الأوضاع في سوريا تتطور ميدانيًّا وسياسيا، على الأرض وفي جنيف، وتسير قدما وفق المسار المرسوم والمتفق عليه بين موسكو وواشنطن أو ما بات يُعرف بـ"تفاهمات كيري -  لافروف". وتشير معلومات دبلوماسية الى وجود مسودة حل سياسي لمستقبل الأوضاع في سوريا متفق عليها بين الأميركيين والروس ويتم التداول بها مع كل الأطراف الإقليمية، وخاصة إيران والسعودية وتركيا.

وجرى مؤخرا الإعلان عن أحدث تقييم إسرائيلي لتطورات الوضع في سوريا، وذلك استنادا الى نتائج بحوث استراتيجية إسرائيلية، جرت في أعلى الهيئات العسكرية بمشاركة المخابرات، توصل فيها التقييم إلى ما يلي:
-     وقف النار والإعلان الروسي عن سحب القوات في سوريا ھما بمثابة فرصة يستخدمھا الروس من أجل تقويم الإنجازات العسكرية، وللبحث في إمكان معاودة المعارك من جديد، إذا اتضح أنه من الممكن تحقيق ھذا الحسم العسكري من دون التورط في حرب استنزاف دموية لا نھاية لھا. لذلك فإن الانسحاب الروسي من سوريا ليس نھاية التدخل العسكري بل هو تغيير في شكله وطريقة عمله فقط.

-    يسود التفاؤل الحذر في إسرائيل، حول إمكانية ھزيمة "داعش"، على الأقل في سوريا. مستندين في ذلك أن "داعش" يواجه صعوبة في مواصلة السيطرة على المناطق الواسعة الخاضعة له، خاصة في سوريا. حيث وجد التنظيم نفسه يخوض الحرب مع أكثر من جهة. كما ان العمليات التي بادر إليھا تنظيم "داعش" أو وقعت بإلھام منه في باريس وبروكسل وكاليفورنيا وسيناء، زادت من العداء له. يضاف على ذلك أن "داعش" مُنيَّ بضربة اقتصادية صعبة، بسبب الأضرار التي لحقت بآبار النفط وبمنظومته المالية.

   تصرح جهات اسرائيلية عن مؤشرات إيجابية لإمكانية تسوية سياسية تمنع استمرار الحرب في سوريا، ولا سيما بسبب مشكلة اللاجئين الذين يُغرقون أوروبا، وعليه، فإن احتمال التسوية يبدو أقرب، وليس واضحا أي تعھدات حصلت عليھا إسرائيل من الولايات المتحدة أو من الروس بالنسبة للتسوية في الجولان.

 ولكن مهما يكن، الروس والأميركيون ينسقون فيما بينهم في التسوية السورية، وهم عمليا باعوا الحلفاء القدامى، واشتروا حلفاء جددا وصفُّوا الحسابات. فالرئيس التركي رجب أردوغان مثلا، لا يمكنه أن يعوّل على أوباما في المسألة الكردية، لأن الروس والأميركيين قرروا منذ الآن بأن الأكراد ھم أقلية ولهم دور في إطار التسوية.

أما هولاند الرئيس الفرنسي فقد أدرك أن الروس والأميركيين يتفاھمون متجاھلين أوروبا. وھم لا يتعاملون معه كشريك وإنما يبلّغونه بالقرارات. وھو الآن محتاج للمعلومات السورية. لأن كثير من الإرھابيين الذين كانوا حتى الأمس القريب "طلاب حرية" وفُتحت لھم المطارات والمرافئ لتدمير سوريا، ولدوا في الغرب وھا ھم يرتدون إليه، وسيفجرون خلاياھم النائمة الكثيرة.
من جھته كشف رئيس الاستخبارات الفرنسية سابقاً برنار سكوارسيني أنه عرض على رئيس الوزراء مانويل فالس لائحة "الجھاديين" الفرنسيين في سوريا والتي حصل عليھا من دمشق لكن فالس رفضھا.

 رئيس الوزراء الفرنسي السابق وأحد منظري اليمين الديغولي آلان جوبيه قال: "كنا نريد جميعاً التخلص من الرئيس بشار الأسد، ولكننا فشلنا. ربحت استراتيجية روسيا التي تريد الإبقاء على الرئيس بشار الأسد. يجب تغيير أولوياتنا. فھل الأھم سحق "داعش" أم استبدال الرئيس بشار الأسد، الجواب واضح يجب التخلص من "داعش" وبعدھا نرى".
أما النائب جاك مايار عضو لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان فقال: "ليس الرئيس بشار الأسد من يقتل الفرنسيين ھنا، وعلينا إعادة فتح ملفات قطر والسعودية والتوقف عن دفن رؤوسنا في الرمال".

هذا الارباك في المواقف والتصريحات المتناقضة يأتي وسط التحضير لمؤتمر جنيف الذي سينعقد في منتصف الشھر الجاري، ومن المفترض أن يستمر نحو 15 يوما، يسجل خلاله أولى محاولة جدية للبحث في المرحلة الانتقالية وتصورات الطرفين، النظام والمعارضة.
 وسط مخاوف من أن عدم إحراز تقدم في جولة المفاوضات المقبلة سيؤدي الى نسف الھدنة المترنحة في سوريا، من دون إحراز تقدم سياسي، لذلك ثمة ترابط بين الأمرين.

من هنا يمكن تحديد الصعوبات التي تتهدد المفاوضات والهدنة بما يلي:

1- اتساع دائرة الخروقات للهدنة خصوصا في ريف حلب، حيث تدل المؤشرات الى جولة جديدة من القتال، وتتحدث أوساط النظام السوري عن أن المسألة لم تعد مسألة "خروقات" وإنما مسألة عمليات عسكرية منظمة ومنسقة ميدانيا ومعلوماتيا شاركت فيها مجموعات داخلة في اتفاق وقف القتال، كما تتحدث عن "قرار إقليمي" (تركي – سعودي) بإنهاء الهدنة. مع معطيات عن تحركات أمنية وعسكرية في محيط دمشق الأمر الذي دفع بقيادة الجيش السوري الى إعداد خطط للرد  ...
2- القلق الأوروبي من وصول المفاوضات الى طريق مسدود .
 وما يرفع درجة الحذر والتشاؤم لدى الأوروبيين أن النجاحات العسكرية التي حققھا النظام السوري مؤخرا، خصوصا في تدمر، ستجلعه أكثر تشددا وأقل ميلا لتقديم تنازلات سياسية.
3- اقتراب معركة الحسم في حلب من قبل الجيش السوري وحلفائه..

من جهة أخرى الحرب التي تخوضھا الولايات المتحدة في شرق سوريا لاستئصال الدولة الإسلامية من ھناك، تجري بالتفاھم مع الروس على المستقبل السياسي لھذه المنطقة بعد خروج "داعش" منھا. وأن مستوى التفاھمات السياسية بين موسكو وواشنطن أعمق وأوسع مما ھو متداول ومعروف... كما ان تقدم الجيش السوري ومساعدة المقاومة وايران سيكون لهما الفصل ميدانيا في تقرير مستقبل سوريا .