ارشيف من :آراء وتحليلات

فاصلة: الويل لأمة ترجم التفاهم وترحب بالاقتتال

فاصلة: الويل لأمة ترجم التفاهم وترحب بالاقتتال
كتبت ليلى نقولا الرحباني
طالعتنا بعض التصريحات السياسية والاعلامية بترحيب كبير لتجميد "وثيقة التفاهم" التي وقعها حزب الله مع السلفيين في لبنان، معتبرين "أن هذه الوثيقة لا تعبر عن نوايا حسنة"! وقد اعترف السلفيون الذين وقعوا وثيقة تفاهم مع حزب الله صباح الاثنين الماضي، بأنهم تعرضوا لضغوط وصفوها بأنها "هائلة ولا مثيل لها" ومن أطراف مختلفة، ما اضطرتهم الى تجميدها.
ومن دون ان نخوض في خلفيات هذه الوثيقة وأسبابها وأسباب تجميدها، يمكننا ان ندرج ملاحظات عدة حول الموضوع:
أولاً: ان مبدأ التفاهم بين اللبنانيين ـ بغض النظر عن انتماءاتهم الدينية والسياسية والمذهبية والحزبية ـ هو مبدأ جيد يجب ان يكون مرحباً به من الجميع. أما القول والادعاء بأن التفاهم لا يعبر عن نوايا حسنة، فإنه أمر مستهجن وغريب.. فإذا كان التفاهم تعبيراً عن نوايا سيئة، فماذا يكون الصدام والحرب والاقتتال؟! ان المصطادين في الماء العكر، والبعض من الذين يتغذون على الفتن المذهبية والطائفية ويسعون لشق صفوف اللبنانيين بإثارة النعرات الطائفية، لا يناسبهم التلاقي والتفاهم بين اللبنانيين، وهم أنفسهم الذين حرضوا على وثيقة التفاهم بين التيار الوطني الحر وحزب الله سابقاً، وهم الذين يعولون على استثارة الغرائز والعصبيات الطائفية في الانتخابات المقبلة لكي يحققوا مقاعد نيابية على حساب السلم الأهلي والوطني.
ثانياً: يمكن لنا ان نقدر جيداً مقدار "الضغوط" التي وُصفت بالهائلة، والتي لا مثيل لها.. ولكن يحق لنا ان نسأل: ألم يتعرض التيار الوطني الحر الى حرب وُصفت "بالعالمية" من أجل فك التفاهم مع حزب الله؟ ألم تُشن الحملات الاعلامية والسياسية في الوطن وفي دنيا الاغتراب على التيار الوطني الحر والعماد ميشال عون، الى درجة التهديد بالإدراج على لائحة "الإرهاب"؟ هذا إضافة الى تهديد اللبنانيين المنتشرين في الخارج المتعاطفين مع التيار الوطني الحر، بأن تمويلهم للحملة الانتخابية التي خاضها التيار في المتن الشمالي او إمداده بالمساعدات سوف يجعلهم معرضين للمساءلة وتجميد أرصدتهم، ويعتبر أنهم يدعمون الإرهاب ويمسون بالأمن القومي الأميركي؟! ألم تكشف المعلومات خلال عدوان تموز 2006، أن أوامر أُعطيت لبعض الطيارين الإسرائيليين بوضع منزل العماد عون في الرابية ضمن قائمة الأهداف المحتمل قصفها؟ ألم يسوق الإعلام المغرض وجود السيد حسن نصر الله في الرابية؟ ألم تتساءل إحدى المذيعات "الخبيثات": ولمَ لا؟ أليسوا حلفاء ومتفاهمين؟!
ألم تكشف المعلومات الصحفية ان مساومات طُرحت على العماد ميشال عون من أجل مقايضة رئاسة الجمهورية بالتفاهم مع حزب الله؟
هذا غيض من فيض ما تعرض له التفاهم بين التيار الوطني الحر وحزب الله من ضغوط، ونستطيع القول ان كلمات مثل "هائلة ولا مثيل لها" هي صغيرة على الحجم الإعلامي والمالي والسياسي الذي رصد لإسقاطها، لكنها لم تسقط.
ان التفاهم لا يسقط متى بُني على إرادة صادقة وواعية، ومتى وُقع بعزم وإصرار على النهوض بلبنان السيد الحر المستقل، وإخراجه من فلك المؤامرات الدولية والإقليمية التي تسعى الى شحن العصبيات المذهبية من أجل إذكاء فتنة مذهبية سنية ـ شيعية، لو تحققت لانطلقت شراراتها من لبنان وامتدت الى جميع الدول المجاورة، ولحرقت الجميع في الشرق الأوسط. ان اللاعبين بنار الفتنة غير مدركين أن ألسنة اللهب سوف تحرق عروشهم وكراسيّهم قبل ان تحرق الشعوب المقهورة والمغرر بها، وقبل ان تصيب هذه الشعوب الفقيرة التي تعيش في أحزمة البؤس، والتي يمنّون عليها رغيف خبز مغمسا بحقد الكراهية للآخرين، وتكفير الجميع.. مسيحيين ومسلمين.
كنا نتمنى لو أن النخب التي تعلن عن نفسها أنها مثقفة وواعية، لم ترحب الى هذا الحد بسقوط تفاهم بين أطراف لبنانيين، ولم يهللوا قائلين: "ان هذا التفاهم انتقل الى رحمة الله بعد أربع وعشرين ساعة على توقيعه"!! كما كنا نتمنى صلابة وبأساً أكبر من موقعيه، لكن ما حصل يجعلنا نضيف الى "ويلات" جبران خليل جبران عبارة: الويل لأمة ترجم التفاهم وترحب بالاقتتال.
الانتقاد/ العدد 1292 ـ 22 آب/ أغسطس 2008
2008-08-22