ارشيف من :آراء وتحليلات
سوء تقدير قاتل

كتب ابراهيم الموسوي
"إننا ندخل في قرن أميركي جديد بحيث إننا سنصبح أغنى، وثقافتنا أكثر خطورة، وأكثر نفوذاً، سنثير الكراهية من دون أي معيار.. إن مهمة الأمر الواقع بالنسبة للقوات العسكرية الأميركية ستكون في إبقاء العالم آمناً لاقتصادنا ومفتوحاً أمام اجتياحاتنا الثقافية، وللوصول إلى هذه الغايات علينا أن نقوم بكمية لا بأس بها من القتل".
هذه الكلمات قالها ضابط الاستخبارات العسكرية الأميركية رالف بيترز في العام 2003، عشية الهجوم الاميركي على العراق، ومذ ذاك، يبدو أن مسار الأمور قد انحرف كثيراً عما قدّرته إدارة بوش وعصابة المحافظين الجدد في مفاصل البيت الأبيض، فبعد عدة سنوات على الهجوم الأميركي الذي احتل أفغانستان والعراق مُنيت إدارة البيت الأبيض بهزائم كبرى، وها هي تعاني من سلسلة إخفاقات موجعة، ما اضطرها غير مرة الى مناشدة حلفائها في "الناتو" كي يستمروا في دعم وجود قوات "إيساف" في أفغانستان، مع تراجع العديد من الدول التي شاركت وتشارك عن الرغبة في الاستمرار هناك، وبعد كل الضجيج الذي فبركته واشنطن حول أفغانستان والتبشير بعالم جديد بعد هجمات الحادي عشر من أيلول في كل المنطقة، فإن الحلم الأمبريالي بدأ يتحول إلى كوابيس بالغة الإزعاج، وهو ما تكرر بمستوى أكثر كارثية في العراق، حيث تسعى واشنطن إلى الخروج من المستنقع العراقي متوسلة التعاون مع ألد أعدائها في المنطقة (سوريا وإيران)، ومع فشلها في كل من أفغانستان والعراق أرادت واشنطن التعويض بأي طريقة، فحثّت إسرائيل، ودعمتها للقيام بأوسع هجوم ضد المقاومة في لبنان في تموز 2006، وزعمت وزيرة خارجيتها كونداليزا رايس أن هذه الحرب هي مخاض سينتج الشرق الأوسط الجديد، لكن نتائج هذه الحرب لم تكن أقل كارثية، إذ منيت اسرائيل ومعها واشنطن بهزيمة كبرى ذات آثار استراتيجية بعيدة المدى، ظهرت بفشل مشروعها السياسي أيضاً في المنطقة ككل، إذ بدأ رحلة الصعود الإيراني والاستقرار السوري، ولم تعد واشنطن تمون على حلفائها باستمرار عزل سوريا، وفتحت باريس العلاقة على مصراعيها مع دمشق خلافاً لرغبة واشنطن، في هذه الأثناء لم يستطع حلفاء واشنطن في فريق 14 شباط الاستمرار بسياسة الاستئثار والهيمنة، واضطروا إلى التراجع أمام المعارضة اللبنانية، لتتلقى إدارة بوش ضربة قاسية أيضاً في 7 أيار 2008 وتتراجع مفسحة المجال أمام توقيع اتفاق الدوحة. على الجبهة العالمية كانت الصين تستمر في مسيرة صعودها، فيما بدأت روسيا أيضاً باستعادة الثقة واتخاذ المبادرة لمواجهة الهيمنة الاميركية، فأرادت واشنطن إرسال رسالة قوية عبر جورجيا، فكان الرد الروسي صاعقاً، ما أذهل واشنطن أيضاً فاختارت التعويض على عجل بنشر الدرع الصاروخية في بولونيا، وبالمقابل أعلنت سوريا استعدادها لنشر منظومات صواريخ روسية على أراضيها لتكتمل مباراة التحدي على رقعة الشطرنج التي يعرف الروسي إدارة خطواتها بإتقان شديد.
ماذا بعد سلسلة الهزائم التي منيت بها إدارة بوش وهي تحزم حقائب الرحيل؟ ليس هناك الكثير مما هو متاح أمام واشنطن، فالخيارات تتراوح بين السيئ والأكثر سوءاً، وليس بوسعها خوض مغامرات اضافية بعد كل هذه الأعباء التي سببت فشلاً بنيوياً لمشروع القرن الاميركي الجديد. الشيء الأكيد أن واشنطن بدأت تفقد المبادرة بسرعة، ولم تعد تمسك بزمام الأمور، الأكيد أيضاً أن عصر الهيمنة الأميركية الجديد الذي تحدث عنه فريد زكريا رئيس تحرير مجلة نيوزويك الاميركية قد انتهى قبل أن يبدأ، يبقى الثابت الآن أن واشنطن ستستمر بدفع أثمان غطرسة القوة التي مارستها بفظاظة مطلقة، ويبدو أن هذه الأثمان هي من النوع الباهظ جداً، ليس أقله نهاية الأحادية القطبية وعودة الحرب الباردة إلى العالم.
