ارشيف من :أخبار لبنانية

العالم يبحث عن مصادر المياه ومياه لبنان الى البحر:التصحر يهدد منطقة بعلبك الهرمل

العالم يبحث عن مصادر المياه ومياه لبنان الى البحر:التصحر يهدد منطقة بعلبك الهرمل

كتب عصام البستاني
تعاني منطقة بعلبك الهرمل نقصا مطردا للمياه، حيث ان معدلات الهطول في تناقص مستمر، اذ لم تتعدَّ في السنوات الاخيرة عتبة الـ350 ملم معدلا وسطيا في منطقة بعلبك الهرمل، بينما المعدل السنوي العام هو 450 ملم لهذه المنطقة. وقد لا يتجاوز في مناطق قضاء الهرمل الـ150 ملم سنويا، وذلك بحسب ما تؤكده المعلومات الصادرة عن مركز تل عمارة للأبحاث الزراعية ومؤسسة جهاد البناء.
في المقابل يزداد الطلب على المياه بسبب ازدياد معدلات النمو السكاني الذي يتبعه ازدياد في الرقعة الزراعية، لذلك يصبح البحث عن مصادر جديدة للمياه ضرورياً مع حجم الطلب المتزايد على المياه لاستخداماتها المتعددة، وأبرزها الري.

