ارشيف من :آراء وتحليلات
روسيا البوتينية تغيِّر الوجهة الجيو-استراتيجية العالمية(1/2)

خلال سنة 1946، وقبل ان يزول الدخان من الأرض الروسية المحروقة، قام ونستون تشرشل بزيارة أميركا، حيث استقبل كزعيم بريطانيا الأول، مع انه كان قد ازيح عن مركز رئاسة الوزراء وانتقل الى صفوف المعارضة، وألقى خطابًا في احدى الاكاديميات العسكرية الأميركية، اطلق فيه تسمية "الستار الحديدي" على منطقة النفوذ السوفياتية، وقال ان الكتلة الغربية "الديمقراطية" قد أخطأت في انهاء الحرب العالمية الثانية، وانه بعد هزيمة المانيا واليابان، فإن الاتحاد السوفياتي كان قد اصبح ضعيفا جدا، وانه كان ينبغي على الكتلة الغربية "الديمقراطية" ان تواصل الحرب ضدَّ الاتحاد السوفياتي وتحتل موسكو.
إشعال "الحرب الباردة"
ان الوصول الى موسكو كان دائما نذير شؤم لجميع الغزاة الذين اعتدوا على روسيا عبر التاريخ. وهل كان بإمكان الكتلة الغربية "الديمقراطية" الوصول الى موسكو في نهاية الحرب العالمية الثانية؟ هذه مسألة تبقى في علم الغيب. ولكن الواقع ان هذا الخطاب دشن ما سمي لاحقا "الحرب الباردة" بين المعسكر "الاشتراكي!" السابق بقيادة روسيا، وبين الكتلة الغربية بقيادة اميركا.
"اتفاقية يالطا" و"توازن الرعب" النووي
وفي المرحلة التالية عاش العالم كله عشرات السنوات على شفير الهاوية ضمن معايير دبلوماسية "الحرب الباردة"، حيث كان أي خطأ جدي في الحساب يمكن ان يؤدي الى الاصطدام النووي وتحويل الكرة الارضية الى مقبرة نووية. ويمكن الان القول ان "ضابط الإيقاع" الجيو-استراتيجي في الحرب الباردة انما كان "اتفاقية يالطا"، التي وقعها ستالين وروزفلت (بالإضافة الى تشرشل طبعا)، والتي تلخصت أخيرا في "التفاهم الضمني" بين اميركا وروسيا على قيادة العالم، استنادا الى قاعدة "توازن الرعب" النووي بين الدولتين العظميين.
ولكن استراتيجية "كسارة الجوز" التي طبقتها الكتلة الغربية بقيادة اميركا ضد المنظومة السوفياتية نجحت في آخر العقد التاسع من القرن الماضي من تحطيم المنظومة السوفياتية والاتحاد السوفياتي ذاته، بفضل الخيانة الداخلية للطبقة او الشريحة البيروقراطية الستالينية والنيوستالينية التي كانت تحكم روسيا والاتحاد السوفياتي منذ اغتيال لينين واستيلاء الخائن الديماغوجي ستالين على السلطة السوفياتية في اعقاب ثورة أكتوبر الاشتراكية العظمى.
واليوم بالذات، لو لم تكن المانيا ترتعد امام رد فعل روسيا، فإن الجيش الألماني الحالي ليس اكثر من جيش نازي مستتر، وهو جاهز في أية لحظة لان ينقلب على انجيلا ميركيل ويستبدل ثيابه الناتوية بالثياب الهتلرية في 24 ساعة ويعلن عن تأسيس "المانيا العظمى" في أوروبا، عدا بلاد اليونان.
وبعد انهيار المنظومة السوفياتية والاتحاد السوفياتي، استطاعت الاوليغارخية اليهودية ان تفرض سيطرتها على الحياة السياسية والإعلامية والاقتصادية في البلاد. واستطاعت ان تستميل (الواقع: "تشتري" بعض الكوادر القيادية في المخابرات، الا انها فشلت في ان تستميل عامة جهاز المخابرات الذي كان عناصره يؤمنون بأنهم يخدمون "روسيا" في الوقت الذي كانوا فيه يخدمون، بشكل اعمى، السلطة البيروقراطية الخائنة لروسيا. ولكن الفشل الأكبر الذي واجهته الاوليغارخية اليهودية في روسيا هو في مواجهة الجيش الروسي. وكانت الاوليغارخية اليهودية تريد اذلال الجيش الروسي، بعد انسحابه من أفغانستان، وتفكيكه، وتقويض معنوياته والقضاء عليه، واتلاف أسلحته ولا سيما الأسلحة الاستراتيجية والصاروخية ـ النووية، وبيعها كحديد خردة، وترك روسيا بدون دفاع حقيقي امام قوات اميركا والناتو.
