ارشيف من :آراء وتحليلات
الهواة.. وتعديل الدستور التونسي

لا تهدأ الساحة السياسية في تونس بتاتا ولا تعرف الاستقرار منذ سنوات بعد أن طبعها الجمود لعقود. ففي كل مرة يبرز موضوع خلافي يثير الجدل والنقاشات في ساحة تتصارع فيها قوى سياسية وفكرية متعددة تحاول إسباغ رؤاها وتوجهاتها على البلد.
وبرز في الآونة الأخيرة موضوع خلافي جديد يتعلق بدعوات إلى القيام بتعديلات دستورية تمنح صلاحيات اوسع لرئيس الجمهورية على حساب رئيس الحكومة. أي الذهاب تدريجيا نحو تكريس نظام رئاسي عوضا عن النظام البرلماني الذي أسس له الدستور الجديد.
تلاعب بالدستور
وتصدر هذه الدعوات بالأساس عن رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي وبعض مستشاريه والمؤيدين له من حركة نداء تونس وغيرها. كما تصدر أيضا عن بعض قياديي حركة النهضة الإخوانية ثاني أكبر الأحزاب السياسية التونسية بالنظر إلى الانتخابات النيابية الأخيرة.
ويعارض هذا التوجه ويعتبره عملية لفتح الباب على مصراعيه للتلاعب بالدستور الجديد حقوقيون ونشطاء في المجتمع ينتمون إلى منظمات وطنية فاعلة وكذلك بعض الأحزاب السياسية المعارضة. ولم يبد شريكا حركة نداء تونس وحركة النهضة الآخران، أي الاتحاد الوطني الحر وحزب آفاق تونس رأيا بهذا الشأن رغم أهمية موقفيهما.
البحث عن الاستقرار
ويرى كثير من خبراء القانون الدستوري أيضا أن تونس بحاجة إلى نظام رئاسي يوفر لها الاستقرار للسنوات والعقود القادمة. وأن النظام البرلماني المعتمد يجعل الحكومات غير مستقرة والتحالفات الحزبية هشة على الرغم مما تم منحه من بعض الصلاحيات لرئيس الجمهورية لا تتوفر في الأنظمة البرلمانية التقليدية.
لكن يخشى كثيرون من أن يكون الهدف من تحريك هذا الملف من قبل أعداء الأمس وحلفاء اليوم، اي حركة نداء تونس وحركة النهضة، هو اقتسام الغنيمة بين الطرفين والتداول على حكم البلاد. كما يخشى البعض من ان تؤول رئاسة الجمهورية لاحقا، أي بعد نهاية ولاية الباجي قائد السبسي إلى راشد الغنوشي الباحث عن صلاحيات واسعة للرئيس.
هواة سياسة
ويرى كثير من الخبراء والمحللين بأن - وإن صح القول إن حركة النهضة تبحث من وراء هذه الدعوات لتعديل الدستور عن المصلحة العامة - فإن هناك إقرارًا ضمنيًّا من قبلها بخطأ اختياراتها. فهي التي أصرت على النظام البرلماني في فترة حكم الترويكا وفرضته على الساحة السياسية، وبعد كل هذا الوقت الضائع، يدعوا بعض قيادييها إلى تعديل الدستور، لإقرار نظام رئاسي على حساب التنمية.
لذلك نعت البعض حكومات الترويكا السابقة التي كانت تتشكل من حركة النهضة وحزب المرزوقي وحزب التكتل برئاسة مصطفى بن جعفر بأنها حكومات هواة سياسة لا تستمع لنصائح الخبراء في شتى المجالات. فالدستور التونسي القديم، أي دستور الاستقلال، كان بالإمكان تعديله للقطع مع الاستبداد دون الحاجة لإنفاق الجهد والوقت والمال لكتابة دستور جديد استغرق ثلاث سنوات، ليأتي بالنهاية من يدعو إلى تعديله والعودة إلى القديم.