواريخ القريبة والمتوسطة وللانفاق وللمخابئ الخاصة بخدمة وحماية هذا السلاح وطواقمه وعتادهم، فكانت المنطقة من الوادي الموجودة شمالا تحت تلك البلدتين مباشرة هي البقعة الانشط برمي هذه الصواريخ والتي لم تتوقف عن الانطلاق ضاربة العمق القريب لاراضي العدو طيلة فترة عدوان تموز البالغة 33 يوما .
من التلال المشرفة على الوادي من ناحية الغرب في بلدتي" الغندورية " و" فرون "، كان يبدو الوادي والذي يعتبر المحور شبه الوحيد الصالح لتقدم الوحدات المدرعة العدوة، البقعة المثالية لرصد ورمي وتدمير هذه المدرعات عن المسافات القصوى لمدى الرمي الفعال للصاروخ المضاد للدروع " كورنيت "، وهذا ما تمّ حيث كانت " مجزرة الميركافا " والتي تكلم عنها الكثير وسوف لن ينساها تاريخ العدو المدني والعسكري.
بعد ان تدخل الوادي منتقلا على طرقاته، سوف تشعر بعظمة هذا الوادي المقدس وسوف تتنشق رائحة البطولة والكرامة عندما تمر قرب النصب الكثيرة للمقاومين الذين استشهدوا اثناء مواجهتهم للعدو في تلك المواقع او قربها، وسوف تسمح لمخيلتك العسكرية ان تستحضر امامك صورا لمعارك ولمواجهات تستحق ان تكون دروسا عسكرية او ان تكون نموذجا لتدريب الوحدات الخاصة في مقاومة الجيوش المحتلة للأراضي.
واخيرا، لقد كان الملفت في تجربتي عن تلك الارض التي حضنت هذا الوادي ومحيطه حيث حفرت في ذاكرتي صورا ومشاهد وملاحم عديدة، واقعة لن انساها عن أحد ابناء تلك الارض عندما قال لي بعد أن رأيت قسما من سبطانة مدفع تابع لدبابة ميركافا يعرضه في واجهة داره مفتخرا ومزهوا، ان دمه فداء للمقاومة وللسيد حسن ( الامين العام لحزب الله ) ولكن سوف لن يقبل وعلى دمه ان يصادر احد هذا المدفع منه اذ يعتبره الرابط الوحيد الذي يجمعه مع والده الشهيد والذي قضى بقذيفة من دبابة ميركافا اثناء مواجهته للعدو في موقع مشرف على وادي الحجير .