ارشيف من :آراء وتحليلات
تكريت والأنبار.. ومشاهد ما بعد التحرير

لعلها مفارقة مؤلمة، انه في الوقت الذي يحتفل فيه ابناء مدينة تكريت بمرور الذكرى السنوية الاولى لتحرير مدينتهم من عصابات داعش الارهابية، تنطلق الدعوات وتتعالى الصيحات من داخل العراق وخارجه لاعتبار الرمادي مدينة منكوبة بسبب الحجم الهائل للدمار الذي لحق بها خلال عمليات تحريرها من عصابات داعش.
قبل عام كانت قوات الحشد الشعبي الرقم الأهم والاكثر فاعلية وتأثيرا وحضورا في عمليات تحرير تكريت، ومعها قوات الجيش وابناء العشائر وتشكيلات البيشمركة الكردية، ولم يكن هناك دور حقيقي لقوات التحالف الدولي، وهو ما اصرت عليه قيادات الحشد، انطلاقا من حقيقة ان للتحالف الدولي، وتحديدا الاميركان، اجندات وحسابات خاصة، لا تلتقي- بل وتختلف - مع ما كانت تخطط له الحكومة العراقية وما كان يريده أبناء المدينة.
وما ميَّز عمليات تحرير تكريت، انها لم تستغرق فترة زمنية طويلة، ولم تخلف خسائر واضرارا مادية وبشرية كبيرة، في الوقت الذي افضت الى رسم واقع جديد لاقى قبولا وترحيبا ملموسا من قبل ابناء المدينة.
ولم يمر تحرير تكريت دون اثارة الزوابع الاعلامية ضد الحشد الشعبي من المنابر السياسية والوسائل الاعلامية التي تدور في فلك قوى واطراف اقليمية ودولية، وتمتلك قنوات تواصل وتنسيق مع سفارات دول عدة في بغداد، وفي مقدمتها سفارتا اميركا وبريطانيا، وراحت تلك المنابر السياسية والاعلامية، بدلا من ان تتحدث عن الانتصارات المتحققة ضد داعش، تروج الشائعات عن عمليات سلب ونهب للاثاث المنزلي، لاسيما الثلاجات، من قبل الحشد الشعبي، دون ادراك لحقيقة ان من يترك اهله وعائلته وكل مصالحه وينخرط في صفوف الحشد الشعبي لمقاتلة عصابات داعش، ويتعرض لشتى المخاطر والصعوبات، تنفيذا لفتوى المرجعية الدينية، لا يعقل ان يقوم بسرقة ونهب بيوت المظلومين الفارين من بطش عصابات داعش الاجرامية.
الحشد الشعبي
صباح يوم الاثنين(4 نيسان 2016)، وفي حفل بمناسبة مرور عام على تحرير تكريت، قال محافظ صلاح الدين (مركزها تكريت) رائد الجبوري انه "لولا دماء الحشد الشعبي والقوات الامنية لما وقفنا اليوم واحتفلنا بالذكرى الاولى لتحرير تكريت من سيطرة تنظيم داعش، وان الحشد والجيش قدموا تضحيات كبيرة وجسيمة لتحرير المدينة قبل عام".
ولو لم تكن تلك الحقيقة لا غبار عليها لما اشار اليها المحافظ، علما انه ينتمي الى بيئة سياسية واجتماعية بعيدة الى حد كبير عن البيئة السياسية والاجتماعية التي ولد منها الحشد الشعبي.
وليست شهادة محافظ صلاح الدين الوحيدة بهذا الخصوص، بل هناك شهادات لساسة وشخصيات عشائرية ومواطنين من ابناء تكريت، يثمنون فيها الدور المشرف للحشد في تخليصهم من داعش، وتوفير الظروف المناسبة لعودتهم الى مدينتهم.
وأغلب الظن، ان لم يكن من المؤكد، ان هؤلاء ومن بينهم المحافظ، غير مجبرين على التحدث بإيجابية عن الحشد، لولا أن الواقع هو هكذا.
في مقابل ذلك قد لا تجد قوى وشخصيات سياسية وغير سياسية من الانبار مبررا للمطالبة باعتبار الرمادي مدينة منكوبة بعدما بلغ حجم الدمار فيها 80% بفعل العمليات العسكرية لتحريرها من داعش في شهر شباط-فبراير الماضي، لو لم تكن الصورة قاتمة ومأسوية، والكارثة فاقت حدود التصور.
وكان اول صدى لتلك المطالب، هو اعلان مجلس النواب العراقي في الثاني من شهر نيسان-ابريل الجاري الانبار محافظة منكوبة، "بسبب سوء الأوضاع الإنسانية والدمار الكبير الناجم عن المعارك المستمرة منذ عدة شهور ضد تنظيم داعش".
فبعدما اكتملت عملية تحرير الرمادي في التاسع من شهر شباط-فبراير الماضي، راحت بعض وسائل العراقية والعربية والاجنبية تتحدث عن الانتصار التاريخي الكبير في الانبار، دون ان تشير لا من قريب ولا من بعيد الى ما خلفته العمليات العسكرية، لاسيما قصف الطائرات الاميركية العشوائي للمناطق السكنية، والمنشآت والدوائر الحكومية، والبنى التحتية، بحجة وجود عصابات داعش فيها.
وذلك الترويج الاعلامي للانتصار في الانبار، اريد من خلاله القول بأن الجيش العراقي ومعه ابناء العشائر وقوات التحالف الدولي، قادر على تحقيق الانتصارات دون الحاجة لقوات الحشد الشعبي.
ولأن الاثار المدمرة التي خلفتها العمليات العسكرية كانت هائلة ومروعة، لم يكن استمرار التعتيم عليها أمرًا ممكنًا، ورسم صورة مشرقة لا وجود لها على ارض الواقع.
ومجرد ان تنطلق الاصوات وتتعالى الصيحات من الفضاء الذي ألصق شتى الاتهامات بالحشد الشعبي بعد تحرير تكريت العام الماضي، ومن ذات الفضاء الذي صور تحرير الرمادي بأنه الانتصار التاريخي الكبير الذي ما بعده انتصار، فان ذلك يعني ان الامر يحتاج الى معالجات وحلول جادة، ناهيك عن اماطة اللثام عن كل الحقائق، ووضع حد للخداع والتزييف والتضليل الاعلامي والسياسي، والاحتكام الى ما هو قائم على الارض، والوقوف على ماهية وحقيقة احتفالات ابناء تكريت بمرور عام على تحرير مدينتهم بجهود الحشد الشعبي، تقابلها صراخات ابناء الرمادي بسبب الخراب والدمار الذي حل بمدينتهم بواسطة سلاح الجو الاميركي!.
للاسف، الشهادات التي يوردها عدد غير قليل من ابناء مدينة الرمادي عما حل بمدينتهم شيء مفزع الى حد كبير، فكثير منهم يقولون "اننا وبسبب حجم الدمار الذي خلفه قصف الطائرات الاميركية، لم نستطع التعرف لا إلى بيوتنا فحسب، وانما إلى الازقة التي توجد فيها البيوت".
ويضيفون "لا يمكن لنا ان نعيش مرة اخرى في مناطقنا التي هربنا منها، وهي على هذه الحال".
ولعل تقارير بعض الجهات الرسمية الحكومية تعرض حقائق وارقاما تفصيلة مؤلمة جدا لمشهد الرمادي بعد التحرير، ذلك المشهد الذي لا يلتقي ابدا مع مشهد تكريت بعد التحرير.