ارشيف من :آراء وتحليلات
زيارة سليمان، وتفجير طرابلس وكلمة الأمين العام: دلالات وأبعاد متوازية

كتب مصطفى الحاج علي
ثلاثة عناوين سرعان ما خطفت الانتباه السياسي والاعلامي: الأول، زيارة رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان إلى سوريا، والثاني، الانفجار الذي أودى بالعديد من الجنود في الجيش اللبناني في مدينة طرابلس التي تشهد منذ مدة تطورات أمنية بالغة الخطورة في دلالاتها وأبعادها، والثالث، هو الكلمة المتلفزة للأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصر الله، التي قالها لمناسبة الذكرى الثانية للانتصار على العدو الإسرائيلي في تموز عام 2006، والتي ضمّنها مواقف لافتة، ودعوات مهمة، تتصل بجملة من القضايا والملفات.
زيارة سليمان
تقع هذه الزيارة عند تقاطع جملة من التطورات، ما يكسب توقيتها ونتائجها دلالات مهمة، من شأنها أن تؤسس لمرحلة نوعية جديدة في العلاقات اللبنانية ـ السورية.
فهذه الزيارة جاءت عقب:
أولاً: تراجع المشروع الأميركي في المنطقة وتخبطه في أكثر من مكان، وعجزه، بالتالي، عن امكانات التدخل الفاعل، ولعب أوراقه، لاعتبارات متعددة، أبرزها الاعتبار المتعلق بالانتخابات الاميركية.
ثانياً: التراجع الموازي للكيان الاسرائيلي، خصوصاً لجهة قدرته على التدخل أيضاً، وفرض موازين وحسابات جديدة. والأهم من ذلك، أن هذا الكيان نفسه اضطر إلى اعادة فتح ملف المفاوضات مع سوريا كبديل سياسي، وترجمة غير مباشرة لمأزقه الحالي.
ثالثاً: انكسار فريق 14 آذار خصوصاً بعد أحداث السابع من أيار، وعجز القوى الدولية والاقليمية المتحالف معها عن تقديم أي دعم فعلي لها، لا بالشكل الملموس عبر استخدام القوة، والتي كان آخر محاولة فيها هو عدوان تموز، ولا بالشكل الديبلوماسي عبر استخدام ورقة مجلس الأمن وسواها، ولا سيما أن العديد من الأوراق التي سبق ولوّح بها، كورقة المحكمة الدولية التي بدا واضحاً أنها لا تملك ملفاً اتهامياً يمكن توظيفه ضد سوريا، بدت فاقدة للفاعلية.
رابعاً: اضطرار الاتحاد الأوروبي عموماً، وفرنسا تحديداً، إلى الانفتاح مجدداً على سوريا لقناعة لدى هذه الدول أنه لم يعد بالإمكان تجاوز دور سوريا، وبالتالي لا بد من تكريسه والاعتراف به، والتعامل معه من هذا المنطلق.
خامساً: تشكّل حكومة الوحدة الوطنية، التي حاز فيها الخط الوطني الثلث الضامن، وبالتالي امتلاكه القدرة التعطيلية للمشروع الأميركي، وتوجهاته اللبنانية.
سادساً: تبدو هذه الزيارة مهمة بالنسبة إلى رئيس الجمهورية خصوصاً في مستهل عهده، إذ من شأنها أن تمنحه انجازاً مهماً على صعيد السياسة الخارجية، وهو انجاز تأسيسي بكل ما في الكلمة من معنى، وما يزيد من أهمية هذا الانجاز هو الانطلاقة المتعثرة للعهد، التي بدا أنها فقدت الكثير من زخمها.
يشكل ما تقدم الإطار العام للزيارة، ولذا بدت الحصيلة النهائية تحمل النتائج التالية:
أ ـ فشل المحاولات الاميركية وفريق 14 آذار في تحويل لبنان إلى منصة للعداء مع سوريا، واضطرارهما للتسليم بضرورة اصلاح هذه العلاقات بما يخدم البلدين.
ب ـ لا شك، أن موافقة البلدين على إقامة العلاقات الديبلوماسية يعتبر خطوة متقدمة باتجاه تحسين العلاقات، وإعادة بناء الثقة، على قاعدة نزع مخاوف مفتعلة لدى البعض من عدم اعتراف دمشق بلبنان كياناً سياسياً مستقلاً وله سيادته الخاصة.
فهذا الاعتراف، يعني، في ما يعنيه، اعادة نسج العلاقات على قاعدة المصالح الراسخة والثابتة بين البلدين.
ج ـ لا شك، أيضاً، أن دمشق تستفيد من هذا التطور باتجاه تعزيز حال الانفتاح الدولي عليها، وبالتالي، فك حال الحصار الدولي التي حاولت واشنطن فرضه عليها، والأهم من ذلك، أن هذا التطور سيفتح الطريق أمام زيارة الرئيس الفرنسي ساركوزي إلى دمشق، وتكريس الانفتاح الأوروبي عليها، وبالتالي إراحة الوضع السوري عموماً.
د ـ سيحاول فريق 14 آذار تصوير هذا الإنجاز بوصفه إنجازاً خاصاً له، متجاوزاً حقائق التاريخ، بأن دمشق هي من بادر، وفي أكثر من مرة، إلى تحقيق هذا الأمر، وكانت الإجابة السلبية تأتي من لبنان.
وطبيعي أن يحاول هذا الفريق التشكيك بحجم هذا الإنجاز، وضرب علامات استفهام حوله، واعتباره غير كافٍ، لأنه جاء معاكساً تماماً لكل أمانيه، حيث راهن هذا الفريق مسبقاً على فشل هذه الزيارة، هذا إلى جانب، أن هذا الفريق، وبأمر من أسياده، يريد الإبقاء على ملف الأزمة مفتوحاً مع دمشق، بدلاً من التشجيع على المزيد من الخطوات الأخرى.
