ارشيف من :آراء وتحليلات
تنظيم ’القاعدة’ واعادة توحيد الصفوف

في خطوة لم تكن مفاجئة، أعلن "أمير" تنظيم "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي "عبد الملك دوركدال المكنى "أبو مصعب عبد الودود" انضمام جماعة "المرابطون" بقيادة "المختار بلمختار" إلى التنظيم. وقال "دوركدال" في تسجيل صوتي يحمل عنوان "البنيان المرصوص" إن تنظيم "المرابطون" اندمج بشكل كلي مع تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، وأصبح يحمل اسم "كتيبة المرابطون". مؤكدا أن عملية باماكو الأخيرة التي استهدفت احتجاز رهائن وأدت الى قتل 19 شخصا منهم في فندق راديسون في عاصمة مالي، كانت من تنفيذ مشترك بين التنظيمين كبداية لتدشين اندماجهما.
ويعتبر هذا البيان دحضا لما نشرته وسائل إعلام غربية عن مسؤولية "جبهة تحرير ماسينا" التابعة لأنصار الدين عن عملية باماكو. على أن جماعة "المرابطون" كانت قد أشارت في تبنيها الأول للهجوم إلى ان هذا العمل هو عمل مشترك مع تنظيم القاعدة، عندما قالت إن العملية نفذت "بالتنسيق مع إمارة الصحراء في تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي".
وقال "دوركدال" عن عملية راديسون بأن "الجهاديين" قد "سطروا وحدتهم بمداد الدم، وكتبوا حروفها الأولى بدم شهيدين في مكان غير عادي اسمه فندق راديسون بقلب عاصمة العدو باماكو"، داعيا إلى وحدة سائر "المجاهدين". وأشاد "دوركدال" بالطريقة التي تم بها التخطيط للعملية وتنفيذها، معلنا عن الاتحاد الذي وصفه بانه سيكون "سيفا واحدا لنحر عدوهم الأول، فرنسا الصليبية وعملائها في المنطقة".
لكن هذا البيان لم يكن مجرد اعلان عن عودة تنظيم "المرابطون" الى التنظيم الام بعد ثلاث سنوات من انشقاقه عنه، كما لم يكن مجرد اعلان مسؤولية عن هجمات باماكو. فقد حرص "دوركدال" على توجيه عدة رسائل في كلمته الصوتية، أولها إلى الشعب الفرنسي والنخبة السياسية والإعلامية، التي وصفها بأنها "سائرة خلف حكومتها الطاغية الظالمة المعتدية على شعوبنا المسلمة، الناهبة لخيراتنا وقوت أطفالنا". على انه يصعب فصل هذه الرسالة عن هجمات باريس التي نفذها داعش والتي لاقت استحسان الكثيرين من الجماعات الارهابية وهي عمليات يستغلها "داعش" عادة في صراع الاستقطاب بينه وبين تنظيم القاعدة.
وفي تأكيد على محاولة تنظيم القاعدة ربط عملية باماكو بعملية باريس فقد قال "دوركدال" في هذه الرسالة، مخاطبا الفرنسيين في "إن ما تدفعونه من ثمن في أرواحكم وأمنكم، بفرنسا وخارجها، هو رد على جرائم حكوماتكم المتعاقبة بحق شعوبنا، وجزء يسير من القصاص العادل، ضد جرائم جيوشكم الإجرامية، المرتزقة، باسم الحضارة والحرية الزائفة".
على أن الرسائل التي تتضمنتها الكلمة لم تقتصر على فرنسا، بل استغل زعيم التنظيم المناسبة ليوجه رسالة "للمجاهدين"، محذرا من سماهم "دعاة الفتنة الذين اتخذوا قتال المجاهدين منهجا وتفريق صفوفهم غاية" في إشارة واضحة إلى تنظيم داعش.
ولم ينس دوركدال السجناء، فوجه رسالة لهم بان التنظيم لم ولن ينسى "علماءنا وأبطالنا المجاهدين وأنصارنا الأوفياء المغيبين خلف أسوار القهر، فها هم إخوانكم يجعلونكم في كل مرة على رأس مطالبهم". وذلك في إشارة إلى مطالبة منفذي عملية باماكو بإطلاق معتقلي التنظيم في سجون مالي.
اما حركة "المرابطون" التي يترأسها الجزائري "المختار بلمختار" والمكنى "خالد أبو العباس" فكانت قد انشقت عن تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي في تشرين الأول /أكتوبر 2012. "بلمختار" كان قد أسس تنظيما يسمى جماعة "الملثمون"، ثم أعلن الاندماج مع تنظيم جماعة التوحيد والجهاد في غرب أفريقيا في تنظيم جديد منتصف عام 2013، باسم "المرابطون".
وعلى اي حال، فان عودة الاندماج هذا لا يمكن فصله عن صراع الاستقطاب الدائر بين القاعدة وداعش، فجاذبية شعار الخلافة التي اعلن عنها، اضافة الى عملياته في عمق ما يسميها "بلاد الكفر"، اعطاه افضلية استقطابية على تنظيم القاعدة، يضاف الى ذلك الحملة الدولية المحمومة عليه، ولو اعلاميا، في وقت يظهر فيه تنظيم القاعدة متأخرا بخطوات عديدة عن داعش، اضافة الى تشتت انصاره في المناطق التي ينشط بها عادة، لا سيما في شمال افريقيا بعد غلبة انصار الشريعة على المشهد اضافة الى سيطرة داعش على اجزاء كبيرة في ليبيا.
من هنا تبدو عملية الدمج، او اعادة الدمج بشكل ادق، بين القاعدة في المغرب الاسلامي "والمرابطون" بمثابة محاولة "قاعدية" لاعادة تنظيم الصفوف في مناطق عدة. فقد تكون عملية الدمج هذه هي الاولى لكنها حتما لن تكون الاخيرة. كما انها ستكون بمثابة ورقة نعي للاصوات التي كانت تطالب بتغيير اسم القاعدة كمحاولة لابعاد صفة الارهاب التي باتت لصيقة به.