ولهذه الغاية تم تحريك عاملين؛ الأول تنظيم التمرد الشيشاني والثاني تنظيم عمليات إرهابية وحشية واسعة النطاق في شتى المناطق الروسية.
وفي هذه المرحلة، في العقد الأخير من القرن الماضي، وبعد حربي الخليج الأولى والثانية، وكان الرئيس جورج بوش الاب قد اعلن بطبل وزمر عن قيام "النظام العالمي الجديد" بقيادة اميركا، كانت عوامل الازمة المالية العالمية، الاميركية خاصة، تتجمع وتوشك على الانفجار في دهاليز بورصة وول ستريت وبرجي التجارة العالمية في نيويورك. وكانت الاحتكارات الكبرى الأميركية واليهودية العالمية تنتظر بفارغ الصبر نجاح مؤامرة إزاحة "بعبع" الجيش الروسي، عن طريق فخ الحرب الشيشانية الأولى والثانية والإرهاب، من اجل الانقضاض بوحشية على روسيا وابتلاعها وتحويلها الى مستعمرة وحل الازمة الرأسمالية العالمية مرحليا على حساب خيراتها اللامتناهية واحتلالها حرفيا وتمزيقها واستعباد شعبها، تحت مسميات عدة.
القومية الروسية تستيقظ
وبطبيعة الحال فإن الانتلجنتسيا الوطنية الروسية، وبمعزل عن الانقسامات الأيديولوجية والدينية والاتنية، ادركت ماذا "يدبر بليل" لروسيا، وصممت على مواجهته بقوة الشكيمة والحكمة الروسيتين المعهودتين. وشكلوا الصخرة الأولى لصد المؤامرة على روسيا، والاساس الصلب لتأسيس حزب "روسيا الموحدة"الذي تزعمه فلاديمير بوتين. وتم سحق التمرد الشيشاني بلا رحمة، واقتلاع الخلايا القائمة والنائمة للارهاب وتصفية جميع قادتها من روسيا وفيها وخارجها.
وفي اليوم الأخير من 1999 تم اقتلاع بوريس يلتسين سلميا من السلطة، وحل فلاديمير بوتين في مركز الرئاسة في الكرملين. وبدأت "حملة تطهير روسية" ضد الاوليغارخية اليهودية ووضع على رأس وزارة الدفاع احد ابرز قادة روسيا الحديثة الوطنيين جنرال الجيش سيرغيي شويغو، ونفض الغبار عن جميع الصواريخ البالستية النووية والقاذفات الاستراتيجية النووية واعيد توجيهها نحو الأهداف المعادية في اميركا وأوروبا وإسرائيل والخليج واليابان وتايوان وكوريا الجنوبية والفضاء الكوني، وقد اكتشف الجنرالات الاميركيون بذهول ان الغواصات الروسية المرعبة، التي تكفي حمولة كل واحدة منها (من الصواريخ النووية المجنحة والكلاسيكية) للقضاء على اميركا، عادت "تتنزه" صيفا وشتاء على حافة المياه الإقليمية الأميركية، ويرسل بحارتها القبل والتحيات لزملائهم البحارة الاميركيين الذين شابوا وهم لا زالوا يحاصرون فيديل كاسترو وعمال قصب السكر في كوبا منذ اكثر من خمسين سنة.
عوامل الازمة المالية تتجمع من جديد
وبعد ظهور فشل هذا "المخطط الاولي" الغبي لـ"وضع اليد" على روسيا، وقبل ان تنجلي غبار البرجين التجاريين في نيويورك، وغبار الحربين ضد افغانستان والعراق اللتين "لم تحققا اهدافهما" حسب اعتراف القيادة الأميركية، تجمعت من جديد عوامل الازمة المالية في اميركا، وانفجرت سنة 2008، ووضعت الاقتصاد الاميركي والاوروبي كله على حافة الانهيار التام.