ارشيف من :آراء وتحليلات
باختصار: ثعالب الأمس واليوم

كتب محمد يونس
يقال إن ثعلبا جائعا مر من تحت عنقود عنب كان يتدلى من عريشته، فقرر بكل تكبر أن يحصل عليه، ولكن لسوء حظه كان العنقود مرتفعا وكل محاولاته باءت بالفشل. عندها أيقن الثعلب صعوبة حصوله على العنقود فقفل راجعا وهو يقول أصلاً أنا أكره العنب.
ربما هذا الثعلب لم يكن يعلم أنه سيأتي زمن يوصف فيه تصرفه بالذكاء، بل إن الذي يجري هذه الأيام يجعل في تصرف الثعلب حكمة، فثعالب هذا العصر ما انفكوا يأكلون العصي من دون أن يدفعهم ذلك لإعادة التفكير بأوضاعهم، على العكس من ذلك كلما ذاقوا ضربة ظنوا أنهم باتوا اقرب إلى تحقيق هدفهم فيزدادون عنجهية وتكبرا، وهم كذلك حتى تودي بهم ظنونهم نحو التهلكة.
فها هي واشنطن ومعها أوروبا وبعد كل الذي حصل في جورجيا وبرغم علمهم بالأوراق التي تحتفظ بها روسيا ومن شأن أقلها أن تقلب نهارهم ليلا، يصرون على إطلاق التهديدات نحو موسكو ويواصلون التحدث كأنهم هم من انتصر في أوسيتيا الجنوبية، أو كأن القوات البرية الجورجية ترابط على بعد ثلاثين كيلومترا من العاصمة موسكو.
فتارة يهددون روسيا بالحصار الاقتصادي، وهم يدركون أن موسكو تعلم أن نتائج هكذا حصار ستكون وبالاً على أوروبا نفسها، وتارة يهددونها بمنظمة التجارة الحرة، وهم يعلمون جيدا العقبات التي تحول دون وقوف هذه المنظمة على قدميها، ثم يعودون للتهديد العسكري وكأنه غاب عن ذهنهم أن من يهددوه يمثل القوة النووية الثانية في العالم.
وبرغم أن الصفعات التي تلقوها ستمثل نقطة تحول استراتيجي في العلاقات الدولية، يصرون على أن وضعهم ما زال كما هو قويا، وأنهم وحدهم من يحكم العالم، وهنا لا نتحدث عما حصل ويحصل لأدواتهم في أكثر من منطقة في العالم لأن هذه المرة الموسى وصلت إلى ذقن الجلاد نفسه، فالحلبة التي دخلها في القوقاز لن تنتهي بجولة إخراج الأداة، لأن المباراة ستستكمل حتى الخروج بإحدى نتيجتين، إما الاعتراف بوجود قوى أخرى لها حقوق وحيثيات ومصالح، أو استمرار المعركة حتى الخروج بحي واحد، فهل يعود ثعالب هذا العصر إلى سيرة أسلافهم أم يصرون على ابتداع سيرة جديدة تكون فيها نهايتهم؟؟
الانتقاد/ العدد1291 ـ 19 آب/ أغسطس 2008