الطقش: ضرورة ايجاد خطط للمرحلة المقبلة بمشاركة المجتمع الأهلي لمواجهة التصحر
وتعتبر الأمطار في هذه المنطقة احد المصادر المهدورة التي لم تستخدم بعد بشكل علمي ومدروس، فهي:
ـ اما تتبخر وتعود الى البحر.
ـ جزء منها يدخل التربة حتى عمق قليل جدا لا يكفي لدعم المراعي او بعض الأعشاب الرعوية، وذلك نتيجة عدم انتظام الأمطار وقلتها، وبالتالي فإن هذه الأعشاب تنتهي بالموت.
ـ الجزء الثالث يطفو على سطح التربة بشكل سيول ويسبب دمارا وخرابا للأراضي الزراعية والمحاصيل: وتذهب المياه الى المجاري المائية من انهار وجداول تصل بالنهاية مهدورة الى البحر.
ويؤكد متخصصون في الشأن البيئي أن الفوضى العارمة في كل شوؤن الحياة تلعب دورا مهما في دفع واقع منطقة بعلبك الهرمل الى التصحر وتحول مجاري المياه الى مجمع لمجاري الصرف الصحي وأماكن للنفايات وبقايا المعامل والمحطات وما شاكل.
ولأن الطلب على المياه أصبح هدفا لكل المزارعين فضلا عن المواطنين الذين عانوا فترات طويلة من فقدان مياه الشفة، راح الناس في المنطقة يحفرون الآبار الارتوازية بشكل غير مدروس، فأصبح كل بيت يمتلك بئرا, و سنة بعد سنة ومع انخفاض مستوى المتساقطات، أصبح وجود المياه نادراً على السطح، بحيث يحتاج الوصول الى المياه الجوفية الحفر على عمق 400 متر. كما أنه يمكن ملاحظة انتشار الآبار بشكل كبير على ضفاف الأنهار، وخصوصا الليطاني الذي أصبح مجرى موسمياً للأمطار في فصل الشتاء، بعد ان كانت مياهه تتدفق طيلة أيام السنة، وكانت الينابيع تفيض الى مجراه وتمده بالمياه. اما اليوم ونتيجة الفوضى صار الناس يلاحقون المياه في أعماق الارض، وانتشرت آلاف الآبار في مساحات متقاربة لو جمعت مياهها لشكلت آلاف الأمتار المكعبة من المياه.
ونتيجة ارتفاع أسعار المحروقات وغياب التنظيم انتشرت مجموعات الحطابين لتقضي على ما تبقى من غطاء أخضر يسبب في تحفيز الامطار ورفع نسبتها، ما يهدد بتحويل المنطقة الى منطقة قاحلة.
الترشيشي
يقول رئيس نقابة الفلاحين والمزارعين في البقاع ابراهيم الترشيشي ان "معدل الامطار في السنوات الاخيرة صار أقل مما هو مطلوب". وأشار في حديث لـ"الانتقاد" الى انه "في تل عمارة معدل الامطار السنوي هو 600 ملم، وفي السنوات العشرين الاخيرة لم يصل الى هذا المعدل الا في ثلاث سنوات". وتخوف الترشيشي من أننا "نتجه نحو التصحر، حيث ان نسبة الامطار التي تتساقط في تناقص مستمر عاما بعد عام، وكلما اتجهت شمالا نحو بعلبك او الهرمل يزداد النقص اكثر ويقل معدل الأمطار".
ولفت الى ان "ظاهرة التصحر وقلة المياه ليست في لبنان فحسب، بل المنطقة كلها تعاني هذا الامر". ورأى انه على أهمية البترول انما "الصراع المستقبلي سيكون حتما على المياه ومصادرها".
وعن الحلول الممكنة لمواجهة المشكلة قال: "لقد تنبهت الدول المجاورة لهذه المشكلة فقامت بإنشاء السدود والتجمعات المائية مثل سد أتاتورك الذي يؤمن لتركيا المياه لثلاثين سنة قادمة.. وسوريا أنشأت حوالى 300 سد مائي، وليس بالضرورة ان يكون سدا كبيرا، فبعض السدود الترابية تفي بالغرض في أماكن السيول. ولدينا مئات الأماكن لتجميع المياه, ونرى المياه تذهب هدرا حتى اواسط نيسان دون فائدة. بل على العكس أصبحت الانهار مكبات للنفايات ومصبات لمجاري الصرف الصحي".
وحول المطالبات بإنشاء السدود حتى تلك المقرة قال الترشيشي: ان "المبدأ في لبنان هو كمية الأرباح الشخصية التي يجنونها من اي مشروع، وليس أهمية المشروع او المنفعة العامة". ودعا الترشيشي الى "الابتعاد عن المناكفات السياسية والاطماع الشخصية والعمل لإنشاء السدود والتجمعات المائية لما لها من فائدة على الدولة والمواطن والمزارع بشكل خاص.. مستشهدا بنفق اليمونة الذي أنشأته سلطات الانتداب الفرنسي وما زال حتى اليوم يفيد عشرات القرى بمياه الشفة، كما يساهم في ري آلاف الدونمات".
وحمل الترشيشي مشكلة التصحر والجفاف بجزء كبير منها الى المسؤولين الذين لا يتصرفون بمنطق الدولة، بل بمنطق الشركة.
ودعا الى "خطة اصلاحية حقيقية لمكافحة التصحر ومواجهته بالطرائق العلمية والمبادرة الى انشاء السدود والمجمعات المائية والبدء بحملة تشجير كبيرة لاستعادة المياه التي هي كنز لبنان".
الطقش
النائب في البرلمان اللبناني جمال الطقش وفي مقابلة معه قال: "ان منطقة بعلبك الهرمل هي من اكثر المناطق اللبنانية شبه صحراوية، وواقع التصحر هو مرتفع جدا، والأسباب كثيرة، منها:
ـ طبيعة المنطقة.
ـ الرعي الجائر.
ـ المقالع والكسارات.
ـ التوسع المدني والنزوح.
ـ التغيرات المناخية والنقص في الوعي البيئي.
ـ النقص في تسرب مياه الأمطار الى الخزانات الجوفية.
ـ السيول والفيضانات.
ولفت الى أهمية معرفة انه لبلوغ توازن بيئي ضمن نظام متكامل لاستعمال الاراضي يجب ان تغطي الغابات حوالى 20 في المئة من المساحة الإجمالية، بينما في البقاع الشمالي لا تتعدى النسبة 1 في المئة، وفي لبنان عموما لا تتعدى النسبة 6 في المئة.
ويشير الى "الحلول الخجولة من قبل الوزارات المعنية، كإطلاق مشروع التحريج الوطني بمبادرة من وزارة البيئة بالتعاون مع البلديات، لا ترقى الى مستوى المشكلة التي تعاني منها المنطقة، ولا بد من إيجاد خطط للمرحلة المقبلة بمشاركة المجتمع الأهلي لوضع حد لاجتياح الصحراء لهذه المنطقة".
ولفت الى غياب "وزارة البيئة ووزارة الزراعة عن السمع والنظر لقلة الإمكانات حسب افادة وزير الزراعة"، وطالب الوزارتين "بالمبادرة الى تنفيذ الخطط المرسومة ووضع خطط لإعادة الغطاء الأخضر.. ودعا الحكومة الى تنفيذ السدود المقرة وبعض السدود البسيطة لحفظ المياه التي تذهب هدرا، فيما العالم يتهافت على البحث عن مصادر للمياه".
الانتقاد/ العدد1291 ـ 19 آب/ أغسطس 2008

2008-08-19