ارشيف من :آراء وتحليلات
رسائل نتنياهو.. لتعزيز صورة ردع متصدع

وجه رئيس وزراء العدو بنيامين نتنياهو سلسلة من الرسائل والمواقف حاول خلالها أن يرمم صورة الردع الاسرائيلية ويعزز صورته كـ"سيد الامن"، خاصة بعد اهتزاز صورة "إسرائيل" وقادتها في أعقاب معادلة الردع التي ارساها الامين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصر الله، محذرًا إياها من المغامرة والحسابات والتقديرات الخاطئة.
من أبرز الرسائل التي وجهها نتنياهو، خلال زيارته الى الجولان للإشراف على إحدى مناورات جيشه، إعلانه ان اسرائيل شنت عشرات الهجمات ضد عمليات نقل اسلحة نوعية في الطريق الى حزب الله. وهو ما بدا خروجاً عن السياسة الرسمية القائمة على "الغموض البناء". بمعنى أن "إسرائيل" تشن ضربات موضعية في الساحة السورية لكن من دون أن تعلن عن ذلك رسمياً.
في المقابل، صحيح أن لإسرائيل فذلكتها التي تبرر هذا التكتيك. لكن الواقع أن حزب الله لا يُحدِّد رده من عدمه، ولا منسوبه، وفق ما تعلنه اسرائيل. وهو ما ظهر خلال السنوات الماضية عندما رد حزب الله على اعتداءات اسرائيلية محددة مع أنها لم تعلن مسؤوليتها الرسمية عنها، ولم يرد على أخرى.
أحدث موقف نتنياهو نوعًا من المفاجأة في الساحة الاسرائيلية وانعكس ذلك في تعليقات المعلقين الذين لم يجدوا أي تفسير مقنع يبرر لهم خروج نتنياهو بشكل صريح ومباشر عن السياسة الرسمية المتبعة. حتى أن بعضهم رأى انه من الصعب معرفة ما إذا كان نتنياهو تشاور مع وزير الامن موشيه يعلون وقادة الجيش والاستخبارات حول هذه القضية، أم أنه تفرد بهذا القرار.
مع ذلك، سلطت مواقف نتنياهو الضوء على استراتيجية اسرائيل التي تقوم على محاولة الحد من مسار تنامي قدرات حزب الله النوعية والكمية، عبر سياسة الاستهداف الموضعي في الساحة السورية. مستندا في ذلك الى أن الوضع القائم في الساحة السورية وفر له الفرصة مع أقل مستوى من المخاطرة برد سوري مضاد، نتيجة المعركة التي يخوضها النظام في مقابل الخطر التكفيري.
في كل الاحوال، يمكن الجزم بأن النتيجة الاجمالية لهذه السياسة الاسرائيلية كانت الفشل. اذ بدا أن حزب الله تنامت قدراته كمياً ونوعياً الى المستوى الذي عزَّز قدرته الردعية في مواجهة اسرائيل. وأبرز من عبَّر ضمناً عن هذا الفشل هو نتنياهو نفسه. اذ أقر في كلمة له من على منصة الامم المتحدة في تشرين الاول الماضي بأن حزب الله تزود بصواريخ ارض جو، SA22 وصواريخ ارض بحر، من طراز ياخونت، وصواريخ ارض ارض، هذا بالاضافة الى العديد من التقارير الاعلامية. وهو ما يكشفه هذا الاقرار هو فشل الاستراتيجية الاسرائيلية في تحقيق المؤمل منها على هذا الصعيد.
في السياق نفسه، تعمد نتنياهو، ايضا، توجيه رسالة أخرى مفادها إن "تطلب منا الدخول في المعركة، وهذا احتمال وارد.. فسنقوم بذلك، لأننا لم نستطع منع المخاطر التي تواجهها دولة اسرائيل بأي طريقة أخرى". متعهدا بتحقيق الحسم والنصر من أجل دولة اسرائيل.
صحيح أن اسرائيل يمكن أن تشن اعتداء في أي وقت، استنادا الى أوهام وتقديرات خاطئة. لكن السؤال أنه ما دامت اسرائيل على استعداد لهذا الخيار، فمَ الذي دفعها الى الامتناع عن ذلك، طوال عشر سنوات خلت منذ حرب تموز 2006.
المؤكد أن ذلك يعود فقط الى تقدير القيادتين السياسية والعسكرية في تل ابيب لمفاعيل ونتائج وتداعيات أية خطوة من هذا النوع. هذا مع الاشارة الى أن قدرات حزب الله تعاظمت، ما بعد العام 2006، في الوقت الذي كان نتنياهو على رأس الحكومة في اسرائيل طوال سبع سنوات من أصل عشر سنوات.
الى ذلك، ينطوي حديث نتنياهو عن امكانية نشوب معركة وبالتالي على الجيش أن يكون مستعدًّا لها، على أن اسرائيل تنوي شن اعتداءات ابتدائية، وتراهن من خلالها على عدم الرد بما يتناسب. وإلا فإن اسرائيل تدرك بأن حزب الله وقوى المقاومة ليس من مصلحتها في الوقت الذي تخوض فيه معركة وجود مع الخطر التكفيري أن تفتح ابتداء جبهة واسعة في هذه المرحلة مع الكيان الاسرائيلي.
لجهة الضابطة التي وضعها نتنياهو بأن اسرائيل ستبادر الى خوض معركة في حال لم تنجح الطرق الاخرى في منع الخطر. يمكن القول أنه من حيث المبدأ هذا الامر مفهوم وصحيح. لكن يبقى لحسابات الكلفة والجدوى العامل الحاسم في بلورة أي قرار في هذا المجال، وهو ما يفسر سنوات الهدوء العشر الماضية على الحدود مع لبنان.
أما لجهة تباهي نتنياهو بالهدوء والامن النسبيين الذي تشهده اسرائيل في ظل ما تتعرض له المنطقة، من هزة ارضية، بحسب تعبيره، ينبغي القول أن اسرائيل يحق لها أن تفرح لذلك. كيف وقد نفذ التيار التكفيري جزءًا كبيرًا من مهمته في اشغال محور المقاومة عن اسرائيل، وتدمير شعوب المنطقة ودولها، واستنزافها.
لكن في المقابل، الاولى باستذكار هذه الحالة هو لبنان وشعبه. خاصة وأن قدراته لا تقاس الى قدرات اسرائيل التي تتمتع بالدعم الغربي والدولي. وطبعا الكلام هو بالقياس الى ما تشهده دول المنطقة. اذ استطاع رجال المقاومة، الى جانب الجيش، أن يوفروا قدرًا معتبرًا من الامن. دون تجاهل المصائب التي يعاني منها بفعل الفساد المستشري في مؤسسات الدولة اللبنانية.