الانتقاد/ العدد 1292 ـ 22 آب/ أغسطس 2008
"إننا ندخل في قرن أميركي جديد بحيث إننا سنصبح أغنى، وثقافتنا أكثر خطورة، وأكثر نفوذاً، سنثير الكراهية من دون أي معيار.. إن مهمة الأمر الواقع بالنسبة للقوات العسكرية الأميركية ستكون في إبقاء العالم آمناً لاقتصادنا ومفتوحاً أمام اجتياحاتنا الثقافية، وللوصول إلى هذه الغايات علينا أن نقوم بكمية لا بأس بها من القتل".
هذه الكلمات قالها ضابط الاستخبارات العسكرية الأميركية رالف بيترز في العام 2003، عشية الهجوم الاميركي على العراق، ومذ ذاك، يبدو أن مسار الأمور قد انحرف كثيراً عما قدّرته إدارة بوش وعصابة المحافظين الجدد في مفاصل البيت الأبيض، فبعد عدة سنوات على الهجوم الأميركي الذي احتل أفغانستان والعراق مُنيت إدارة البيت الأبيض بهزائم كبرى، وها هي تعاني من سلسلة إخفاقات موجعة، ما اضطرها غير مرة الى مناشدة حلفائها في "الناتو" كي يستمروا في دعم وجود قوات "إيساف" في أفغانستان، مع تراجع العديد من الدول التي شاركت وتشارك عن الرغبة في الاستمرار هناك، وبعد كل الضجيج الذي فبركته واشنطن حول أفغانستان والتبشير بعالم جديد بعد هجمات الحادي عشر من أيلول في كل المنطقة، فإن الحلم الأمبريالي بدأ يتحول إلى كوابيس بالغة الإزعاج، وهو ما تكرر بمستوى أكثر كارثية في العراق، حيث تسعى واشنطن إلى الخروج من المستنقع العراقي متوسلة التعاون مع ألد أعدائها في المنطقة (سوريا وإيران)، ومع فشلها في كل من أفغانستان والعراق أرادت واشنطن التعويض بأي طريقة، فحثّت إسرائيل، ودعمتها للقيام بأوسع هجوم ضد المقاومة في لبنان في تموز 2006، وزعمت وزيرة خارجيتها كونداليزا رايس أن هذه الحرب هي مخاض سينتج الشرق الأوسط الجديد، لكن نتائج هذه الحرب لم تكن أقل كارثية، إذ منيت اسرائيل ومعها واشنطن بهزيمة كبرى ذات آثار استراتيجية بعيدة المدى، ظهرت بفشل مشروعها السياسي أيضاً في المنطقة ككل، إذ بدأ رحلة الصعود الإيراني والاستقرار السوري، ولم تعد واشنطن تمون على حلفائها باستمرار عزل سوريا، وفتحت باريس العلاقة على مصراعيها مع دمشق خلافاً لرغبة واشنطن، في هذه الأثناء لم يستطع حلفاء واشنطن في فريق 14 شباط الاستمرار بسياسة الاستئثار والهيمنة، واضطروا إلى التراجع أمام المعارضة اللبنانية، لتتلقى إدارة بوش ضربة قاسية أيضاً في 7 أيار 2008 وتتراجع مفسحة المجال أمام توقيع اتفاق الدوحة. على الجبهة العالمية كانت الصين تستمر في مسيرة صعودها، فيما بدأت روسيا أيضاً باستعادة الثقة واتخاذ المبادرة لمواجهة الهيمنة الاميركية، فأرادت واشنطن إرسال رسالة قوية عبر جورجيا، فكان الرد الروسي صاعقاً، ما أذهل واشنطن أيضاً فاختارت التعويض على عجل بنشر الدرع الصاروخية في بولونيا، وبالمقابل أعلنت سوريا استعدادها لنشر منظومات صواريخ روسية على أراضيها لتكتمل مباراة التحدي على رقعة الشطرنج التي يعرف الروسي إدارة خطواتها بإتقان شديد.
ماذا بعد سلسلة الهزائم التي منيت بها إدارة بوش وهي تحزم حقائب الرحيل؟ ليس هناك الكثير مما هو متاح أمام واشنطن، فالخيارات تتراوح بين السيئ والأكثر سوءاً، وليس بوسعها خوض مغامرات اضافية بعد كل هذه الأعباء التي سببت فشلاً بنيوياً لمشروع القرن الاميركي الجديد. الشيء الأكيد أن واشنطن بدأت تفقد المبادرة بسرعة، ولم تعد تمسك بزمام الأمور، الأكيد أيضاً أن عصر الهيمنة الأميركية الجديد الذي تحدث عنه فريد زكريا رئيس تحرير مجلة نيوزويك الاميركية قد انتهى قبل أن يبدأ، يبقى الثابت الآن أن واشنطن ستستمر بدفع أثمان غطرسة القوة التي مارستها بفظاظة مطلقة، ويبدو أن هذه الأثمان هي من النوع الباهظ جداً، ليس أقله نهاية الأحادية القطبية وعودة الحرب الباردة إلى العالم.
الانتقاد/ العدد 1292 ـ 22 آب/ أغسطس 2008