هـ ـ إن ردود الفعل الدولية عامة جاءت مرحبة، وإن حاولت الاستفادة مما جرى لأخذ الانتباه سريعاً نحو عنوان آخر يهمها أكثر من غيره هو مسألة ترسيم الحدود.
تفجير طرابلس
بالرغم من أن مكان التفجير هو مدينة طرابلس، إلا أن نمطه، والهدف الذي طلبه، يبدو خارج سياق الأحداث الأمنية الأخيرة في الشمال، إلا أنه من جهة أخرى، يبدو لصيقاً بأحداث وتفجيرات أخرى استهدفت الجيش تحديداً، والتي سرعان ما وجهت فيها أصابع الاتهام إلى تنظيم "فتح الاسلام".
واللافت في هذا التفجير أنه يأتي من خارج السياق السياسي العام الذي دخلت فيه البلاد منذ أيار السابق، وانجاز اتفاق الدوحة، حيث تم انتخاب رئيس للجمهورية، وتشكيل حكومة جديدة حازت ثقة مئة نائب من أصل 128 نائباً، ما يعني دخول البلاد تحت مظلة سياسية يفترض أن تحميه من هكذا أحداث أمنية، إلا إذا كانت الجهة المنفذة لا يعنيها أي استقرار سياسي في لبنان، وبالتالي لها روزنامتها الخاصة بها، وهذه الجهة هي أقرب في توجهاتها إلى نفس الجهات التي تعمل في العراق.
وفي هذا الإطار، بدت محاولات فريق 14 آذار، أو معظمه على الأقل، غير موفقة في محاولة استثمار ما جرى لتوجيه أصابع الاتهام إلى سوريا، أو إيران، أو لأطراف داخلية أخرى، حيث من الواضح تماماً، أن لا مصلحة إطلاقاً لأي منها في هكذا تفجيرات، فهل يعقل مثلاً أن دمشق التي تحقق انجازات كبيرة، وفي موقع مريح، وفي مرحلة الانفتاح الدولي عليها، ان تعمد إلى توجيه رسائل من هذا النوع، تسيء إلى كل هذه الانجازات.
باختصار، المطلوب السؤال عن الجهة المستفيدة فعلاً من تقويض الوضع الأمني في الشمال، وفتحه على أبواب صراعات داخلية ذات طابع مذهبي تارة، وضد مؤسسة الجيش تارة أخرى، أليست هذه الجهة هي نفسها المتضررة من تصحيح العلاقات اللبنانية ـ السورية، ثم، هل هي محض مصادفة أن يتم التفجير لحظة وجود الرئيس سليمان في دمشق؟ وهل محض مصادفة أن تتزامن هذه التفجيرات في الوقت الذي يقوم بها تيار معروف بافتعال حوادث أمنية في ظل كلام متزايد عن توجه في دولة عربية محافظة إلى افتعال مشاكل أمنية ذات طابع مذهبي في لبنان، رداً على فشلها في خطف لبنان نحو مواقع نفوذها؟ وأكثر من ذلك، أية مصادفة هذه التي تجمع بين العنف الكلامي الممارس ضد سلاح المقاومة، والعنف الأمني ضد مؤسسة الجيش، وكأن المقصود ركيزتا القوة الأمنية في لبنان، الأولى ضد العدو الإسرائيلي، والثانية ضد مفتعلي الفتن في الداخل.
فهل هناك من يخطط، وبإصرار، لأخذ لبنان نحو الفتنة، وكملاذ أخير لتحقيق أهداف عدوان تموز.
ثم، أية مصادفة هذه التي تجمع بين توقيت توقيع التفاهم بين حزب الله وقوى سلفية أساسية في الشمال، والتي من شأنها أن تعزز مناخات التقارب، ووأد مظاهر الفتن.
ثم ، من هي الجهة التي يهمها الضغط على الجيش لتحويل موقعه وتغيير عقيدته؟
كلمة الأمين العام
جاءت كلمة الأمين العام ـ كما العادة ـ على مستوى المرحلة، وهي امتازت:
أولاً: بلغتها ومضمونها الانفتاحي والاستيعابي بهدف امتصاص التوتر الذي افتعلته الخطب النارية والموغلة بالتحريض، لفريق 14 آذار، وهي ـ بالتالي ـ رمت إلى تحميل الفريق الآخر مسؤولية ابقاء حال التوتر والانقسام قائمة، داعياً إلى التأسيس لمرحلة جديدة من الوئام والهدوء والاستقرار لمصلحة كل اللبنانيين.
ثانياً: لم تخلُ الكلمة من رسائل ايجابية لاقت رسائل مقابلة، من دون أن يعني ذلك رمي كل التجربة السابقة وراء ظهورنا، بل الدعوة إلى أخذ العبر والدروس، كخطوة متقدمة على طريق تصحيح العلاقات البينية.
ثالثاً: دعوته إلى الإسراع في دراسة الاستراتيجية الدفاعية، مضيفاً اليها دعوته أيضاً إلى بحث استراتيجية اقتصادية ومالية.. الخ، هذه الدعوة يجب أخذها على محمل الجد، لأنها تفتح الطريق واسعاً إلى اعادة بناء الدولة والوطن على قواعد ثابتة، ووفق منطق الدولة الحقيقي، وهي ـ بالتالي ـ دعوة إلى فتح العيون على حقيقة المأزق البنيوي والهيكلي للدولة الذي يجب عدم اغفال النظر عنه.
الانتقاد/ العدد1291 ـ 19 آب/ أغسطس 2008