ارشيف من :آراء وتحليلات

محمد علان.. كيف انتصرت؟

محمد علان.. كيف انتصرت؟

مخاض تلو مخاض، تمر به أمتنا. تتكسر النصال على النصال، وﻻ يقدر أحد على إحصاء حجم الجراح التي باتت تترك أوجاعها على هذا الجسد المدمى، والذي يعاني من كل أعراض الحمّى والتقرحات التي ﻻ تنتهي.


هذا واقع، وﻻ يمكن الهروب منه أو تجاهله، تحت أي مسمى من المسميات، أو سبيل من السبل.
وكل بلد مبتلى، وكل شعب يعاني، وكل مدينة مهددة، كما كل حي وشارع وبيت.
فكيف لمن هو مهدد أن يفكر بمعاناة اﻵخر، ولو كان هذا اﻵخر أخاه في الوطن، أو في القومية، أو في الدين، أو في اﻹنسانية؟
لقد تسرب التفكير بـ "اﻷنا" إلى ذات كل فرد، وصار همّه نفسه و"من بعدها الطوفان".


وبالضبط، هذا ما يريده المشروع الذي ابتليت به أمتنا، مشروع تقسيم المقسّم وتفتيت المفتّت، ليس على مستوى اﻷرض والناس فحسب، وإنما أيضا على مستوى المشاعر والنفس.. والروح.
وفي خضم هذه المعمعة، يبرز السؤال: أين قضية العرب المركزية؟ أين التفاعل مع أحداث أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين؟ أين الحرص على المسجد اﻷقصى؟ وأين اﻹحساس بقضية اﻷسرى الفلسطينيين، الذين يواجهون خطر الموت، تحت سوط الجلاد الصهيوني، وفي ظل صمت العالم، كل العالم.
ربما يضحك كثيرون على هذه اﻷسئلة، ربما يرون فيها ضرباً من الخيال، أو نوعاً من الفنتازيا، التي تصلح للشاشات ولخشبات المسرح، وﻻ تصلح للواقع، وما يجري على أرضه.

محمد علان.. كيف انتصرت؟

محمد علان

ربما.. ولكن.

كل هذا اﻻستهزاء باﻷسئلة، وبالقضية التي تحملها، ﻻ يمحو واقعيتها وحقيقتها وراهنيتها ، ووجوب البحث عن إجابات لها.
كل ما يجري في منطقتنا من فظائع ومجازر وارتكابات مشينة، يجب أن ﻻ يغطي على السؤال عن مصير والدة الطفل علي الدبابشة، الذي استشهد مع أبيه حرقاً على يد المستوطنين الصهاينة، فيما ﻻ تزال اﻷم تعاني سكرات الموت نتيجة هذا اﻹجرام الفظيع الذي ارتكبته آلة البطش التلمودية.
حزّ الرؤوس والحرق واﻹغراق، وتهديم المساجد والمقدسات، وتفجير المؤسسات، والسبي واستباحة الحرمات، يجب أن ﻻ يُنسي أبناء اﻷمة قضية اﻷسير محمد علان، وقبله اﻷسير الشيخ عدنان خضر، وبعده كل أسير ومعتقل في سجون اﻻحتلال الصهيوني.
والسبب واضح:
لأن هذا من ذاك.
ﻷن كل هذه الفظائع التي تُرتكب بحق الشعوب، هنا وهناك وهنالك، مصدرها واحد، هو المشروع الصهيوني الذي يربض على صدر أمتنا.
ﻷن الفكر الذي يحرّك الجماعات التي تهدّد أمتنا هو فكر أحادي، تلمودي، يستمد كل مفاهيمه ومفرداته من مكان واحد، هو والفكر الصهيوني، بل هو الفكر الصهيوني.
وكل ما تقوم به هذه الجماعات له هدف أساس، هو حرف اﻷنظار عن بشاعة ووضاعة ما قام به الصهاينة من جرائم ومجازر، عبر ارتكابه مجازر أفظع وأكثر إرهاباً.


ومن أجل إفشال هذا المشروع الجهنمي يجب أن تبقى قضية محمد علان حية، أن تبقى نابضة، وأن ﻻ تضيع في غياهب بحور الدم التي تنسكب في مدننا وقرانا.
ومحمد علان فتح لنا الطريق لذلك.
صمد وصبر، وبمعدة خاوية انتصر..
انتصر بغض النظر عن النهاية التي ستأخذها قضيته، ﻷن أي نهاية هي انتصار..
وسواء أُفرج عنه في اﻷشهر المقبلة، أو نال شرف الشهادة نتيجة الجوع والمعاناة، فهو قد حرّك قضية كادت أن تصل إلى آخر أولويات القوم، وسَقطاً من عين أبناء اﻷمة، وأعادها حية، ساطعة، ناصعة، نقية، تعلو على كل المصالح اﻵنية والاهتمامات الشخصية.
وهكذا يجب أن تبقى هذه القضية أولوية أولى واهتماما أقصى وقِبلة ﻻ تحول عنها العيون وﻻ تزول.


بانتصار اﻷمة على هذا التحدي، تهزم كل التحديات اﻷخرى، وتعطّل كل المخططات والمؤامرات، وتصنع مستقبلاً جديداً، ﻻ مكان فيه للتغوّل الصهيوني، وﻻ للإرهاب التكفيري.
فهل من يسمع نداء محمد علان في جوعه، وفي صمته، وفي صبره، وفي تضحيته؟
هل من يكظم الغيظ ويعض على الجرح، ويرمي نظره إلى أقصى القوم، فيرى في محاربة القوى المستهترة بتاريخ أمتنا وبحاضرها وبمستقبلها، قتاﻻً لمشروع صهيوني متنمّر، يستفيد من التقاتل في أمتنا، طالما بقي قتاﻻً داخلياً، ولم يعد إلى أصله، مقاومةً للمشروع الغربي الصهيوني المتأبلس.
للمرة اﻷخيرة، محمد علان، بك انتصارنا، فهلاّ علمتنا كيف انتصرت؟

2015-08-20