ارشيف من :آراء وتحليلات

تعليق وثيقة التفاهم بين حزب الله وقوى سلفية..خطاب الفتنة لا يأكل إلا أصحابه

تعليق وثيقة التفاهم بين حزب الله وقوى سلفية..خطاب الفتنة لا يأكل إلا أصحابه
كتب مصطفى الحاج علي
لا يختلف اثنان على أن الصراع السياسي في لبنان يتمحور حول خطابين وموقفين، ولكل منهما قواه السياسية وجمهوره أيضاً، خطاب يرى لبنان جزءاً لا يتجزأ من معادلة الصراع في المنطقة، تفرض هذه الحقيقة وقائع الجيواستراتيجيا، والموقع الجغرافي للبنان حيث له جبهة واسعة مع العدو الاسرائيلي، وكذلك التجربة التاريخية المعيشة مع هذا العدو التي تؤكد كل يوم طبيعته العدوانية، وأطماعه التي ليس لها حدود في أرضنا وفي مياهنا، بل وفي موقع لبنان الحساس والمهم، في صراعاته في المنطقة خصوصاً ما يتصل منها بالقضية الفلسطينية، أو ما يتصل منها بسوريا، هذه المعطيات تفرض التمسك بالمقاومة كخيار، وكورقة قوة للبنان، وللقضايا العربية، وبالتالي للإبقاء على لبنان كحالة قوة تحمي سيادته واستقلاله وحريته إزاء أطماع الغاصبين، ومشاريع النهب المنظم للمنطقة التي يقوم بها التحالف الأميركي ـ الصهيوني، ولا سيما أن المقاومة برهنت عن جدوائيتها بالمنطق الملموس الذي لا يدحض.
في المقابل هناك خطاب الاستسلام الهادف إلى إجراء تسوية كيفما كان مع الكيان الاسرائيلي للتخلص مما يعتبره عبء الصراع العربي ـ الاسرائيلي عموماً وعبء الصراع اللبناني الإسرائيلي تحديداً، حتى لو اقتضى ذلك توطين الفلسطينيين في لبنان ونزع سلاح المقاومة، ما دام يكفل نقل لبنان إلى موقع المشروع الأميركي في المنطقة.
هذا الانقسام السياسي تناسل مع الوقت إلى انقسامات اضافية، عمل الاميركي وأدواته في المنطقة من أنظمة عربية وقوى محلية، على زرعها ورعايتها، وأبرز هذه الانقسامات وأخطرها هي الانقسامات المذهبية، وذلك في سياق إيجاد بدائل لفشل حروبه الأصلية في إنجاز أهدافها بفعل ضربات حركات المقاومة لها، بكلمة أخرى شكلت الحروب المذهبية، واصطناع الصراعات البينية، البدائل المطلوبة أميركياً وإسرائيلياً لاستنزاف حركات المقاومة ومكامن القوة في المنطقة، ولفرض تفتيتها إلى كيانات مذهبية متناحرة ليبقى الكيان الصهيوني هو الأقوى في المنطقة.
ولقد جارت بعض الأنظمة العربية الأميركي في لعبته هذه، بعد أن جرى إقناعها أن الخطر الذي يتهددها يأتي من أخوة لها، وليس من الكيان الإسرائيلي، لدرجة بدأنا نشهد معها نوعاً من التحالف الموضوعي بين هذه الأنظمة، وتلك القوى المحلية، وهذا الكيان البغيض لدرجة التماثل في طلب الأهداف نفسها:
أ ـ التخلص بأي طريقة كانت من المقاومة وسلاحها.
ب ـ منع أي حالة توحّد، وعرقلة أي مسعى لوأد الفتن، واستبدال مقولة الصراعات المذهبية، بمقولة عقلنة الخلافات، ونبذ التشاحن والبغضاء والكراهية، والتأكيد على أن ما يجمع أكثر بكثير مما يفرق، وأن مطلب ابقاء المسلمين ممزقين ومتناحرين هو مطلب استعماري قديم وما زال.
ج ـ ابقاء الساحات الداخلية مستنزفة في خلافات سياسية وغير سياسية تبقي الأوضاع الأمنية مشرعة على كل الاحتمالات، وذلك في سياق استراتيجية تشتيت الجهود وبعثرتها، وايجاد أوضاع نازفة، لمصلحة إضعاف جسد الأمة لمصلحة الأميركي والاسرائيلي معاً.
د ـ تغليب الأهداف السياسية الرخيصة على حساب الأهداف الوطنية العليا، وصرف الطاقات لمعالجة المشاكل الطارئة على حساب المصالح والمشاكل والقضايا الأساسية.
في هذا الإطار، نجد اليوم انقساماً اضافياً في الخطاب السياسي يتمثل بتوزعه على خطابين، الأول، وتتبناه قوى المقاومة والمعارضة عموماً، ويدعو إلى التوحد، والهدوء، والسعي الجاد لنزع بذور الفتن والقلاقل، وخلق أسباب الاقتتال الداخلي لمصلحة التفرغ الكامل للتصدي لأطماع الكيان الاسرائيلي وتهديداته المستمرة بالعدوان، ولمواجهة التحديات والأخطار التي تموج بها المنطقة.
والثاني، وتتبناه قوى 14 آذار عموماً وتيار المستقبل تحديداً، وبتأييد لافت من أنظمة عربية معروفة، لا همّ  لها إلا الابقاء على جذوة الخلافات قائمة، وعلى نيران الفتن مشتعلة، وعلى صرف الأنظار عن الأخطار الرئيسية، باتجاه الداخل، ولهذه الأسباب مجتمعة، شنت حملة قوية على وثيقة التفاهم بين حزب الله وقوى سلفية لا غراض لها إلا وأد الفتن، وتعميم منهج جديد في التعالي على الصراعات يقوم على الحوار وعقلنة الخلافات وتعميق القواسم المشتركة، في إطار من التكامل الذي يكرس اعتراف كل طرف بالآخر، ويثبت التعاون لمواجهة الأعداء الحقيقيين.
ثمة بون شاسع، بين خطاب المحبة والتعاطف والتراحم، ونبذ الشقاق، وإصلاح ذات البين، واشاعة الإلفة بين أبناء الوطن الواحد، وخطاب الحقد والكراهية وشحن البغضاء، وتخريب العلاقات البينية، واستنفار العصبيات القتّالة. نعم، هناك من يريد بناء وطن حقيقي، ودولة قادرة على حساب الوطن ـ المشيخات والمزارع ودولة الفساد المنظم، والفاسدين الناهبين لخيرات الوطن ومقدراته.
الانتقاد/ العدد 1292 ـ 22 آب/ أغسطس 2008
2008-08-22