ارشيف من :آراء وتحليلات

عبقرية أميركية

عبقرية أميركية
كتب محمد يونس
إلى أين يتجه العالم؟ سؤال بات من الملح الإجابة عنه نظراً للتطورات الآخذة بالتبلور، وخاصة على صعيد العلاقة بين الولايات المتحدة الأميركية وروسيا الاتحادية. فمنذ أن أطلقت جورجيا شرارة الأزمة الحالية حتى بدأ كل طرف يظهر نياته التي بيّتها سنوات تجاه الآخر.
لكن الخطير في المسألة أن الأحداث تبدو كأنها حبات سبحة كرّت أولاها والباقيات يتسابقن للكر، وهذه الأحداث وبسرعة قياسية تنحو منحى استراتيجيا تجعل العالم كله أمام مفصل تاريخي قد يؤدي إلى تغيير كل الأسس والقواعد التي حكمت أي توازنات كانت قائمة منذ الحرب العالمية الثانية.
فالحرب في جورجيا تخطت بمفاعيلها وتداعياتها حدود هذا البلد السوفياتي القديم، لتأخذ شكل المواجهة المباشرة بين روسيا والولايات المتحدة الأميركية اللتين استعادتا بظرف أيام قليلة أجواء الحرب الباردة كلها، وإذا استمرا على نفس المستوى فقد ينتقلان بالسرعة عينها نحو الحرب الساخنة.
فبدل أن تسعى واشنطن لاحتواء الأزمة وإيجاد مخرج لها، استخدمت المزيد من الأوراق، ما زاد من تأزم الوضع، إذ سرعت توقيع معاهدة الدرع الصاروخية مع بولندا التي تتيح للجنود الأميركيين أن يطلوا برؤوسهم على البحر الأسود، ودفعت بالحلف الأطلسي لاستخدام لغة خشبية تجاه موسكو مع تهديدات بضم دول تحيط بروسيا إلى منظومة هذا الحلف.
وكان الرد الروسي بالتهديد باستخدام القنابل النووية ضد بولندا، ثم مباحثات لإرسال الأسطول الروسي إلى المياه الإقليمية الفنزويلية، تبعه حديث عن نصب صواريخ دفاعية من طراز "اسكندر" المتطورة في سوريا التي لا تزال تحتفظ في أحد مرافئها بقاعدة عسكرية بحرية روسية، وأحاديث عن سباق تسلح جديد وعمليات تسليح لأطراف يشكلون تهديدا نوعيا واستراتيجيا للمشاريع الأميركية في المنطقة.
كل ذلك يحدث وسط غياب تام للمؤسسة الأمنية الدولية المفترض أنها مكان حل أي نزاع في العالم، ووسط توقف أي وساطات لنزع فتيل الأزمة، ما يخلق صورة قاتمة للوضع إذا ما استمر الطرفان على هذا المنوال، فهما حتما سيصلان إلى عتبة المواجهة العسكرية المباشرة، مع ملاحظة أن الفعل الروسي هو في الغالب رد فعل على الاستفزازات الأميركية بما تحوي من استفزازات اسرائيلية وأوروبية.
فإلى أين ينوي الفريق العبقري القابع في البيت البيض أن يأخذ العالم؟
الانتقاد/ العدد 1292 ـ 22 آب/ أغسطس 2008
2008-08-22