ارشيف من :آراء وتحليلات

نقطة حبر: نهر الإبداع الحزين

نقطة حبر: نهر الإبداع الحزين
كتب حسن نعيم
كما تترنم الجداول في المنعطفات والوهاد, ينبغي أن تنساب مياه نهر الإبداع في مخيلة المبدعين حرة طليقة لا سدود أمامها ولا حواجز, ما دامت أهداف النص وشواغله تتعلق بحماية حرية الإنسان واحترام هواجسه وهمومه، ومخاوفه على حاضره وغده وكرامته الإنسانية. 
إزاء فوضوية نهر الإبداع يغدو الفنانون والمبدعون مسيّرين لا مخيّرين, فلا هم يطيقون حبس شلالاته في صدورهم ولا هم يملكون سلطة ووصاية على قرائحهم التي لا تجود إلا ساعة تشاء.
تبعاً لهذه القاعدة أو "اللاقاعدة" يتدفق نهر الإبداعات والفنون أدباً إذا جرت صياغته بثياب الحروف وتشكيلاً بلغة الألوان وموسيقى بلغة الأنغام.
غير أن هذه الروافد حتى تغزر لا بد لها من إيمان ومثابرة, فكم من روافد وأنهار تبددت في سهوب الحياة وجفت مياه إبداعاتها في مخيلة أصحابها، برغم أنهم كانوا على درجة عالية من التوقد والنبوغ والاستجابة لدواعي التقدم والتطور.
نحن عادة إزاء هذه الحالات لا نملك إلا أن نربّت على أكتاف أصحاب المواهب، ناصحين إياهم بالصبر والمثابرة, دون أن نكلف أنفسنا عناء إزالة أي عثرة من طريقهم المعبّد بالأشواك. صحيح أنه على من اختار هذا الطريق أن يصبر ويتحمل، لكن الصحيح أيضاً أن لا ندع السالك يصل إلى نقطة يخيّر نفسه بين أمرين أحلاهما مر: إمّا أن ينحاز إلى كرامته الشخصية ولقمة عياله, وإما أن يتابع طريقه كحصان أعرج تتقاذفه الأرياح والأنواء.
لا يكفي المبدعين ما يلاقونه من متاعب المهنة الحرون والمتمنّعة في  أحايين كثيرة, حتى يتجرّعوا من مواطنيهم ألوان العقوق وإدارة الظهر وعدم الاعتراف. من نافل القول أن للفنان على مجتمعه حق إيجاد المناخات المشجعة على العطاء وما تفترضه من رعاية واحتضان.
بهذا يقف الفنان على أرض صلبة، وبذلك يشعر بالمسؤولية الملقاة على عاتقه، وبغير ذلك سيشعر بالاحباط والعزلة, وربما كان هذا الشعور وراء ابتعاد المبدعين عن الجماهير والكتابة لأنفسهم لا إلى الناس الذين "لا يستحقون الولوج الى العمل الفني بغير تعب ومكابدة" تشبه مكابداتهم. إنه جفاء متبادل.. عدم اعتراف المجتمع يقابله عدم اعتراف المبدع على طريقة الغموض والسوريالية المغرقة في استيهاماتها.. إنه عقوق يقابله عقوق.
إذا كان الفن عملية بحث عن المعارف والجماليات الشعورية, فهل نحن مدركون تماماً أبعاد هذه التجارب الإبداعية؟ وهل نحن مستعدون لأن نتحمل كجماعة متطلباتها وشرائطها.
إنها أسئلة, بل هي اجتهادات مشاغبة على ضفاف الإبداع الحزين في بلادنا، الذي يكاد يجف لكثرة ما أهملناه.
الانتقاد/ العدد 1292 ـ 22 آب/ أغسطس 2008
2008-08-22