ارشيف من :آراء وتحليلات

بعد أن أفسدوا الفساد متى المواجهة؟

بعد أن أفسدوا الفساد متى المواجهة؟

الفساد ومشتقاته هو المصطلح الأكثر تداولاً في الفترة الأخيرة في المجتمع اللبناني، فالانفلات الفضائحي المتوالي، جعل منسوب القلق لدى المواطنين يرتفع إلى حده الأقصى، ذلك أن الشمولية في الفساد لم تترك بابا إلا طرقته بشدة، من رغيف الخبز إلى الاتصالات وما بينهما من نفايات وحواش لا تنتهي في الصحة والبيئة، ولا يبدو أن الأفق في هذا الإطار مقفل، فمن الواضح أن خزنات الأعمال والارتكابات الفاسدة قد فاضت لدرجة كبيرة، وبتنا نرى بالعين المجردة وبالأدلة الدامغة، والشواهد التي لا تقبل الدحض، ما كنا سمعنا يومياً وتكراراً من قصص لا تنتهي حول بطولات فاسدين، بلغت وقاحتهم حد المجاهرة والافتخار، لذلك وبعد أن بلغ السيل الزبي، ما هي الخطوة التالية؟ هل ستمر أيام ثم نعود إلى سيرتنا الأولى ويتم لفلفة المواضيع؟ أليس هناك سبيل للخروج من هذا المأزق الذي يستطيع الكثير منا أن يوصفوه ويتبحروا في الغوص في تفاصيله المملة؟ كل هذا يأخذنا إلى السؤال الأساس هل نستطيع أن نكسر هذه الحلقة المفرغة؟ وما هي المعوقات أمام ذلك؟

بعد أن أفسدوا الفساد متى المواجهة؟

الفساد في لبنان

1- إن نهج الإفساد الذي اتبع منذ العام 1992 وشكل نهجاً رسمياً في التعاطي مع الأمور، أدخل الوطن في مأسسة الفساد وشرعنة سياقاته، وأسقط كل الأخلاقيات العامة، وتحول من يستطيع أن يستولي على الأشياء والأموال من عامة وخاصة إلى بطل (يعرف مصلحته) والذي يتمسك بالقيم (غبي من خارج الزمن).

2 - إن المعاناة المتواصلة قد أدت إلى تداعي هيكل البنى الإدارية والسياسية، ووصولها إلى الدرك الأسفل والأمور على عينك يا تاجر، ووضعت المذهبية والطائفية والمناطقية وكل الأوبئة الاجتماعية والسياسية في ميزان السياسية، حتى غدا الواقع سلبياً، يشمئز منه كل صاحب ضمير، والخطورة الأكبر أن هذا التآكل يكاد يقضي على أي أمل بالإصلاح وتحويل الدولة إلى دولة فاشلة.

3 - إن هناك نوعا من الخدر الاجتماعي والبلادة القهرية، بحيث إن سمة الرضوخ والانصياع وفقدان المبادرة والتسليم للأمر الواقع لدى الناس، ومحاولة الالتحاق بشكل أو بآخر بهذا النموذج والاستفادة من الغنائم، أصبحت منتشرة، وهذا بالضبط ما أراده المفسدون، الاستسلام التام واليأس من أي إمكانية للإصلاح والالتحاق بقاطرة الصمت، والولاءات الطائفية والمذهبية والمناطقية التي تحمي المرتكبين ويصبح أي محاولة لتجريمه، هجوما على الطائفة والمذهب وحقوقه، فأصبحت الطوائف والمذاهب ملاذات آمنة وحمايات لكل هؤلاء.

4 - يتحمل الساسة والشخصيات والأحزاب السياسية، مسؤولية كبيرة فيما وصلنا إليه من تفسخ وانحطاط، ذلك أن الجميع يتحدث عن موضوعات الفساد ويهجم عليها، كأنما يتحدثون عن العنقاء التي لا وجود لها إلا في الأسطورة، فلا يحاسب أحد ولا يتوقف اعتداء، وتفرش سجاجيد الخلاص والترتيبات للأزلام والمحاسيب وتنحول الأموال العامة والإدارة إلى أشلاء يتناتشونها بكل  وقاحة وتفخيم لعبارات الحب الوطنية.

5 - إن ما يجري في لبنان هو إفساد الفساد والوصول إلى ذروة الحضيض، وهذا يعني أن إعلان النفير العام والاستعداد لمواجهة هذا الواقع المزري، هو واجب وطني واجتماعي وأخلاقي لا يمكن التخلف عنه بعد اليوم، أو تقديم مبررات للمهادنة، فالأمن الاجتماعي الاقتصادي الصحي للمواطنين أصبح في خطر شديد، وبالتالي مواجهته أمر لا مفر منه، ولا يمكن التأجيل أو الانتظار لما بعد خراب البصرة. والمؤهل للتصدي وأخذ زمام المبادرة وتحشيد الرأي العام وجر القوى المختلفة إلى مربع مكافحة الفساد، هو القوى الأكثر التصاقاً بالناس وأوجاعهم ومعاناتهم الطويلة، فهل سنشهد هذا القيام أم تترك الناس لمصيرها؟

 

2016-04-09